الميثاق نت -

الثلاثاء, 12-سبتمبر-2017
د.عبدالرحمن أحمد ناجي -
ما الذي يجعل هذا الرجل محط الأنظار؟! ، وما الذي يجعل القلوب تخفق انتظاراً لما سيخرج من بين شفتيه وسيتفوه به في كل إطلالة له؟! ، يستوي في ذلك محبوه وباغضوه ، ويستوي في ذلك أنصاره وأعداؤه ، ويستوي في ذلك من يرونه حكيماً مُنْقِذاً .. ومن يرونه شيطاناً رجيماً ، ويستوي في ذلك من يرونه عاشقاً لتراب وطنه فخوراً متباهياً بمواطنيه .. ومن يرونه عميلاً خائناً منتقماً من كل مواطنيه ، ويستوي في ذلك من يرونه رحمةً مهداة من الله لشعب الإيمان والحكمة الذي ليس له نظير في العالمين ..
ومن يرونه لعنة تجسد بها غضب الله على اليمانيين جزاءً وفاقاً لما اقترفته أياديهم من آثام ، ويستوي في ذلك من يرون في استمرار وجوده بينهم نعمة من أعظم النعم التي مازال الله يُنْعِم بها على اليمانيين ومن يؤمنون بأن نقمة الله على اليمانيين قد تجلت حينما تمت مشيئته وأوتي الحُكْمَ واعتلى كرسي الرئاسة وظل متربعاً عليه 34 عاماً هجرياً ، ويستوي في ذلك من يقفون في منتصف المسافة بين كل أولئك عاجزين عن تقييم الرجل لتحديد ما إذا كان ينبغي عليهم الاندفاع إليه أو النأي بأنفسهم عنه ، ولعل هذا الأمر بتلك الكيفية هو أحد نواميس الله في مخلوقاته ، وهو كذلك حال كل أولاد آدم مع كل من حكمهم وتولى أمرهم على مر العصور والأزمنة ، ولا يُستثنى من ذلك حتى الأنبياء والرسل وأولياء الله الصالحين .
أيا كان موضع من يطالعون بأعينهم هذه الكلمات بين تلك الأصناف ، إلا أنهم يجدون أنفسهم مرغمين ذاتياً وتلقائياً وبصورة عفوية على توفير وتهيئة كل الأسباب التي تُمَكِّنهم من الإنصات إلى ما سينطق به هذا الرجل ، وكلاً منهم يبدأ بتقييم كل إطلالة له ربما قبل أن تبدأ الأحرف والكلمات بالانسياب من فمه ، فمظهره الخارجي بصورة كلية وما يرتديه من ملابس نوعاً ولوناً وملامح وجهه ووضعية جلوسه أو وقوفه ، كل تلك الأمور تبعث برسائل مختلفة المعنى والمضمون وفقاً للزاوية التي ينظر بها إليه المشاهد المتلقي ، ويصدق على الجميع في هذا المقام قول المثل الشهير : عين الرضا عن كل عيبٍ كليلةٌ.. ولكن عين السُخْطِ تُبْدي المعايبا، ويختتم كل إطلالةٍ له ليكون هناك من استمتعوا بكلماته ، وكأنها كانت أشبه ما تكون بسيمفونية أطربت آذانهم ، وكان وقعها كالبلسم على جراحهم وآلامهم ومواجعهم ، فاستعادوا بها توازنهم النفسي واستردوا بها طمأنينتهم وراحة بالهم وسكنت هواجسهم وزال توترهم وقلقهم ، ويكون هناك في المقابل من يصبون جام غضبهم عليه ويسمحون لألسنتهم أن تنطلق لتنطق في حقه ما لذ لهم وطاب وشفى غليلهم من مصطلحات الذم والقدح والتعريض والشتم والسب .
