د.عبدالرحمن أحمد ناجي - وردتني نهاية الأسبوع الماضي رسالة من الأستاذ الكبير عبدالله سلام الحكيمي عبر تويتر يكرر فيها موقفه المعلن من قبل حينما طالب كل معارضي الرئيس الصالح بامتلاك شجاعة الاعتذار إليه لما تعرض له من ظلمهم حينما كانوا يحتجون عليه ويرفضون فهم واستيعاب أسباب توجهه وتركيزه على مسألة بناء وتعزيز قدرات وإمكانات المؤسسة العسكرية والأمنية وتسخيره لما يقترب من 65% أي ثلثي موازنة الدولة السنوية في كل عام من أعوام حكمه التي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود لصالح وزارتي الدفاع والداخلية، وفشلهم الذريع في إقناعه برؤيتهم لما يفضلونه ويصرون على أنه الصواب والأفضل بأن يستحوذ الجيش والأمن على ما نسبته 25% فقط أي ربع الموازنة، وتوجيه معظم الثلاثة أرباع المتبقية نحو تنمية وتعزيز قطاعي التعليم والصحة بصورة أساسية .
وفيما يلي نص الرسالة المشار إليها التي أرى أن من المهم والمفيد أن يطالعها جميع القُراء الكرام (الحقيقة ان تلك رؤيتي كانت بعد العدوان بقليل ومع دخول العدوان عامه الثالث بكل جرائمه وبشاعاته وحقده الدفين، ازددت قناعة بصوابيتها، والحق أن في النقطة التي دارت حولها رؤيتي تتعلق ببناء وتسليح جيش قوي، وكنا نحن نعتقد أن زمن الحروب في القرن الواحد والعشرين ولى وانقضى، واثبت العدوان الهمجي على اليمن أننا كنا مخطئين في رؤيتنا تلك، وبالمقابل أدركنا أن نظرة صالح كانت تمتد إلى بعيد، وتحتاط لما لم نلحظه نحن، فلا خير في إنسان يرى الحق حقاً فينكره أو يرى الباطل باطلا فيزينه).
والأستاذ الكبير عبدالله سلام الحكيمي بما ورد في ثنايا رسالته تلك إنما يعلمنا نحن والأجيال الحالية والقادمة من الشباب روعة المعارضة الحقة، وجمال العودة والاعتراف بالحق إن تبين للمعارض خطأ ما كان يتبناه ويعتقده ويدافع عنه، فلا تأخذه العزة بالإثم ولا يكابر ولا يصر على موقف ما ثبت لديه قطعيا أنه خطأ محض، ولا يجد حرجا أو غضاضة أو ما يقلل أو ينتقص من مكانته أو مقداره إن هو جاهر بالاعتراف بخطأ موقفه واعتذر عنه، وطلب من غيره ممن وقعوا معه فيه بأن يحذوا حذوه فيبادروا بالاعتذار عنه، وعلى العكس من ذلك فإن من شأن ذلك الاعتراف إن حدث أن يزيد ويضاعف من احترام وتقدير وإجلال الآخرين له.
ومن أكبر علامات الجحود والفجور بما أنعمه الله علينا، أن يهدينا الله لرؤية الحق حقاً بأبصارنا وبصائرنا واضحاً وجلياً ويزيل كل غشاوة كانت تحجبه عنا، فندير ظهورنا له ونتجاهله كأن لم يهدنا الله إليه عُلوَّاً وغُلوَّاً واستعلاءً واستكباراً، ولا نكتفي بذلك فقط من الفجور والجحود بأنُعم الله بل ونواصل العمل الدؤوب على إخفائه والتستر عليه، والإصرار على المضي في الانتصار للخطأ والدفاع عنه باستماتة مهما كلفنا ذلك من ثمن، وبكل ما وهبنا الله من قوة، وتلك صفة شيطانية تماماً، كيف لا وهو يطمع بأن يكون كل أولاد آدم متصفين بها، أولم تكن خطيئة التكَبُّر والاستعلاء هي الخطيئة الوحيدة التي اقترفها إبليس واستحق عليها لعنة الله وطرده نهائياً من رحمته ومغفرته إلى يوم القيامة، تلك الخطيئة هي التي دفعت به إلى عصيان أمر الله بالسجود لآدم عليه السلام، كما يقول الحق تبارك وتعالي (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِين)َ لأنه كما زينت له نفسه خيراً منه بالكيفية التي خلقه الله عليها، ولازالت تلك الخطيئة هي ما يجتهد إبليس بهمة عالية ومثابرة ودون كلل أو ملل في تعميمها ونفخها وتزيينها في قلوب وعقول وأرواح كل أولاد آدم لانه يراهم سببا في غضب الله عليه طرده من رحمته تعالي (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) فإن نجح إبليس وأفلح في غرسها في من يستجيب له منهم كانت تلك الخطيئة منطلقاً يفضي لسقوطهم في ما دونها من الشرور والآثام.
