الميثاق نت - أعدّ سفير مصر السابق لدى اليمن أشرف عبدالوهاب عقل ورقة عمل قيّمة بعنوان "مصر وثورة اليمن" زوّد بها "الميثاق" وقدّم فيها تفصيلاً مهماً عن دور مصر وترابط ثورتي الـ 23 من يوليو عام 1952 والـ 26

الخميس, 28-سبتمبر-2017
الميثاق نت: -
أعدّ سفير مصر السابق لدى اليمن أشرف عبدالوهاب عقل ورقة عمل قيّمة بعنوان "مصر وثورة اليمن" زوّد بها "الميثاق" وقدّم فيها تفصيلاً مهماً عن دور مصر وترابط ثورتي الـ 23 من يوليو عام 1952 والـ 26 من سبتمبر عام 1962م وقال عقل إن ذكر مصر اقترن بثورة 26 سبتمبر 1962 في اليمن، منذ اندلاع الثورة ثم امتزاج أرواح ودماء أبناء مصر بدماء وأرواح الشهداء اليمنيين في معارك الدفاع عن الثورة اليمنية، إثر صدور قرار الدعم العسكري المصري لحماية الثورة اليمنية بدافع عروبي قومي وسياسي.
ويضيف السفير عقل: "لم تكن الجمهورية العربية المتحدة، وقواتها العسكرية صاحبة البصمة الوحيدة في تاريخ اليمن المعاصر. بل إن مصر في مختلف مراحلها الليبرالية قبل يوليو 52، الثورية والقومية، وأخيراً المنفتحة والمعتدلة، أعانت أبناء اليمن شمالاً وجنوباً على ارتياد آفاق التقدم ومواكبة العصر، لا سيما في الجانب التنويري والتعليمي والثقافي الحديث الذي أبرز كثيراً من أعلام اليمن، سواءً من حط رحاله في مصر لتلقي العلم، أو من تزود بجديد مصر من المطبوعات المتنوعة كالكتب والمجلات والصحف، وحاكى ما احتوته بعد تشبعه وارتوائه من مناهلها التي كسرت حاجز العزلة المفروضة أيام الإمام يحيى حميد الدين على الشمال أو الجزء المحتل من قبل الاستعمار". ويؤكّد أن مصر كانت وما تزال، قبلة علم، ووجه حضارة، ومنارة سياسة، من الصعوبة تجاوزها، ولهذا تفردت في تاريخ اليمن المعاصر بجدل كبير كونها محطة ونقطة بارزة انتقل منها اليمنيون إلى رحاب العصر، محاولين إبراز ذاتهم وطابعهم الخاص، والتصدي خلال فترات حرجة وتحت ظروف حساسة لمن أرادوا إذابة اليمنيين وإلغاء خصوصيتهم. ويرى السفير عقل أن مسار العلاقات بين مصر واليمن كان عنوانه "من التنوير إلى التثوير". وهو مسار يجب دارسته وإعادة قراءته وفق المعطيات المتاحة من مذكرات ومراجع بالرجوع إليها لالتقاط الصورة الكاملة للتأثير والدور المصري في اليمن والعلاقات المشتركة خلال القرن العشرين، من عهد الإمام يحيى والملك فؤاد الأول حتى قيام الثورة اليمنية في 26 سبتمبر عام 1962، ودعم مصر لمخطط تفجير الثورة بعد انفراط عقد التحالف بين العربية المتحدة والمملكة المتوكلية، وما تخلل فترة التحالف من مواقف، وانطباعات مشتركة بين قادة البلدين. وما مثلته مصر 23 يوليو من أمل لأحرار اليمن، مدنيين وعسكريين، في إنقاذ الموقف أو تعديله وإصلاحه أو إصابة اليمن بعدوى التغيير، والتثوير بعدما نال اليمنيون في مصر نصيبهم الوافر من التنوير".
