الميثاق نت -

الخميس, 28-سبتمبر-2017
عبدالكريم محمد -
مثّلت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة في العام 1962م ميلاداً وعهداً جديداً للشعب اليمني الذي تحرر من أغلال النظام الكهنوتي الإمامي البغيض الذي عمل على تجهيله وإذلاله وتركيعه وسحق كرامته وآدميته تحت حوافر تخلفه وبطشه وجشعه. ومن المفيد الإشارة هنا إلى التحول الكبير الذي أحدثته الثورة السبتمبرية الخالدة في بنية الوعي والثقافة والفكر والإبداع الأدبي في كل النواحي وأسست لواقع مختلف ومستقبل مشرق بالأمل والإبداع والحرية وصقل مواهب الأجيال التي أعقبتها طوال الـ (55) سنة الماضية وحتى اليوم. حيث انبلجت مع أول يوم من إشراقة صباح 26سبتمبر مدارك اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم في حل عن جبال الجهل والفقر والمرض والرجعية، وعلى موعد مع التجدد والمشاركة والمعرفة والنهوض الثقافي، من خلال الأبواب التي فتحتها لهم الثورة، بعد أن ظلت موصدة طوال قرون من حكم أئمة الجهل والتخلف والنظام السلالي الذي مارس ثقافة التجهيل والمرض والاستعباد بصورة رسمية، ممعناً في إغلاق أي نافذة من نوافذ المعرفة والثقافة المعاصرة التي تحترم العقل والعلم وحق الإنسان في التعليم والولوج في العصر وفق قيم تعلي من شأن الإنسان وتفرض على أي سلطة العمل بها وإشراك كافة شرائح المجتمع في القرار والثروة وفق نظام ديمقراطي ، تشاركي. وتأسيساً على ذلك انعكست أهداف ثورة 26سبتمبر بإيجابية وعنفوان كبيرين على الثقافة والأدب والمعرفة، من خلال التحولات التي أوجدتها الثورة وتأسس على ضوئها الاتحادات والمؤسسات الثقافية والمنتديات والصوالين الثقافية التي واكبت رياح التغير البنّاء وكانت نتاجاً طبيعياً بعد أن تنفس المجتمع الصعداء وحقق ثورته المظفرة بإرادة الشعب اليمني وطلائعه الثقافية والفكرية المناضلة التي حرصت على أن يكون أهم مخرج من مخرجاتها وتجلياتها إيجاد أجيال متسلحة بقيم المعرفة وزاد العلم والحرية وهذا ما تجسد قولاً وعملاً في حرية التعبير والنتاجات الثقافية والأدبية، سواء أكان ذلك في الشعر والرواية، أو القصة والمقالة، أو الفكرية والتنويرية التي عكست هي الأخرى نفسها على التسامح والعدالة والمشاركة والشراكة والفهم والعدالة الاجتماعية بعيداً عن المفاهيم والثقافات السلالية المغلوطة والمتخلفة. وقد كان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين المؤسسة الأهم التي ولدت من رحم الثورة، وأسس لها الثوار والأدباء المناضلين الذين كان لهم شرف المشاركة في تحرير الوطن من الحكم الإمامي الرجعي في شمال الوطن والاحتلال البريطاني الاستبدادي في جنوبه.. أما من حيث أهم الثوار والرواد الذين اسسوا اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين مطلع سبعينيات القرن المنصرم الأديب والمناضل الثوري عمر الجاوي ، والأديب الكبير عبدالله البردوني والأديب الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح والأديب الربادي والأديب لطفي جعفر أمان والأديب محمد يوسف الشحاري والأديب محمد وزيد مطيع دماج والأديب سعيد جرادة والأديب إبراهيم الحضراني وغيرهم. ولم يكن اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ورواده المؤسسة الوحيدة التي مثلت النواة الأولى لصناعة التحول الحقيقي في حياة شعبنا اليمني، وكواحدة من مخرجات وأهداف ثورة26 سبتمبر ، وإنما كان واحداً من عشرات المنتديات والمؤسسات والمراكز الثقافية والأدبية والفكرية التي ساهمت بشكل كبير في صناعة ذلك التحول، وإيجاد فكر ثوري، وطني، وإنساني نقل كافة شرائح المجتمع من طغيان الأئمة وكهنوتهم الظلامي إلى نور المعرفة والإبداع والأدب والإشعاع الحضاري الذي زينته آلاف الإصدارات الأدبية والثقافية والإبداعية والحقوقية والمعرفية التي ملأت المكتبات اليمنية المختلفة في العقود الأولى من عمر الثورة المباركة التي تعتبرمن أعظم الثورات في تاريخ هذا الشعب وعلى مستوى المنطقة العربية عامة. ويكفيها أنها مكنت المثقف والمبدع اليمني من التعبير عن مكنوناته وإبداعه في الداخل والخارج، واستطاع المنافسة بالفعل على كافة المستويات وجميع المجالات الإبداعية، بدليل