وهذا هو بالضبط ربما أبلغ تصوير لواقع حال من ارتضوا لأنفسهم أن يظلوا حتى اليوم مقيمين في مواضعهم في عاصمة العدوان تحت أقدام ونعال جُهَّالْ آل سعود، مُصرين على المُضي في قناعاتهم بأنهم إنما يحسنون صُنعاً باستمرار تأييدهم ومناصرتهم لتدنيس جحافل المعتدين لأرضهم وعرضهم وتلويثهم لشرفهم وامتهانهم لكرامتهم وعزتهم، وإنكارهم قيام أولئك المعتدين بإزهاق أرواح عشرات الآلاف من أشقائهم المسلمين الأبرياء المدنيين الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومضاجعهم من الشيوخ الطاعنين في السن والنساء والأطفال والأجنة في بطون أمهاتهم، وتدمير الحجر والشجر بما فيها الآلاف من المدارس والمساجد والمستشفيات والمطارات والطرقات والمساكن، مراهنين على أنهم إنما ينتصرون للحق الذي يدعونه ويقفون خلفه، وأن كل ما يقوم به المعتدون هو فعلاً من أجل سواد عيونهم وحباً ومودةً لهم، لتحرير وطنهم من بعض أبناء جلدتهم الذين اختلفوا معهم، ولم يمتلكوا القدر الكافي من الشجاعة لمجابهتهم ومواجهتهم وجهاً لوجه، وعجزوا عن تصحيح ما يرون أنه معوج فيهم، فتوصلوا لقناعة بشعة بأنه لا ضير ولا حرج إن هم استجاروا بالشيطان نفسه وزبانيته من أولاد آدم لتخليصهم منهم وإعادتهم لوطنهم، مهما بلغت وارتفعت تكلفة ذلك التحرير المزعوم.
ويتهرب أولئك من الرد على أسئلة قد تتردد في أنفسهم من حين لآخر، فما هو يا تري المقابل الذي يحصل عليه أولئك المحررون نظير تحريرهم لوطنهم وإعادتهم إليه كما يدعون وتصور لهم شياطينهم؟!، وهل كل تلك الدول مجتمعة في ذلك التحالف تمتلك قدراً كبيراً من القيم والمبادئ وتتسم بقدر عالٍ مشهود لهم به من النُبْل والأخلاق الكريمة بحيث يكون مُقنعاً لهم ولأبنائهم ونسائهم وكل أتباعهم وأذيالهم في الداخل أنها يمكن أن تتكبد كل تلك الخسائر والتعاقدات المستحدثة بمليارات الدولارات لتحقيق هدف التحرير المزعوم وإعادة أصنام تلك الشرعية المزعومة؟!، وحينما تعجز عقولهم وقلوبهم عن تفسير سبب صمود من تسمونها مجرد مليشيات للحوثي والمخلوع كما يدعون لأكثر من 850 يوماً حتى الآن في وجه المرتزقة والعملاء والمغرر بهم المحليين وكل تلك الحشود الدولية المعززة بأحدث الأسلحة والذخائر الأشد فتكاً في تاريخ البشرية، فإنهم يذهبون لإقناع أنفسهم وكل من يحيط بهم أو ينتمي إليهم، بأنه لولا دعم إيران الخفي والمستتر لما تحقق كل ذلك الصمود الأسطوري المذهل طوال تلك الفترة، على الرغم من أنهم يدركون استحالة تصديقهم هم قبل غيرهم، وتقبلهم وتصديقهم لذلك الطرح السخيف الذي يحاولون به التدليس على البسطاء منهم، لعلمكم ومعرفتكم اليقينية بخضوع وطنكم لحصار مُحكم براً وبحراً وجواً، فأجواء وبحار وشواطئ وتراب الوطن من أقصاه لأقصاه مراقب على مدار الساعة بالأقمار الصناعية التي تدور حول كوكب الأرض.