علاقة حميمة
وفي معرض استعراضه تطورات الدور المصري في اليمن يقول السفير المصري السابق "نشأت في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي علاقة حميمة بين اليمن ومصر لم تكن قائمة على المصالح الاقتصادية والسياسية فقط، بل كانت العلاقة قوية ومتينة حيث ربطت مثقفى مصر واليمن وقامت على أساسها الثقافة والمدنية التي تشرّب بها الرعيل الأول من أبناء مصر واليمن. ومن أمثلة هؤلاء المسمري والعنسي والزبيري والنعمان وغيرهم حيث تمكنوا من تحقيق طموحاتهم في مصر ودفع بهم الى طريق المخاطرة الثورية من أجل تغيير الواقع اليمني المتخلف". ويستطرد السفير أشرف عقل: "لم يقتصر تأثير مصر على الطلاب اليمنيين الذين درسوا فيها، بل امتد هذا التأثير إلى داخل اليمن وبالذات في صفوف الشباب المستنير في المدن الرئيسة على مستوى المحافظات الشمالية والجنوبية. وقد كان للصحف والمجلات والكتب التي كانوا يقرأونها وخاصة كتب محمد عبده وطه حسين, والأفغاني والرافعي وغيرهم دور كبير في خلق الوعي حيث أثمر احتكاك الشباب اليمني المستنير في مصر وثقافتها ومدنيتها وعياً وطنياً وضيقاً بالحكم الامامي. ونتيجة لذلك تكونت حركة المعارضة اليمنية التي فجرت محاولتها للقضاء علي حكم الأئمة في حركة 1948 من أجل إدخال تعديلات جوهرية في نظام الحكم. ومع ثورة 23 يوليو عام 1952 وإمساك مصر بزمام قيادة حركة التحرر العربية بدأت مرحلة جديدة من العلاقة بين مصر واليمن". فقد قدر لمصر أن تواجه نفس الأعداء الذين تواجههم اليمن. لقد فتحت مصر صدرها لأبناء اليمن فاستقبلتهم ثواراً مطاردين سواء من قبل السلطات الاستعمارية في الجنوب أو من قبل سلطات الإمام في الشمال واستقبلهم كذلك طلاب علم في القاهرة والاسكندرية وغيرها من محافظات مصر وأخذت مصر ترعي الحركة الوطنية اليمنية وتمدها بالدعم المادي والمعنوي وأصبحت إذاعة صوت العرب والصحافة المصرية منابر يسمع من خلالها صوت الحركة الوطنية اليمنية. وقد خلفت علاقات وجدانية بين مصر واليمن من خلال شد مصر للمواطن اليمني إلى القضايا العربية قضايا التحرر العالمي. وقد عبرت هذه العلاقة الوجدانية عن نفسها في أكثر من مناسبة, كالعدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 والوحدة المصرية والسورية 1958 والانفصال عام 1962 والهزيمة العربية عام 1967 ووفاة جمال عبدالناصر عام 1970".
الإمام وثورة مصر
ويؤكّد السفير عقل أن النظام الإمامي حاول أن يمد جسور التفاهم مع الثورة المصرية هادفاً من وراء ذلك الى حصر النشاط السياسي للتجمعات اليمنية في القاهرة وغيرها من المدن المصرية إلا أن المحاولات سرعان ما كشفت وزاد التلاحم بين ثورة يوليو وثوار اليمن وخلال الفترة التي كان الإمام يحاول فيها كسب ود مصر كانت الأخيرة تبادر إلى إرسال الخبراء المدنيين والعسكريين والمدرسين لمساعدة اليمن والأخذ بيدها في طريق التحديث. وإذا كانت محاولات مصر الإسهام في تحديث اليمن بالطرق الرسمية قد باءت بالفشل فإن محاولاتها بالطرق غير الرسمية قد أعطت ثمارها. وقد تمثل هذا برصد المزيد من المنح الدراسية لأبناء اليمن عن طريق المنظمات السياسية المختلفة. وأخذت مصر تنسق مع التنظيمات السرية في المحافظات الشمالية والمحافظات الجنوبية سابقاً بهدف إحداث تغيير شامل في اليمن، وأخيرا أثمر دعم مصر للحركة الوطنية اليمنية والتحامها مع هموم وقضايا اليمن. ويستطرد: "قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962 التي فجرها تنظيم الضباط الأحرار في الجيش اليمني بعد أن أكدت مصر استعدادها الكامل لدعمهم. وأحيطت الثورة اليمنية منذ قيامها بنفس أعداء ثورة 23 يوليو عام 1952, ورأت مصر في حينه أن انتصار ثورة اليمن هو انتصار لها ودحر لأعدائها. وانطلاقاً من هذا الربط المصيري بين ثورتي البلدين دفعت مصر بإمكاناتها البشرية والمادية إلى جانب الثورة اليمنية فامتزج