الميثاق نت -

السبت, 19-أغسطس-2017
د‮. ‬خالد‮ ‬أحمد‮ ‬القيداني‮ ‬ -
آخر‮ - ‬وليس‮ ‬بأخير‮- ‬كتب‮ ‬أستاذنا‮ ‬الفاضل‮ ‬سعادة‮ ‬السفير‮ ‬الدكتور‮/ ‬علي‮ ‬عبدالقوي‮ ‬الغفاري‮ ‬كتاب‮ ‬يحكي‮ ‬فيه‮ ‬معلومات‮ ‬قيمة‮ ‬وتجارب‮ ‬شخصية‮ ‬مطعمة‮ ‬بحسه‮ ‬الأدبي‮ ‬الجميل‮ ‬والمشوق‮ ‬عن‮ ‬جنوب‮ ‬أفريقيا‮ ‬ارضاً‮ ‬وإنساناً‮ ‬وتاريخاً‮.
وقبل أن أتحدث عن انطباعي الشخصي عن الكتاب أود الحديث عن الدكتور علي الغفاري من الداخل. لذا يستلزم الأمر أن نعود بالزمن عشرين عاماً للوراء عندما كنت طالباً في قسم العلوم السياسية وكنت أبحث عن المعرفة والعلم، وقد نلتُ شرف التتلمذ على يديه حين درّسني مادة "الدبلوماسية‮" ‬لمدة‮ ‬فصل‮ ‬كامل،‮ ‬وكان‮ ‬نِعْم‮ ‬الأستاذ‮ ‬والمحاضر،‮ ‬والحق‮ ‬أقول‮ ‬أنه‮ ‬كان‮ ‬على‮ ‬كفاءة‮ ‬واقتدار‮ ‬في‮ ‬عرض‮ ‬المادة‮ ‬العلمية‮ ‬والاستشهاد‮ ‬بطرح‮ ‬الوقائع‮ ‬والأحداث‮ ‬المناسبة‮ ‬لها‮. ‬
وقد قام حينذاك بعمل اختبار نصفي للمادة وكنْتُ - لظروف خارجة عن إرادتي- غائباً عن الاختبار مما يعني أنني خسرت 20٪ من إجمالي درجات المادة وكنت قد يئست من تحصيلها، إلا أن زملائي في نفس الدفعة الأخ / فؤاد فاخر والأخ/ عبدالكريم هاشم أخبروني أن الدكتور علي عبدالقوي الغفاري إنسان فاضل وأنه قد يلتمس لي العذر، فذهبت إليه عله يستمع إلى عذري، وعندما قابلته ابتسم في وجهي وقال "يحصل خير إن شاء الله"، خرجت من عنده معتقداً أنه لم يُعِرْ موضوعي أي اهتمام. وتوالت الأيام حتى جاء يوم الاختبار النهائي ففوجئت بأستاذنا الفاضل وهو واقف على رأسي وأنا منهمك بحل الاختبار فلما رفعت رأسي وجدته ينظر إلي مبتسماً فبادلته الابتسامة وبادر بسؤالي: أنت الطالب الذي غبت في الاختبار النصفي؟، لم أكن قد قابلته سوى تلك المرة، ولم أكن أتوقع أنه سيذكرني لأن بين مقابلتي له والاختبار النهائي شهرين أو يزيد، لقد أخذتني الدهشة والاستغراب حينها من هذا الرجل الرائع الذي كان يمثل الأب الفاضل الحريص على أبنائه، فأجبته: نعم، فقال لي: اكتب ملاحظة في الدفتر "أنني الطالب الذي غاب الامتحان النصفي" وأنا سأقوم بالتصحيح لك من الدرجة القصوى 100، أدركت حينها أنه سينصفني وسيعطيني حقي، لقد كان هذا الموقف حافزاً إضافياً لي للإجابة بشكل نموذجي، وعند ظهور النتائج كانت نتيجتي في هذه المادة (96٪). لقد أثر فيّ هذا الموقف واحتفظت به في ذاكرتي ووجداني حتى أصبحت أستاذاً جامعياً وأدركت حينها أن المواقف الجميلة تظل خالدة في الذهن وأن التعامل الراقي صفة يجب أن يتصف بها كل من يحمل راية العلم، ويتحمل مسئولية نقله إلى الأجيال. وطلابي اليوم يشاهدون ما غرسه ذاك الموقف واقعاً معاشاً في أسلوب تعاملي معهم وفي طريقة تلقيني إياهم للمقرر العلمي.
