د/عبدالعزيز المقالح -
< طويلةٌ هي قائمة المسكوت عنهُ في تاريخ العرب الحديث، وليس أطول منها سوى قائمة أحزانهم الناتجة عن سلسلةٍ من الخلافات والصراعات والحُروب والهزائم، وعن خيبات أملٍ بلا حصر، وما أثقل التركة التي ورثها القرن الحادي والعشرون، عربياً، عن سلفهِ القرن العشرين، وفي مُقدِّمة تلك التركة أراضٍ عربيةٌ مُغتصبة، بالقهر أو بالتواطؤ والصمت.
وكان المُتفائلون العرب في القرن العشرين يرون أنَّ كُلَّ شيءٍ سوف يتغيَّر، وما ذهب بالأمس سيعود اليوم، وما ذهب اليوم سيعود غداً، وأنَّ الأهمّ من استرجاع ما ضاع، التمسُّك بالثقة والإيمان، اللَّذين يجعلان من كُلِّ ما ضاع حالةً مُؤقَّتةً.
وفي مناخ ذلك التفاؤل العجيب ضَاعَتْ فلسطين، وَضَاعَتْ أجزاءٌ من أقطارٍ عربيةٍ في المشرق والمغرب، وعلى الرغم من أنَّ الأرض العربية بَدَأَتْ تنكمش وتتناقص، إلاَّ أنَّ المُتفائلين لم يتعبوا، ولم يتناقص مخزونهم من التفاؤل.
لقد مرَّ الزمن، وانتهى قرنٌ بأكملهِ، وأتى قرنٌ جديد، ووقف العرب، في بداية هذا القرن الجديد، لإجراء عمليةٍ حسابية، يحصون من خلالها أرباحهم وخسائرهم في القرن المُنصرم، وقبل أنْ ينتهوا من الإحصائية المُخيِّبة للآمال، وجدوا أنفسهم وجهاً لوجهٍ مع أكثر الخسائر وأفدحها، وأعني بهِ غياب العراق وسُقوط بغداد، عاصمة الخلافة العربية الإسلامية، وما تبع ذلك من قتل مليونٍ ومائتي ألف عراقي - بحسب الإحصائيات الدقيقة - وأربعة ملايين ونصف المليون مُهاجرٍ نزحوا إلى بُلدان الجُوار العربية.
واختفى، مع هذهِ المحنة الجديدة، كُلّ معنىً للتفاؤل، وصار التشاؤم هُو السائد، لأنَّ أحداً لا يستطيع أنْ يجد في الواقع ما يبعث على لمعة تفاؤلٍ واحدة، على الرغم من كُلِّ ما تقولهُ القصائد ونشرات الأخبار الصادرة عن إذاعات أُمراء الطوائف المُحترمين وفضائياتهم.
وحتَّى لا تطول المُقدِّمة أكثر ممَّا طَالَتْ، ندخلُ مُباشرةً إلى الموضوع الذي أوحى بتلك المُقدِّمة، وهُو عن «سبتة» و«مليلة»، المدينتين المغربيتين المسكوت عنهما، مغربياً وعربياً، واللتين عاد الحديث عنهما إلى السطح في الأيَّام الماضية، بمُناسبة زيارة الملك الإسباني للمدينتين لأوَّل مرَّة، ليُؤكِّد على إسبانيتهما.
والثابت أنَّ الملك الإسباني ما كان ليجد وقتاً أفضل من هذا الوقت الذي يتقاتل فيهِ أُمراء الطوائف العرب على مَنْ يُبدي ولاءً أكبر للإدارة الأمريكية، التي تُصنِّفهم جميعاً كأعداء، دُون تمييز، وتُواصل إصرارها على الحديث، يومياً وبلا انقطاع، عن ضرورة تفوُّق العدوّ الصهيوني عليهم جميعاً.
ومن أجل ذلك تمَّ تدمير العراق، ويتمّ الآن تهديد سُوريا وتمزيق السُّودان ومنح الصُّومال هديةً مسمومةً لإثيوبيا، والمُضيّ بإعداد خرائط تمزيق الأقطار العربية ذات الحجم الكبير، وفي المُقدِّمة مصر، التي عَاشَتْ، بشعبها المُتجانس، واحدةً غير مُقسَّمةٍ ولا مُفكَّكةٍ مُنذُ سبعة آلاف سنة.
إنَّ عودة «سبتة» و«مليلة»، كمدينتين عربيتين مُستلبتين، إلى واجهة الأخبار بعد سنواتٍ من الصمت الطويل، يُوقظ في الذاكرة العربية قائمةً طويلةً من الأراضي المسلوبة، المُعلنة والمسكوت عنها، ولن تستطيع الدولة المغربية وحدها، ولا الاتِّحاد المغربي وحدهُ، عمل أيِّ شيءٍ لاسترجاع هاتين المدينتين العربيتين، دُون الاستيقاظ من السُّبات وبلا جُهدٍ عربيٍّ حقيقيّ، ودُون استشعارٍ عربيٍّ عامٍّ بالخطر الذي يُهدِّد الأطراف، كما يُهدِّد مراكز القلب في الوطن العربي.
ولا يَغُرَّنّ بعض أُمراء الطوائف الاستقرار الشكلي، فالأعداء الذين نثق بهم ونتورَّطُ في الولاء لهم، مشغولون ليل نهار بإعداد خرائط التذويب والتقسيم، وهُم يستقبلون القيادات العربية الحاكمة في النهار والقيادات المُعارضة لهذه القيادات الحاكمة في اللَّيل، ويستقبلون أعداء الجميع في اللَّيل والنهار.
الشاعر الكبير صالح سحلول في ديوان الملاحم الشِّعْرِيَّة
< يضمّ الديوان الجديد للشاعر الكبير صالح سحلول ثلاثاً من ملاحمه الشِّعْرِيَّة، هي جوهر الحكمة وخُلاصة تجربتهِ الطويلة مع الشِّعْرِ والناس والحياة.
الملحمة الأُولى الرائية، وتحمل عنوان «الناقة المعقورة»، وتكاد تُوجز تاريخ اليمن الحديث، والملحمة الثانية بعنوان «النصائح النُّونيَّة»، تليها الملحمة الثالثة والأخيرة، وعنوانها «الوصايا الكافِّيَّة»، نسبةً إلى حرف الكاف ... كتب مُقدِّمة الديوان الصديق الأُستاذ مُحمَّد لطف غالب.
تأمُّلاتٌ شِعْرِيَّة :
جَادَكَ الدَّمْعِ إِذَا الدَّمْعُ هَمَى
يَا زَمَانَ الذُّلِّ عِنْدَ الْعَرَبِ
فَابْكِ إِنْ تَسْطيِعَ مَاءً أَوْ دَمَا
كُنْتَ فِيْ المَشْرِقِ أَوْ فِيْ المَغْرِبِ
وَاخْنَعِيْ يَا أُمَّةً تَشْكُوْ الظَّمَا
وَتُعَانِيْ مِنْ سُعَارِ السَّغَبِ
لَيْتَ حُرَّاسَكِ كَانُوْا غَنَمَا
حِيْنَ ناشتك ذِّئْابُ الأجنبي
وَالأَعَاصِيْرُ الَّتِيْ تَطْوِيْ السَّمَا
لَيْتَهَا تَلْتَهِمُ الشَّعْبَ الْغَبِيْ!!
الثورة