الأربعاء, 14-نوفمبر-2007
الميثاق نت -    د.صالح باصرة -
العلاقات الدولية القائمة على المصالح المتبادلة هي الأكثر ديمومة، وعندما نتحدث عن المصالح فإننا لا نقصد المصالح المادية المباشرة، وإنما المصالح بمعناها العام والشامل، والتي يدخل فيها المادي والمعنوي، فالمصالح الحضارية مثلاً في علاقات الدول تلعب دوراً فاعلاً وأساسياً في تحديد طبيعتها، والدول التي تجمعها رؤية حضارية واحدة في العادة ما تتجه نحو التكتل في تجمعات تحقق أهداف شعوبها، وهذه التكتلات تكون قوية وراسخة، قادرة على تجاوز أي إشكالات قد تعيق نمو وتطور العلاقات.
إلا أن العلاقات التي تقوم بين الدول ذات الإطار الحضاري الواحد لا يمكن تأسيسها ابتداءً على القيم والمبادئ التي تجمع تلك الدول، رغم أنها تشكل في عقلية وثقافة صانع القرار القوة الدافعة للعمل، ففي ظروفنا الراهنة ومع التغيرات المتلاحقة التي غيرت طبيعة العلاقات الدولية، وجعلت الاقتصاد هو المتحكم الفعلي في سلوك الدولة، بحيث أصبحت في هذا العصر دولة يدور عملها ونشاطها ووظيفتها في محور الاقتصاد، ومنها يمكن القول إن الدولة في عصر العولمة أصبحت دولة اقتصادية.
مما لا ريب فيه أن مصالح اليمن ترتبط ارتباطاً لا فكاك منه بالسعودية ودول الخليج الأخرى، مثلما أن مصالح السعودية ودول الخليج في اليمن استراتيجية لا يمكن التخلي عنها أو تجاوزها، فأي محاولات مؤثرة لتجاهل هذه الحقيقة فإن العلاقات التي تؤسس بشكل يتناقض معها تبوء بالفشل، وهذه الحقيقة تؤسس لها أبعاد تاريخية وثقافية وجيوسياسية، ناهيك عن التغيرات المعاصرة في المنظومة الاقليمية والدولية ومتغيرات البيئة الداخلية للدول.
ليس تكراراً مملاً لحديث الإخاء والدين الواحد والثقافة الواحدة، وتقارب العادات والتقاليد، والتداخل السكاني، والتاريخ المشترك، واللغة الواحدة، فهذه مسلمات أساسية تشكل الارتباط الحضاري بين هذه الدول في مجموعة واحدة يمكنها في حالة ربطها بمصالح اقتصادية واحدة أن تشكل كتلة حضارية متكاملة قادرة على حماية نفسها ومصالحها في عالم متغير لا يؤمن إلا بالأقوياء ويجعل من هذا التجمع قوة قادرة على التواصل مع الآخر بثقة تامة.
هذه الحقيقة تفسّر طبيعة العلاقات الحميمة بين شعوب دول الخليج العربي بما فيها الجمهورية اليمنية، وسعي الأنظمة السياسية حتى في حالات الخلافات الشديدة التي ورثتها صراعات القضية العربية لتجاوز المشاكل التي تعيق بناء علاقات أخوية، وبدراسة تاريخ هذه العلاقات سنجد أن السعودية ودول الخليج تتعامل مع اليمن بشكل متميز عن الدول الأخرى بما في ذلك الدول العربية، وهذا نتيجة قناعة كاملة لدى صانعي القرار أن اليمن جزء لا يتجزأ من منظومة الأمن القومي بمفهومه الشامل للسعودية ودول الخليج العربي.
ولولا انقسام اليمن وظروف الحرب الباردة لكانت اليمن هي العضو السادس في مجلس التعاون الخليجي، وبعد الوحدة أعاقت الصراعات العربية إدماج اليمن في منظومة الخليج، بل إن تلك الصراعات خلقت عزلة بين اليمن والخليج رغم قناعة الجميع أنها غير طبيعية ولكن كبر الأزمة جعلها تأخذ مسارات سلبية عملت جميع الاطراف على تذويبها وإزالتها، والانتقال إلى مرحلة تأهيل اليمن بهدف وصولها إلى حالة تمكنها من الاندماج في المنظومة.
ويشكل مجلس التنسيق اليمني السعودي ودعم المملكة العربية السعودية السخي وأيضاً دول الخليج للتنمية دليلاً كاملاً على وعي صانع القرار في هذه الدولة الشقيقة وبقية دول الخليج الأخرى على الأهمية الاستراتيجية والمحورية لليمن واستقرارها وأمنها في خدمة مصالح تلك الدول على المدى البعيد وفي المستقبل المنظور.