ولم تكن المقابلة التي أجرتها معه قناة (اليمن اليوم) الأسبوع الماضي في مثل هذا اليوم منه تحديداً استثناءً من كل ما تقدم ، فبمجرد أن انتقلت إليه عين الكاميرا بدا الرجل مكفهر الوجه ناحل الجسد مجهداً حزيناً أو غاضباً أو ربما كان في ذروة ثورته ، ولم يكن يرتدي ربطة العُنق ، مما جعل الكثيرين يختلط عليهم الأمر ، مما أفرز تبايناً حاداً في الآراء لدى كل من شاهدها ، فمنهم من شعر بالأسى والحُزن ، واعتبرها مقابلة صادمة وموجعة خذلته أيما خُذلان ، ومنح ذاته الإذن للانطلاق نحو استنتاجات سلبية بالغة التشاؤم في تفسيره لما ورد في تلك المقابلة وشعر أن (اليمن) إنما يسير بخُطى ثابتة نحو هاوية سحيقة لا قرار لها ، ومنهم من ظن أنها تنضح بالإذعان والاستسلام والتقاعس والنكوص والتراجع عن كل ما نطق به في إطلالات سابقة ، ومنهم من اعتبر أن الشُركاء سياسياً وعسكرياً قد ظفروا به أخيراً ، وأنه أصبح في قبضتهم يسيرونه كيفما شاءوا ولم يَعُد له لا حول ولا قوة ، وصار لا يملك من أمره شيء ، ومنهم أخيراً من لم يرَ في تلك المقابلة أياً من كل تلك النظرات المعتمة القاتمة المُغرقة في التشاؤم ، بل لم يجد فيها إلا ذات الرجل الممتلئ بالعزة والكبرياء والشموخ مع حضور ذهني لافت ، كما لم يفقد فيها الرجل روحه المرحة بالرغم من أن ملامح وجهه لم تكن لتوحي أو تنبئ بأن هناك مجالاً للدُعابة والفُكاهة من حين لآخر كلما أمكنه ذلك .
أكد الرجل على التمسك بالثوابت الوطنية التي يستحيل تجاوزها أو تخطيها أو تنحيتها جانباً أو القفز عليها على المستوى الشخصي والتنظيمي والوطني ، كما أكد الرجل على استحالة السماح بتمكين الحلفاء في العدوان على الوطن من تحقيق ما عجزوا عنه بالقوة العسكرية المُفرطة ، فبدد وقضى وأجهز على كل أحلامهم المريضة بتفكيك الجبهة الداخلية ، وإيجاد شرخ بين الشركاء في التصدي لعدوانهم البربري الغاشم يمكنهم بمرور الأيام توسعته والنفاذ منه لكل شريك على حِدة .
كما أقر الرجل بوجود خلافات بين الشركاء في التصدي للعدوان ، واعتبر حدوث ذلك حالة طبيعية جداً طالما نحن نتحدث عن تحالفات بشرية ، وأن السبيل الوحيد لحل تلك الخلافات هو تعزيز تلك الشراكة لتصبح أكثر فاعلية ومتانة ، بالبحث عن الوسائل الملائمة لتقريب وجهات النظر والحلول والبدائل الكفيلة بتذويب وإزالة تلك الخلافات بقدر المستطاع ، ولم يجد الرجل حرجاً من الإعلان أو الاعتراف - كما استعذب البعض تسميته - بأن تنظيمه السياسي إنما يعمل تحت سُلطة وإمرة الشركاء سياسياً وعسكرياً ، وأن ما يحكم تلك الشراكة هو مدى الالتزام بالدستور النافذ والقوانين النافذة ، فالجميع خاضعون لهما ويقفون تحت سقفهما .
والاعتراف بهذا الأمر ليس بالأمر الجديد فقد جاء على لسان الرجل أكثر من مرة في أكثر من إطلالة سابقة ، لكن تكراره هذه المرة ربما يعني أن الرجل يدعو الشركاء لاستيعاب المعنى بأكمله حق الاستيعاب ، فطالما كنتم أنتم الدولة فلتتعاملوا مع كافة مواطنيكم من هذا المنطلق ، ولينضوِ تحت جناح الدولة الرسمي كل عناصركم التي تأتمر بأمركم ، ولتكن وزارة الداخلية هي وحدها الجهة الرسمية المناط بها مهام الحفاظ على الجوانب الأمنية لكافة المواطنين داخل المدن والقرى وما يربط بينها من شبكات الطرق ، تحت راية الجمهورية اليمنية ودون أن يناط الأمر بعناصر حزبية تتبعكم للقيام بذلك ، ولتكُن وزارة الدفاع هي الأخرى الجهاز الحكومي الرسمي المناط به احتواء وتنظيم كافة العمليات العسكرية لصد وكسر أي زحف للمعتدين ، ويشمل ذلك إعلان التعبئة العامة والحشد البشري للجبهات ، وكل ما يستلزم تحقيق ذلك الأمر من تدريب وتأهيل وتسليح ، ولا يوجد ما يبرر إناطة الأمر بأي مكون أخر خارج إطار الدولة ذاتها لإنجاز كل أو بعض هذه المهام .
