د. علي عبدالقوي الغفاري - يلوح في الأفق من خلال المصالحة الوطنية الفلسطينية بين منظمة التحرير في رام الله وحركة حماس في قطاع غزة التي دشنها رئيس حكومة السلطة الفلسطينية بزيارته لغزة يوم الثاني من أكتوبر الجاري وعقد أول إجتماع لحكومته في مدينة غزة تلك خطوة وحدوية عظيمة تعيد الأمور إلي نصابها وتستعيد الثورة الفلسطينية رونقها في تلاحمها وتعضيد قوتها والتمسك بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإستفتاء في إقليم كردستان العراق وإعلان نتائجه الهادف إلي الإستقلال عن العراق نذر شؤم للعراق والمنطقة بأن إتفاق سايكس -بيكو تشرق شمسه من جديد في المنطقة العربية وخاصة بعد قيام ماسمي بثورات الربيع العربي عام 2011م تلك الإنقلابات أو الثورات كانت عظيمة وفق أهدافها في تجديد الحلم العربي لمحاربة الأنظمة العميلة للإستعمار و القضاء على الفساد بكل أشكاله المالي والإداري والمناطقي والطائفي والحزبي الذي شاع بوقاحة في عدد من الدول العربية بفعل قياداتها التي سلمت أمور الأوطان لأبناء لايستحقون تلك الثقة التي اعتمدت علي نهب ثروات البلاد والاستيلاء علي المال العام وحرمان فئات غالبية المجتمع من حقوقهم الطبيعية ومن خيرات البلاد ومنها بلادنا اليمن التي تغنينا بها وتاريخها وقياداتها ، وكان الأمل والطموح أن الثورات العربية الاخيرة ستبعث في النفوس طموحات وآمال ثورات خمسينات وستينات القرن العشرين وتعمل على وضع نهاية لمسيرة الماضي بما يؤدي إلى قيام أنظمة حرة عزيزة وكريمة همها بناء الأوطان البناء العلمي الصحيح القائم علي دراسات علمية صحيحة بناءة تحقق الرخاء للجميع دون إستثناء وصولاً إلي تحقيق الوحدة العربية الشاملة التي هي الأخري كانت حلما سرمديا سعت إليه ومن أجله الجماهير العربية التواقة لنهضة عربية مثيلة للتقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصلت إليه عدد من الدول في أسيا وأفريقيا والتي لا تملك من المواد الأولية والخامات الطبيعية من البترول والغاز كما هو الحال في الوطن العربي الغني بكل متطلبات وحاجات العصر وكذا ما تملكه بلادنا التي ساهمنا في نهب ثرواتها وبيع جزرها وقتل مواطنيها .
وما هوحاصل الآن في المنطقة عكس ذلك. فإذا كان وعد بلفور الذي أصدره حينذاك جيمس بلفور وتحديدا في الثاني من نوفمبر عام 1917 والذي تحتفل به إسرائيل في الثاني من نوفمبر القادم بمناسبة مرور 100 عام عليه باعتباره كان أول خطوة اتخذتها بريطانيا ودول غربية أخري لقيام كيان صهيونى في قلب الوطن العربي في فلسطين الحبيبة التي توجد فيها أولي الكعبتين وثالث الحرمين الشريفين مسري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ذلك الإعلان البلفوري الذي أعطى الحق لغير أصحابه تزامن الوعد حينها مع سياسة تقسيم الوطن العربي وفق إتفاق سايكس بيكو الذي تمخض عنه تقسيم دول الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا عند نهاية الحرب العالمية الأولى بعد أن كانت دول الهلال وغيرها من الدول العربية خاضعة للتواجد العثماني واستمرت هذه الدول وغيرها تهيمن علي عدد من الدول العربية بما في ذلك دول المغرب العربي حتي نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م التي توجت بإنتصار الحلفاء والإعلان عن قيام الأمم المتحدة في 24 أكتوبر عام 1945 بمدينة سان فرانسيسكو ووفقا لميثاق الأمم المتحدة في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين وحق الشعوب في الحرية والسيادة والاستقلال بدأت الحركات الثورية في عموم دول العالم تناضل وتكافح من أجل التحرر الوطني وطرد الإستعمار وإعلان حرية وإستقلال الدول والأقاليم التي كانت خاضعة للإستعمار أو لنظام الوصاية ، غير أن نكبة فلسطين أو الحرب العربية -الإسرائيلية الأولي عام 1948 قد عززت من قوة إسرائيل التي إحتلت أراضي جديدة داخل فلسطين مستغلة تدهور الأوضاع العربية وأنظمتها الملكية ، ومن نتائج حرب النكبة أو الحرب الأولي تشريد وتهجيرابناء الشعب الفلسطيني أن جمال عبد الناصر بعد عودته من مشاركته في حرب فلسطين وجرحه في الفالوجة صمم وزملائه بالإطاحة بالنظام الملكي في مصر واعتبره من أسباب الهزيمة في حرب فلسطين .