من الطبيعي أن يكون هناك بعض الإشكاليات التي تواجه تنمية العلاقات بين اليمن والسعودية ودول الخليج إلا أنها مقارنة بالمصالح التي يمكن ان تتحقق لجميع الاطراف فإن أي تضحية يمكن قبولها خصوصاً إذا عرفنا ان مخاطر إضعاف تلك العلاقات وجعلها تدور في حلقات مفرغة من الأخذ والرد ووضع العوائق الوهمية أو المفتعلة من بعض الاطراف الداخلية أو الاقليمية، تهدد مصالح الجميع، وهذه التهديدات خسائرها تلحق الأذى والضر بالمصالح بمعناها الشامل، ما يحتم أن أي تضحية في المرحلة الحالية ضرورة تاريخية، من أجل مستقبل يحتمي به الجميع دون تضحيات.
لا مراء في القول إن بناء وتعزيز علاقات استراتيجية بالمفهوم الشامل تقوم على شراكة حقيقية بين الأشقاء هي المقدمة الأساسية لمواجهة التحديات التي تفرضها العولمة، ووجود قيادات وطنية في دول مجلس التعاون الخليجي ـ بما فيها اليمن ـ تحمل هموم أوطانها وأمتها ، والسلام العالمي يجسد قوة دافعة لتنمية وتطوير هذه الشراكة المبنية على الثقة المتبادلة، وتجاوز العراقيل بعقلية مفتوحة تبحث عن المستقبل في عالم لا يعيش فيه إلا القوي القادر على مواجهة العصر برؤى واضحة تخدم مصالح وطنه وأمته.
فالسعودية ودول الخليج لديها فائض مالي كبير بعكس اليمن الذي يعاني من أوضاع اقتصادية أضعفتها الظروف الطبيعية والسياسية والاجتماعية، فالحالة الاقتصادية هي العائق الحقيقي والوحيد الذي جعل اليمن عاجزاً عن الاستفادة من القوة الكامنة التي يملكها في واسع خيراته البكر ومخزونه البشري الهائل، ما أخّر ادماجها في المنظومة الخليجية الأمر الذي يدفعنا مراراً وتكراراً لمطالبة الأشقاء الخليجيين لدعم اليمن وتعزيز الدعم وتوسيع نطاقه بهدف الخروج من دائرة الظروف الاقتصادية الملحة، فالاقتصاد اليمني القوي سيشكل بالتأكيد القوة الداعمة لاقتصاديات الخليج مستقبلاً، وكلما قوي اليمن اقتصادياً ساعد ذلك على تقوية الاقتصاد الخليجي فضلاً عن ان قوة المجتمع اليمني ودولته في ظل علاقات مشتركة مادية وحضارية سيجعل من اليمن قوة اضافية على كافة المستويات تضاف إلى قوة دول الخليج مما يجعل المنظومة ـ بعد تنمية قوة اليمن ودمجه فيهاـ متماسكة تحمي نفسها وتحقق مصالحها بثقة تعزز دور المجموعة الخليجية اقتصادياً وسياسياً، وبالتالي فإن ذلك يجعل من المنظومة قوة حقيقية وفاعلة في المجموعة الدولية ويساعدها على استقلال قرارها ومواجهة المخاطر.
والتعليم هو المدخل الأكثر فاعلية لنجاح شعوبنا في خوض غمار العصر، باعتبار أن تنمية الموارد البشرية هي الورقة الرابحة في اقتصاديات العولمة، وهذا ما يجعلنا ندعو قياداتنا الخليجية لتولي هذا المجال عظيم رعايتها واهتمامها، والتعاون العلمي بين اليمن والسعودية ودول الخليج من الحتميات التي تستدعي توسيع آفاق هذا التعاون لمساعدة العملية التعليمة في اليمن بمستوياتها الأساسي والعام والعالمي وإيجاد نافذة مشتركة للبحث العلمي، مع تقديري للدور السعودي لتطوير العلاقات الثقافية والعلمية بين بلادنا والمملكة والتي تزداد مع مرور كل عام عن سابقه وما إقامة الفعاليات الجامعية المتبادلة بين جامعات المملكة واليمن إلا دليل واضح على حرص البلدين للارتقاء بمستوى العلاقات العلمية والأكاديمية والثقافية حاضراً ومستقبلاً.
نتفاءل أن اليمن سيكون قادراً على مواجهة تحديات المرحلة القادمة وعراقيل الراهن، بما يخدم المسارات الداعمة للتنمية بكافة المجالات، وتشكل القيادة السياسية بزعامة ابن اليمن البار المناضل علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، مصدر تفاؤلنا مقدرين باعتزاز عالٍ جهود فخامته المبذولة عن كثب لتهيئة الظروف المختلفة التي تساعد اليمن على تجاوز التحديات والانطلاق نحو اقتصاد متطور مدعوم بتنمية شاملة تجعل مستقبلنا أفضل.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:50 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5173.htm