أن المثقفين والأدباء والمبدعين والمفكرين اليمنيين الذين استفادوا من الواقع الجديد الذي أوجدته ثورة 26سبتمبر وهيأت من خلاله كل المناخات المؤاتية للشباب الذين ترجموا ملكاتهم وطاقاتهم الإبداعية على أرض الواقع، واستطاعوا المنافسة وحصد الجوائز داخلياً وخارجياً بعد أن وجدوا أهم مقومات النهوض الثقافي والإنتاجي الإبداعي ،ومن يعود إلى المؤسسات وأرشيف الثقافة والمكتبات المختلفة يمنياً وعربياً ودولياً، سيجد أن هناك مئات المبدعين اليمنيين الذين كبريات الجوائز فارضين أنفسهم وبقوة كمنافسين حقيقيين وأكثر من غيرهم إبداعاً وتألقاً، سيما بعد تخلصوا من سيف الكهنوت الإمامي وأغلاله التي كانت تكمم الأفواه وتكبل الإبداع وتقطع أعناق كل من يخالف إرادة ورغبة الطاغية. وفيما يخص النظام التعليمي ، سواءً أكان العام أو الجامعي والفني والتقني ، يمكن القول إن خير ثورة 26سبتمبر قد شمل الواقع التعليمي بكل مستوياته ومجالاته وتخصصاته ، ويكفي القول إن عدد المدارس في عموم محافظات الجمهورية اليمنية قد بلغ حتى العام 2011م اكثر من (16000) مدرسة ، بعد أن كانت لا تزيد عن مدرستين في صنعاء وأخرى في تعز، والحال نفسه على الجامعات التي بلغ عددها (13) جامعة حكومية حتى العام (2011م) بينما لم يكن هناك أي جامعة أو كلية قبل 26 سبتمبر1962م، ناهيك عن كليات المجتمع والألسن والعلوم الصحية والطبية وغيرها. إن الحديث عن التحولات الهائلة التي أحدثتها ثورة 26سبتمبر الخالدة في الثقافة والفكر والأدب والإبداع والمعرفة والتعليم يظل قاصراً إذا ما نظرنا إلى هذه الصورة البانورامية الكبيرة، ومدى شمولها وثورة التحولات الكبيرة والتغيرات الهائلة التي أحدثتها في مفاهيم المجتمع ومقدرته على التفكير الحر والتعبير الواعي المستقل عن الذات وعن المجتمع والمصالح العامة والقيم الوطنية والإنسانية وعن حق المواطنة والإبداع والتنوير ورفض أي مفاهيم عوجاء لم تعد تستقيم مع ما يشهده عالم اليوم من معرفة وحرية ومشاركة ونهوض ، خاصة وأن مجتمعنا كان متعطشاً للتعبير عن نفسه وتحطيم قيود الاستبداد والظلم والجهل،التي جعلته يرزح تحت كاهل الإمامة الكهنوتية التي غيبته عن نفسه وواقعه ومحيطه ،وكرست في أوساطه مفاهيم عنصرية وسلالية ومعها كل أشكال القهر والاستبداد والقهر لدرجة أنه لم يكن متاحاً للمبدع اليمني كتابة قصة أو رواية أو مقالة أو قصيدة شعرية ونشرها في صحيفة ما أو مجلة أو حتى إلقائها في أي من الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة التي كانت أصلاً غير موجودة ، باستثناء إذاعة صنعاء التي أنشئت قبل قيام الثورة المباركة بفترة قصيرة عملت من خلالها على نشر ثقافة الاستنقاع والجهل وفرض عدم الثقة لدى الناس وتلقينهم شروط الطاعة العمياء والمطلقة لإمام مستبد وحاشية ظالمة، جاهلة كان كل همها هو فرض الإتاوات ونهب الممتلكات وتمجيد السلالية المقيتة. وحينما ثار الشعب اليمني على تلك الثقافة البائسة الكهنوتية الظالمة تمكن من أن يعوض ماالأجيال ما فاتهم ويعبر عن مكنوناته ، وكان وما يزال المبدع والمثقف والشاعر والكاتب هو أول طلائع المجتمع التي انطلقت في فضاءات الإبداع والجمهورية، حيث وجد كل هؤلاء البيئة المناسبة لنشر إبداعهم وصقل مواهبهم في الصحف والمجلات والدوريات ومختلف المطبوعات التي أتيحت لهم سواء داخل الوطن أو خارجه ،اضافة إلى تأسيس وإصدار الصحف والمؤسسات الرسمية كمؤسستي وصحيفتي الثورة والجمهورية ووكذلك صحيفتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر وغيرهما، اضافة الى القنوات التلفزيونية والإذاعية في عدد كبير من المحافظات ، إلى جانب وجود عدد كبير من الصحف والمطبوعات التي ازدهرت بعد الثورة والوحدة واستطاع المثقف اليمني أن يعبر من خلالها إلى القارئ ويعبر من خلالها أيضاً عن إبداعه وينشره مشاركاً بعنفوان وفاعلية في إيجاد أجيال متسلحين بالمعرفة والوعي الكافي ، وإيجاد ثورة ثقافية وأدبية وإبداعية تليق بالبلد وتعبر عن تعدده وتنوعه وحضارته وأصالته ووحدته في كل مناحي الحياة.
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 06:58 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-51828.htm