وكأني بالرجل يشير إلى نقطة غاية في الأهمية ، وهي أنه طالما قبلنا وارتضينا أن نصبح شركاء في العملية السياسية من قمة الهرم حتى قاعدته محتكمين إلى نصوص الدستور والقوانين النافذة في كل ما شجر بيننا من خلاف أو تباين ، فلنتذكر النص الدستوري الصريح الواضح الجلي الذي لا يحتمل أي التباس ولا يتطلب أي اجتهاد لتفسير مضامينه ، ذلك النص الوارد في المادة 36 بالفصل الرابع (أسس.الدفاع.الوطني) من الباب الأول (اسس الدولة) والتي جاء فيها حرفيا ما يلي : الدولة هي التي تنشئ القوات المسلحة والشرطة والأمن وأية قوات أخري ، وهي ملك الشعب كله ، ومهمتها حماية الجمهورية اليمنية وسلامة أراضيها وأمنها ، ولا يجوز لأي هيئة أو فرد او جماعة او تنظيم أو حزب سياسي إنشاء قوات او تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية لأي غرض كان وتحت أي مسمي ، ويبين القانون شروط الخدمة والترقية والتأديب في القوات المسلحة والشرطة والأمن .
وإن نحن التزمنا بتفعيل وتطبيق كل ما ورد في نص المادة الدستورية المشار إليها أعلاه ، لكان في ذلك وحده ضمانة أكيدة على عدم نشوب أي اختلاف أو تباين في وجهات النظر ، ومن القواعد الدستورية المتعارف عليها أن النصوص الدستورية علي ما يمنحها البشر من قدسية لكنها تظل وضعية صاغها وبلورها كوكبة من البشر في كل دولة من دول العالم ، وأنه إذا ما خطر للحاكم أن يجري تعديلا ما لنص دستوري بعينه فعليه أن يدفع بالتعديل المقترح للبرلمان لدراسته والتوصل إلى رأي فيه ، ثم الدفع به للاستفتاء الشعبي العام ليقول فيه كافة المواطنين المتمتعين بحق التصويت كلمتهم الفصل إما بالموافقة على التعديل المقترح أو برفضه جملة وتفصيلا ، أما أن يتم وضع هذا النص هو وغيره من النصوص الدستورية تحت أقدامنا ، ونستثني منه المكون السياسي الحاكم ، فنجيز له وحده ما هو محظور ومحرم على بقية الأحزاب الوطنية ، وذلك بإنشاء لجان أمنية شعبية خاصة به لا تأتمر بأمر الدولة التي يحكمها ذلك الكيان ، ولا تتلقي تدريبها وتأهيلها وتسليحها إلا عبر ذلك الكيان ، فإن في ذلك إثارة للخلافات والتباينات ،وإيجاد بيئة خصبة لعناصر الطابور الخامس لتمارس مهمتها القذرة في الدس والوقيعة بين الشركاء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة الدفاع عن الوطن .
هذا في تقديري الشخصي ما أراد لهم الرجل أن يستوعبوه ويفهموه ، وخلاصته أن على الشركاء اليقين التام والثقة المطلقة بأنهم صاروا هم الحكام الفعليين المسئولين عن تسيير كافة شؤون الدولة ، ولذلك ينبغي عليهم أن يمارسوا الحكم من هذا المنطلق من خلال السعي الجاد لاحتواء كافة اليمانيين تحت علم الجمهورية اليمنية وثوابتها الأساسية ، وعدم إثارة حساسية أحد بتمييز الكيان السياسي الحاكم بما يعتبر ليس فقط مخالفة صريحة بل تمردا على النصوص الدستورية ، أتمني أن الرسالة قد وصلتهم واستوعبوها ، دونما استعلاء أو استكبار ، لأنهم إن فعلوا يكونوا قد استمروا في إلقام أعداء الوطن أحجارا في أفواههم وأدربارهم ، لتستمر هزيمتهم إلى أن يشاء الله لهم وقف عدوانهم ، ورفع الرايات البيضاء ، والمناداة برغبتهم بالجلوس على طاولة المفاوضات للبحث عن ما يمكن أن يحفظ لهم كرامتهم ولو في الحدود الدنيا ، وليثبتوا للعالمين أن اليمانيين كانوا ومازالوا وسيظلون أهل الايمان والحكمة إلى أن تقوم الساعة ، تماما كما وصفهم خاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم .
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:36 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-51669.htm