الدم اليمني والمصري على الجبال وسفوح الأودية وسهول اليمن في معركة المصير الواحد. وأسهمت مصر في بناء الدولة الحديثة من خلال بناء الهياكل التنظيمية والإدارية للعديد من أجهزة الدولة المختلفة. كما أقدمت على بناء المدارس الحديثة والمستشفيات والبنوك والعديد من المؤسسات الخدمية والانتاجية. واستمر الدعم المصري لليمن حتي تمكنت الثورة اليمنية من بناء قوتها الذاتية وأصبحت قادرة على الدفاع عن نفسها. وعندما انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1967 ظل الدعم المدني لليمن مستمراً وتمثل في المدرسين وأساتذة الجامعة والخبراء في كافة الميادين". واستطاعت الثورة اليمنية أن تصمد في مواجهة حصار السبعين يوم معتمدة على قواها الذاتية وفي مقدمة ذلك وحدتها القتالية التي تلقت تدريباتها العسكرية في مصر وانتصرت الثورة اليمنية في السبعين يوم معتمدة على الجماهير اليمنية التي أسهمت مصر إسهاماً كبيراً في إنضاج وعيها وزيادة إدراكها لمصالحها في بقاء الثورة والجمهورية. ولم يقتصر دور مصر على دعم ثورة 26 سبتمبر عام 1962 في المحافظات الشمالية "سابقاً" بل تعدي ذلك إلى الإسهام في تفجير الثورة في 14 أكتوبر عام 1963 ضد المستعمر البريطاني في المحافظات الجنوبية وقد قامت مصر بتدريب الثوار وتسليحهم وتقديم الخبرة لهم. ولم تترك القوات المصرية المحافظات الشمالية حتى كانت ثورة المحافظات الجنوبية قد حققت أهدافها وتزامن انسحاب القوات المصرية من المحافظات الشمالية "سابقاً" مع تحقيق المحافظات الجنوبية "سابقاً" استقلالها عن المستعمر البريطاني. وهكذا كان الدور المصري في ثورة 26 سبتمبر كبيراً، تلك الثورة التي كان لها مفعول السحر على اليمن فحولتها من دولة الأسلاف إلى عهد الحرية والديمقراطية ونقلتها من الحكم الفردي المستبد المبرر بالدين إلى دولة تقوم على الجمهورية والنظام ووصلتها مع دول العالم بعد أن كانت معزولة عن كل تطور في البلدان. ويخلص السفير عقل إلى أن اشتراك المصريين مع اليمنيين في صنع الثورة جعل هناك شراكة دم بين البلدين وأوجد علاقات قوية ووثيقة لا يمكن أن يمحوها الزمن حتى أن الشعب اليمني من الشعوب القلائل التي ما زالت تحفظ للشعب المصري حقه في العروبة وتأثيره القوي على الدول العربية وتحترم أي مصري، وإن النصب التذكاري في صنعاء الذي يهتم به اليمنيون اهتماماً بالغاً يؤكد مدى حب اليمنيين للمصريين واعترافهم بالجميل في تحويل دولتهم من مملكة كانت تعيش في عصور الظلام إلى جمهورية معاصرة دخلها العلم والتكنولوجيا والتطوير.
ترابط مصيري
ووفقاً لورقة السفير عقل تجمع أغلب الأدبيات اليمنية والمصرية على أن ترابط ثورتي يوليو وسبتمبر لم يكن ترابط الوجدان والإنتماء لمرحلة زمنية فقط، ولكنه يتميز بخصوصية فريدة في الانصهار النضالي والتضحية الواحدة بلا حدود من أجل المبادئ الناصعة والرائدة. ولهذا، قدمت ثورة يوليو إلى اليمن ما تعتقد أنه واجبها ومسئوليتها. ومن ذلك الدعم في التخطيط للثورة والدعم في التنفيذ بالمال والسلاح والرجال، وأصبحت جبال اليمن شاهدة على حكاية تضحية وارتواء بالدم الطاهر لشهداء مصر واليمن من أجل الحرية. وتشهد مقابر الشهداء في صنعاء والحديدة وتعز وربما مدن أخرى على النضال المشترك لأبناء الأمة ضد أعدائها وخصومها، قدمت مصر دون منٍّ أو أذى وكان الوفاء اليمني- ولايزال- رمزاً لتقدير العطاء المصري بكل معانيه السامية. في 26 سبتمبر عام 1962 أعلنت الجمهورية في اليمن وكانت مصر أول دولة اعترفت بها، وبعدها بيومين وصلت أول طائرة عسكرية مصرية إلى اليمن، وتوالت بعدها الإمدادات العسكرية المصرية في التدفق على اليمن حيث وصلت أولى طلائع القوات المصرية لمساعدة "الجمهورية يوم 15 أكتوبر 1962م.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:27 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-51827.htm