طه العامري - ستظل ثورة 26 سبتمبر أيقونة الحدث والحلم وعنوان الميلاد، وفجر الانعتاق من شرنقة (الكهانة والجهل والتخلف).. سبتمبر لم يكن حدثاً عابراً ولا نقطة في صحراء من الرمال المتحركة.. إنه عيد ميلاد وطن، وهوية شعب ضارب جذوره في أعماق التاريخ الإنساني. نعم.. يوم 26 سبتمبر 1962م سيبقى الخالد الدائم في ذاكرة شعب ووطن وامة، له غردت الحناجر وهتفت ترحيباً وتهليلاً وتكبيراً ببزوغ فجره الذي بدد قتامة المسيرة والمسار، وأزاح عن سمائنا أدران الجهالة والتخلف والكهانة، وزرع في نفوسنا والذاكرة أحلام وتطلعات سنظل نعيش لها ومن أجلها مهما اعترضتنا الأحداث أو حال دون بلوغنا أهدافنا (قراصنة) الحياة والتحولات، وقطاع الطرق.. إنه سبتمبر المجد والفعل والحدث، الذي ازاح قتامة الليل وزلزل عروش الاستبداد والتسلط. لم يكن يوم 26 سبتمبر 1962م مجرد حدث ثوري عابر جاءت به الصدف او قامت به مجموعة من ثوار اليمن، بل كان ولايزال بمثابة (الإعصار) الذي أفقد الطغاة والكهنة صوابهم واربك حساباتهم، ومن (طهران، إلى الرياض، إلى عمان) هرول حراس الكهانة والاستبداد ليطفئوا نور سبتمبر المتقد ولكن هيهات لهم أن يطفئوا شعلة أوقدتها إرادة الأحرار واستمدت وقودها من إرادة الله ونوره، فكان سبتمبر ولايزال حصيلة لإرادة ثورية وطنية وقومية ومن نور الله استمد توهجه وتألقه وديمومة مسيرته، فخابت أحلام الكهان وتبخرت إرادة الطغاة وعادت أدواتهم خائبة مكسورة لم تفلح حيلها في اختراق الإرادة الثورية اليمنية المحروسة بإرادة ثورية قومية بددت بنورها قتامة الليل العربي من المحيط الى الخليج.. انكسر المتآمرون نعم.. وتعثرت الأحلام نعم.. وأبطآت المسيرة نعم.. وخفت وهج الشعلة ربما.. لكن لم ولن تنطفئ (شعلة) اوقدتها إرادة ثورية وسقتها دماء طاهرة بها ارتوت شوارع وأزقة صنعاء، ومنها ارتوت سهول وهضاب وتلال وروابي وجبال اليمن من عيبان إلى ذودان مروراً برازح وصرواح وصولاً إلى جيزان.. ذعر إمبراطور فارس، وارتعب جاسوس الأردن، وارتعدت فرائص طاغية نجد والحجاز، هرولت بريطانيا بخبرتها، وأمريكا بحيلها وفرنسا بمرتزقتها، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ليس حباً بطاغية صنعاء، الذي كان يزعم أنه (الحاكم بأمر الله) وخليفة الله على أهل اليمن، لكن هرول كل هؤلاء خشية من انتقال شرارة شعلة سبتمبر إلى حيث يرغبون ببقاء ظلامهم سائداً ومستمراً.. إذ خشيت بريطانيا العجوز على عدن واهمةً أو متوهمةً أنها ستبقى لها مستعمرة نموذجية، فجاءت مهرولة بطائراتها وقذائفها للمساهمة في إخماد شعلة سبتمبر التي أوقدها أحرار الوطن والأمة، وجاء إمبراطور فارس بأمهر الطيارين والجواسيس لنصرة زبانيته وحلفائه في صنعاء والرياض، وجاء ملك الخيانة حاملاً صولجان (الهاشمية) البريطانية- إذا ما حرفته قليلاً ذلك الصولجان، شاهدت (شمعدان) سداسي الاضلاع وقوده دماء الانبياء وأجساد الابرياء..؟! كل هؤلاء تآمروا وجاءوا بـ(بوب دينار) والضابط (كندي).. واسألوا (الغادر) عن كندي ومن أرسله ؟ ولماذا ؟ ومن احتضنه، وقدم له الرعاية..؟ ومع ذلك انتصر سبتمبر وتحت رايته انحنت هامات الجميع وجمهروا.. التاريخ يعيد نفسه واحداثه تجدد نفسها لكن يبقى سبتمبر شعلة متقدة لا تطفئها كل محاولات طغاة الأرض ومرجفيهم..يهمش، يتوه، ينحرف عن المسار، لكن يبقى أيقونة الفعل والحدث، وإليه تهفو القلوب والعقول، ونحوه تتجه الأجيال شاخصة الأبصار تتأمله بجلال وهيبة ووقار، الى أن يأتي جيل قادر على رد الاعتبار لسبتمبر الحدث والفعل الإنساني الخلاق الذي لن تطمسه كل محاولات المنتقصين ولا أحقاد الحاقدين ولا تخرصات المتخرصين.. سبتمبر شعلة لن تنطفئ ولن تخفت..شعلة ستظل تنير سماء الوطن والامة وتبدد هذا الظلام المفتعل لقوى التخلف والجهل والتسلط والاستبداد.. إن 26 سبتمبر إرادة شعب وامة وخيارات وطن وامة، وسيبقى هو الفعل الحاضر دوماً في وجدان الجماهير وذاكرة التاريخ الوطني والإنساني، لن ينسى شعبنا سبتمبر، ولا يمكن ليمني او عربي أن يتجاهل هذا اليوم التاريخي يوم ولد لليمن مجده- حسب تعبير المرحوم عبدالغني مطهر.. إن عجلة التاريخ لن تعود للخلف مهما حاول البعض ليّ عنق الحقائق والأحداث وان عبر محاولات استغلال تداعيات اللحظة وحالة الارتباك التي تعصف بخارطة المنطقة والعالم، لكن لهذه العواصف مدى ولهذا الارتباك سقف ولحالة التيه الوطني نهاية، سيفيق على اثر كل هذا جيل سبتمبر واكتوبر ونوفمبر ومايو وحينها سيدرك الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.. دمت يا سبتمبر أيقونة الهوية والانتماء.. دمت عنوان شعب وهوية وطن وخيارهما.. دمت تعبيراً عن إرادة وإيمان وتجسيداً لوجودنا الوطني والقومي..
|