الإثنين, 12-نوفمبر-2007
الميثاق نت -  علي عمر الصيعري -
عجبتُ لأمر قوم لايروق لهم تقبُّل الحقيقة بعقلانية يحكمها »المنطق« والذي يعني »علم المحاكمة العقلية« عند الفيلسوف »ديدرو« 1713 - 1784م، حيث لخصها في كتابه الشهير بــ»الموسوعة« بالقول : »ان فن المحاكمة هبة تقدمها الطبيعة نفسها للعقول السليمة«.. و »ان المنطق‮ ‬يعلم‮ ‬تمييز‮ ‬المبادئ‮ ‬الخاطئة‮ ‬او‮ ‬حتى‮ ‬اخفائها‮ ‬في‮ ‬قالب‮ ‬خداع‮«.‬
وهذا مما يدفع بهؤلاء القوم، في طرائق تفكيرهم وتحاليلهم وكتاباتهم، الى ليّ عنق الحقيقة، ان لم نقل احتكارها، او تسخيرها لخدمة »علل غائية« خاصة بهم، غير انها تبعدهم عن الهدف المعرفي والفلسفي للوقائع التي فسرها »بوفون« 1707 - 1788م في كتابه الشهير بــ»التاريخ الطبيعي« بأنها :»تهدف الى معرفة كيفية الاشياء وطريقة عمل الطبيعة« فهم هنا - كما يقول بوفون : »يحاولون التكهن بعلل الوقائع والغاية التي تستهدفها« (راجع كتاب : الادب الثوري في القرن الثامن عشر - نهاد رضا -ص 90 و 83 طبعة أولى).
فعندما يفكر هؤلاء القوم او يحللون الواقع والوقائع في كتاباتهم ومقالاتهم، وهم ينتقدون بقسوة رؤى وأفكار وتوجهات فخامة الاخ الرئيس المعلم - حفظه الله- او يفسرون مشروعه الكبير الشامل لبناء الدولة اليمنية المؤسساتية بعد ان وحدها، والفصل الاخير المهم فيه وهو مبادرته الرئاسية، يغيب عن تفكيرهم أسس المنطق فيستعيضون بدلاً عنه »العلل الغائية« التي يلوون بها عنق الحقيقة، شأنهم شأن ذلك الرجل الذي أورد عنه الموروث الادبي الثقافي العربي، أنه رأى ذات يوم زوجته صاعدة السلم فقال لها : »طالق أنت ان صعدت، وطالق ان نزلت، وطالق ان‮ ‬توقفت،‮ ‬فما‮ ‬كان‮ ‬لها‮ ‬إلاّ‮ ‬ان‮ ‬رمت‮ ‬بنفسها‮ ‬عليه‮.. ‬الى‮ ‬آخر‮ ‬هذه‮ ‬اللقطة‮« ‬فالمرأة‮ ‬هنا‮ ‬رمز‮ ‬لــ‮»‬الحقيقة‮« ‬التي‮ ‬اعتسفها‮ ‬هذا‮ ‬الرجل‮ »‬الغائي‮« ‬ونجح‮ - ‬مؤقتاً‮- ‬في‮ ‬احتكارها‮ ‬والاستئثار‮ ‬بها‮.‬
ومثال لانموذج واحد من هؤلاء القوم ذلك الزميل الذي يطالعنا عادة بوصفه من كبار المحللين السياسيين، الامر الذي ذهبت معه مؤخراً إحدى الصحف المستقلة الى تقديمه في صدر صحفتها الاولى بأنه »قارئاً حركة الرئيس في معاشيق« ليفاجئنا - معللاً بغائية- ان فخامة الاخ الرئيس‮ »‬يبذل‮ ‬جهداً‮ ‬في‮ ‬المعالجات،‮ ‬ويراوح‮ ‬في‮ ‬حسم‮ ‬الادوات‮«‬،‮ ‬ويذهب‮ ‬ليصف‮ ‬حركة‮ ‬هذه‮ ‬المعالجات‮ ‬بأنها‮ »‬حركة‮ ‬يومية‮ ‬لمعالجات‮ ‬باليومية‮ ‬ايضاً‮«.‬
ويذهب به هذا التعليل الغائي الى وصف فخامته بأنه يداري ويماري ويتناقض مع نفسه في المحاور التي يتناولها في معالجاته تلك، الى حد أنه - أي الرئيس - يعجز عن حسم انحيازه إما لـ»التشخيص« او لجانب »المعالجات« ليخلص هذا الجهبذ المحلل والمفكر الغائي الى القول بــ»ان‮ ‬الرئىس‮ ‬صالح‮ ‬إما‮ ‬غير‮ ‬مقتنع،‮ ‬او‮ ‬غير‮ ‬واثق‮ ‬بمتطلبات‮ ‬جديدة‮ ‬لادارة‮ ‬الأزمات‮«.‬
هذا مجرد مثال ليس إلاّ لطريقة هؤلاء القوم في التفكير والتحليل للأوضاع التي يعيشها الوطن حالياً، وفلسفتهم للطرائق التي يدير بها فخامة الاخ الرئيس المعالجات لهذه الأوضاع، فتأتي مخرجات هذا التحليل، وتلك الفلسفة، وذلك التفكير لتشوش على الرأي العام وتزيد الأمور تعقيداً، او تحبط عوامل الثقة في نفوس الناس في عدن والمحافظات المجاورة، التي يبذل الاخ الرئيس جهوداً جبارة لإعادة ترميم جسورها على أثر تمكن بعض المتنفذين من اقطاب »المشترك« من إحداث بعض التصدعات فيها نتاج ذلك التفكير الغائي وتلك العقول السقيمة، غير أنهم وقعوا‮ ‬فريسة‮ »‬الوهم‮« ‬الذي‮ ‬يدمر‮ ‬في‮ ‬نفوسهم‮ ‬الحكمة‮ ‬والمنطق‮ ‬جراء‮ ‬استمرائهم‮ ‬ليّ‮ ‬عنق‮ ‬حقائق‮ ‬التاريخ،‮ ‬والذي‮ ‬عادة‮ ‬مايبعدهم‮ ‬عن‮ ‬نظرية‮ ‬المعرفة‮ »‬الفنوسيولوجيا‮«..‬
ختاماً‮ ‬نعيد‮ ‬الى‮ ‬أذهانهم‮ ‬مقولة‮ ‬الفيلسوف‮ »‬ديدرو‮« ‬والقائلة‮ ‬بــ‮»‬ان‮ ‬المحاكمة‮ ‬العقلية‮ ‬هبة‮ ‬تقدمها‮ ‬الطبيعة‮ ‬نفسها‮ ‬للعقول‮ ‬السليمة‮«..‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5158.htm