أما آن الأوان بعد مُضي كل هذه الأيام والأشهر والسنوات أن تراجعوا أنفسكم وتقفوا موقفاً صادقاً حازماً شجاعاً يتفق مع كل ما يمكن أن يتقبله العقل والمنطق والفطرة السوية؟!، أما آن الأوان بعد لأن تثوبوا إلى رشدكم فتستدعوا ضمائركم وتبثون فيها الحياة من جديد بعد أن وافقتم بملء إرادتكم على وضعها والتحفظ عليها طوال تلك الفترة في ثلاجات الموتى؟!، أما آن الأوان بعد لأن تقولوا لأنفسكم ولمن حولكم يكفينا ما مضى من حماقة وأنانية ونرجسية مفرطة أوقعنا أنفسنا وغيرنا فيها؟!، فها هي ذات اليد الكريمة التي اعتدناها وألفناها تمتد إلينا رسمياً من جديد فاتحةً لنا الأبواب على مصراعيها للعودة إلى وطننا بعد أن ظنناها باتت مؤصدة في وجوهنا للأبد، فإذا بتلك اليد الكريمة تمتد إلينا مملوءة بروح التسامح والتسامي وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الذاتية والحزبية الضيقة، وإن كان هناك من أخطاء قد اقترفناها فلنحاسب عليها كُلٌ بمقدار ما اقترفته يداه، فلعل محاسبتنا وتطهيرنا في دنيانا الفانية إن نحن تُبنا إلى الله، وأعلناها صراحةً وعلى رؤوس الأشهاد أننا كنا ظالمين لأنفسنا ولأهالينا ولكل من لهم حقٌ علينا، وأننا تائبون لربنا مستغفرون طامعون في عفوه ومغفرته ورضاه، تشفع لنا لدى الجبار المنتقم الذي نعلم أنه يمهل لكنه حاشاه أن يهمل.
ولتكن البداية والمنطلق في الاستجابة الذكية والواعية للدعوة الكريمة التي وجهها الرئيس الصالح أثناء لقائه بالكتلة المؤتمرية من أعضاء مجلس النواب نهاية الأسبوع الماضي بما هو معهود عنه من سجايا الصفح والتسامح والتسامي والترفع، حينما ناشد بقية أعضاء البرلمان المتواجدين بالخارج والمؤيدين منهم للعدوان على وطنهم بالعودة خلال فترة زمنية يحددها البرلمان أو الإعلان رسمياً خلال تلك الفترة إن استحالت عودتهم عن عدولهم عما كانوا فيه من زلل وخطأ جسيم بحق وطنهم وشعبهم، ومطالبتهم - كممثلين لشعبهم - المعتدين بالتوقف عن الاستمرار بعدوانهم والكف عن إزهاق أرواح المزيد من الأبرياء.
وهي فرصة تاريخية سانحة من رجل عرفوه وجربوه واختبروا مصداقيته ربما لن تتكرر من سواه، لذا فعليهم استغلالها والاستفادة منها والتحلي بأقصى درجات الشجاعة للإقرار والاعتراف بخطأ وعدم صواب ما مضوا وساهموا فيه من قبل، وليكن عميد المعارضين وشيخهم بلا منازع الأستاذ الكبير عبدالله سلام الحكيمي مثلهم وقدوتهم النابضة أمام أعينهم، وهو المقيم بعيدا عن تراب وطنه في بريطانيا، ولا مصلحة يرتجيها في الرئيس الصالح ولا مغنم يأمله أو يتعشم فيه منه، فذلك خيرٌ لهم ألف مرة من الاستمرار في العناد والتكبر والاستعلاء والمضي في الانتصار للباطل بعد ما رأوه وشاهدوه وتيقنوا منه ببصائرهم قبل أبصارهم من خلال كل ما حاق بوطنهم منذ بدء العدوان الهمجي البربري وحتى اليوم، وهو العدوان الذي لم يستثن شيئاً على الإطلاق، وليتذكر من تملكته وساوس إبليس الرجيم منهم فظن أنه يملك القُدرة على الإفلات من عدالة الأرض ومضى على عناده واستكباره، أنه لن يكون بمقدوره أبداً الهروب من عدالة السماء في دنياه أو في أُخراه.. نسأل الله لهم ولنا الهداية، وهو وحده القادر على ذلك، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
|