هذا‮ ‬هو‮ ‬الدكتور‮ ‬علي‮ ‬عبدالقوي‮ ‬الغفاري‮ ‬الإنسان‮ ‬المنصف‮ ‬المهتم،‮ ‬الذي‮ ‬إذا‮ ‬وعد‮ ‬أوفى‮ ‬وإذا‮ ‬استوفى‮ ‬حقه‮ ‬علمياً‮ ‬أعطى‮.‬
وبعد عشرين عاماً، قرأت كتابه (جنوب أفريقيا من الداخل) الذي شدني من أول صفحة وانهمكت في قراءته حتى أكملته، كان أسلوبه السردي يأسر الفكر ويشد الانتباه أشبه ما يكون بالسحر إلا أنه كان سحراً علمياً.
هذا الكتاب ينقل قارئه إلى عوالم متعددة وفضاءات رحبة تسافر به إلى جنوب أفريقيا واقعاً معاشاً، حيث يشعر القارئ وهو يقلب صفحات الكتاب أنه يختصر المسافات وينتقل من مكان إلى آخر وكأن الصفحات قطار متنقل أو طائرة مسافرة تنقلك صفحة وراء صفحة وكأنها رحلة تشدك إلى رحلة‮ ‬أخرى‮.‬
المعرفة العلمية في الكتاب لم تقتصر على معلومات عن جنوب أفريقيا بل نجدها تحدثت عن أبعاد أخرى تمثل مجموعة من الوثائق التثقيفية فيما يتعلق بسياسة الفصل العنصري والإعلان العالمي المتعلق بها. هذا من جانب، ومن جانب آخر اكتسب الكتاب بعداً تحليلياً من كاتبه في بعض‮ ‬المواضع‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬تتطلب‮ ‬ذلك،‮ ‬وبالتالي‮ ‬أجاب‮ ‬عن‮ ‬أسئلة‮ ‬كانت‮ ‬تدور‮ ‬في‮ ‬خلدي‮ ‬وأنا‮ ‬أقرأ‮ ‬بعض‮ ‬الفقرات‮ ‬وما‮ ‬أن‮ ‬أنتهي‮ ‬منها‮ ‬حتى‮ ‬أجد‮ ‬الإجابة‮ ‬في‮ ‬الفقرة‮ ‬التي‮ ‬تليها‮.‬
لقد تفاعل معي هذا الكتاب وقرأ أفكاري، وهذا يعكس القدرة والتمكن التي يمتلكها أستاذنا القدير - كما عهدناه- في نفخ روح متعة القراءة في هذا الكتاب، وإني لأنصح بشدة كل المهتمين وكل من يحاول اكتساب معرفة عن جنوب أفريقيا بقراءته، وكذلك أنصح كل الدبلوماسيين الذين يريدون‮ ‬الارتقاء‮ ‬بمهنتهم‮ ‬وفكرهم‮ ‬أن‮ ‬يقرأوه‮ ‬وأن‮ ‬يستجلبوا‮ ‬منه‮ ‬الخبرات‮ ‬العميقة‮ ‬التي‮ ‬تمكنهم‮ ‬من‮ ‬استقراء‮ ‬الأحداث‮ ‬أثناء‮ ‬توليهم‮ ‬مهامهم‮ ‬الدبلوماسية‮.‬
الجدير‮ ‬بالذكر‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬الكتاب‮ ‬سينظم‮ ‬إلى‮ ‬عشرة‮ ‬كتب‮ ‬قام‮ ‬استاذنا‮ ‬القدير‮ ‬الدكتور‮ ‬علي‮ ‬عبد‮ ‬القوي‮ ‬الغفاري‮ ‬برسم‮ ‬محياهن‮ ‬الباسم‮ ‬في‮ ‬ثغر‮ ‬العلم‮ ‬،‮ ‬وهو‮ ‬بالتأكيد‮ ‬لن‮ ‬يكون‮ ‬آخر‮ ‬إبداعات‮ ‬انامله‮ ‬الشغوفة‮ ‬بالكتابة‮. ‬
كل‮ ‬حبي‮ ‬واحترامي‮ ‬وتقديري‮ ‬وإجلالي‮ ‬لأستاذي‮ ‬الفاضل‮ ‬سعادة‮ ‬السفير‮ ‬الدكتور‮/ ‬علي‮ ‬عبدالقوي‮ ‬الغفاري‮ ‬وأنا‮ ‬في‮ ‬شوق‮ ‬لقراءة‮ ‬كتاب‮ ‬قادم‮ ‬لهذه‮ ‬القامة‮ ‬السامقة‮.‬
جامعة‮ ‬صنعاء
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:48 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-51411.htm