د/عادل الشجاع -
جاء لقاء رئيس الجمهورية في شهر رمضان الماضي بمنظمات المجتمع المدني ليتيح فرصة للتقييم والتفكير بعد مضي سنة واحدة من انتخابه رئيساً للجمهورية. وإطلاق هذه المبادرة يعد فرصة لعرض كشف حساب على عدة مستويات، كشف حساب لتقييم أداء المؤتمر الشعبي العام والحكومة على ضوء ما تم من تطوير مؤسسي وكما قلت فإن هذه المبادرة تعد كشف حساب لأداء كل القيادات العاملة سواء في السلطة أو المعارضة، وهي كشف حساب لمدى تنفيذ الأهداف المحددة التي وردت في البرنامج الرئاسي في انتخابات 2006م تأتي هذه المبادرة لتقييم ما تم وفحص آثاره ونتائجه والتطلع للمستقبل. لقد فتح الرئيس ملفات شائكة واقتحم مجالات للإصلاح ظلت لفترة يصعب الاقتراب منها وطرح على الرأي العام والأحزاب السياسية منظومة من الإصلاحات أثارت جدلاً وحواراً مجتمعياً. ويمكن أن نستنتج من هذه المبادرة الآتي: هناك استهداف للفساد بشكل واضح ومقصود ومخطط، فهناك عناصر فاسدة تسعى السياسة العامة إلى إقصائهم. هدفت هذه المبادرة إلى طرح التزامات محددة بهدف تنفيذها، وتوجهت بشكل مباشر نحو المجتمع المدني لمخاطبة مصالح واحتياجات القطاع الكبير من المواطنين بهدف تعميق سياسات الإصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية التي هي أساس الاستقرار السياسي للمجتمع والدولة اليمنية. ها هو إذن رئيس الجمهورية يسعى إلى طرح مثل هذه المبادرة وهو صاحب الأغلبية الانتخابية لكنه يريد مراكمة البعد الديمقراطي في التجربة اليمنية لكن هناك قوى لا تعرف ما هو الفرق بين مراكمة الديمقراطيةة ومراكمة الثروة. وها نحن نعترف بأننا نجد شقة بالغة في فهم رفض المعارضة لهذه المبادرة كيف يزداد البعض جهلاً كلما زاد المشهد الديمقراطي حضوراً، هل من ضعف في العيون أم ثمة وهن ما في القدرة على الفهم والمعرفة؟ إنها أبعد من مجرد ضمور في الذهن، أو خمود في الطاقة إنها أبعد من مجرد "جهل" يصدم الوعي والمشاعر في آن معاً، فالأمر يبدو أشبه بالتواطؤ مع المؤامرة، إن التقاعد عن مؤازرة هذه المبادرة تقاعد عن مقاومة ما يدبر ضد اليمن لأن مثل هذا "التقاعد" لا غيره هو الذي أسس العمى عن رؤية نتائج ما يدبر ضد الوطن ولا نكاد نمضي حتى نقف وجهاً لوجه أمام هذه الحملة التي تستهدف الاستقرار والتي هي أبعد من مجرد الضغط على السلطة ونثير ألف تساؤل وتساؤل حول توقيتها ومكانها، والتي لا توجد أجوبة عنها سوى أنها تستهدف الوحدة الوطنية. وتأسيساً على ذلك فإن منظمات المجتمع المدني معنية بتكوين جبهة فاعلة قادرة على الاستفادة من الحريات السياسية ونقلها إلى مستوى الرأي العام ومن هنا فإننا ندعو إلى قيام مجلس مركزي لهذه المنظمات وخاصة المنظمات النوعية والمهم أن يكون هذا المجلس في تكوينه مستنداً إلى قاعدة فكرية عريضة تضم القوى الاجتماعية الفكرية والسياسية كافة التي تود أن تتوجه إلى إنقاذ الوطن ووقف التدهور. سيكون من المهم جداً تشكيل هذا المجلس المركزي الذي بدوره سيتصدى للتوترات والهيجانات المناطقية التي تنغمس فيها مشاريع سياسية تقودها زمر من الرموز تتقن الاستثمار الديمقراطي. كم نحن بحاجة إلى العقلاء من المفكرين لمواجهة الدعوات المبتذلة التي تلف الوطن بلا كلل، وتقوده نحو المتاهة. والأمر هنا يثير تداعياته: إن اليساريين هذه المرة أشد أصولية من المتدينين فهاهم يُحمّلون الوحدة كل مساوئهم، نحن أمام أحزاب لا هم لها إلاّ المراهنة على مواقعها وحصر تطلعاتها في تأمين بقائها الخاص في نطاق المواقع المكتسبة. صحيح أننا نلحظ بالعين والأذن في آن معاً - خطاباً سياسياً مموهاً بسبب خلوه من لغة الحرب والعنف والاقتتال والتعصب المناطقي والطائفي، ولكن تجار الحروب يحملون في رحم تفكيرهم السياسي بذور التخصيب. هل نميط اللثام عن أصل اللعبة؟. في الواقع ليس من مثقف بعد لأنه ليس ما يكافئ سمة الحرية التي ينتظرها المواطن أن هذا الوطن لا يستحق أن ينزف كي تعتاش المرتزقة من دمائه. إن المثقف بهذه الصيغة وبهذا الشكل الذي هو عليه لن يكون المستقبل معه إلا معتماً وإن الانخراط الوحيد في عملية الاستنهاض والبناء هو في استعادة دوره. لقد أصيب المثقف بفيروس الإحباط مما أفقده الإدراك الحقيقي لفهم التعددية وجسد لديه الرؤية الأحادية.. لقد ساهم المثقف في إتلاف شخصيته المثقفة وصارت مثل نسيج بالٍ لا يقوى على التماسك.. إن هذا المرض الثقافي يزداد كل يوم شدة واتساعاً، مما أفقد التيار الثقافي الملتزم قدرته على تنمية العقول ووسع من دائرة الفراغ الثقافي والأخلاقي فلا زالت فكرة الديمقراطية هشة في ثقافة أحزابنا السياسية بالرغم من إدراك هذه الأحزاب أن الديمقراطية هي الفكرة الوحيدة التي تبدو مؤهلة لتجسيد الاستقرار. أخيراً: لماذا نتصارع على الجغرافيا ونترك التاريخ؟ فمتى نعي أن الوحدة هي الارتباط المتبادل بين الشمال والجنوب؟ ومتى نعي أننا بحاجة إلى مراكمة الديمقراطية.