وعلي مستوي المنطقة العربية فقد تحررت معظم الدول العربية التي أسقطت الأنظمة الرجعية والعميلة القديمة وكانت ثورة 23 يوليو 1952 في مصر هي الرائدة والمحركة لتحرير دول المنطقة العربية و دول العالم الثالث بما فيها بلادنا .
خلال الخمسينات حتي سبعينات القرن العشرين حدثت تحولات عربية وعالمية في مقدمتها موت الزعيم جمال عبدالناصر وتوقيع اتفاقيات كامب
ديفيد بعد حرب السادس من أكتوبر المجيدة التي استعادت مصر قناة السويس وحطمت خط بارليف ، وبالمناسبة في هذا اليوم السادس من أكتوبر يحتفل شعب مصر الشقيق بذكري إنتصاره في حرب أكتوبر المجيدة يوم تمكنت القوات المصرية من قصم ظهر إسرائيل في مثل هذا اليوم السادس من أكتوبر 1973 فهنيئا لمصر ذلك الزحف البطولي بفضل سلاح الطيران المصري الذي شل وبشكل سريع حركة الطيران الإسرائيلي ،
وفي المعركة نفسها استعادت سوريا القنيطرة ولم تستعيد هضبة الجولان التي لازالت تحت الإحتلال هكذا كان التضامن العربي.
وفيما يتعلق باتفاقيات السلام وهي مطلوبة فقد تم توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل وتم توقيع اتفاقية وادي عربة مع الأردن وأكثر من هذا وذاك تم الإعلان عن مبادرة السلام العربية التي أطلقها الأمير عبد الله بن عبد العزيز نائب الملك فهد حينها والتي أقرتها قمة بيروت العربية للسلام عام 2002 التي أكدت علي مبدأ الأرض مقابل السلام تضمنت في بنودها عودة اللاجئين الفلسطينيين وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية وإقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا علي حدود 1967 وتكون عاصمتها القدس الشرقية بالمقابل الإعتراف بإسرائيل وتطبيق العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل مقابل انسحابها من كافة الأراضي العربية التي إحتلتها في حزيران 1967م .
وبرغم قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي وخاصة القرار رقم 242 لعام 1967 والقرار رقم 338 لعام 1973 وغيرها من القرارات منذ نكبة 1948 وهي الحرب الأولي بين العرب واليهود فإن إسرائيل عاقدة العزم في عدم الإنسحاب من الأراضي العربية التي لازالت تحتلها وبالتالي فإن
المستجدات الجديدة في الصراع العربي الإسرائيلي هو التداخل الغريب في الحروب الأهلية في سوريا وليببا واليمن والعراق منذ 2011 وما قبلها في العراق منذ احتلاله عام 2003 م ، وهل هذه التداخلات الخارجية الأمريكية والفرنسية والبريطانية والروسية والسعودية والايرانية والتركية والاماراتية والقطرية لصالح هذه الدول الأربع التي تم تدمير بنيتها التحتية وكل جميل إمتلكته عبر نصف قرن أو يزيد من الزمان أو أن هذه التداخلات لصالح العدو الإسرائيلي .
ما يحصل في المنطقة العربية سواءً في قطر مع الدول الأربع التي حقيقة حاصرتها بقوة ذلك لا يخدم التضامن الخليجي بشكل خاص والعربي بشكل عام والحال كذلك في اليمن الذي جاوز العدوان السعودي الإماراتي وحصاره الشامل لليمن 900 يوم من حروب وشرذمة وتجويع وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان ولقواعد العلاقات الدولية فضلاً عن إحتلال بعض الجزر اليمنية وبكل أسف بموافقة عربية ، بالتأكيد ذلك يصب في صالح العدو الاسرائيلي بالدرجة الأولى .
و نعتقد أن المصالحة الوطنية الفلسطينية هي هدف وحلم عربي لكن أين مصير الأراضي العربية المحتلة التي أقرتها الأمم المتحدة منذ عام 1948 وحتى عام 2017 م هل أصبحت في خبر كان.
الشهر القادم نوفمبر تحتفل إسرائيل بمرور 100 عام علي وعد بلفور الذي أعطى ومنح أرض الشعب الفلسطيني لمن لا يملكها وإذا كان رئيس الحكومة الفلسطينية قد وصل إلى إقليم غزة الذي تديره حركة حماس منذ 2006 يوم الثاني من أكتوبر الجاري فالشكر موصول للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي تمكن من إنهاء الانقسام الفلسطيني وبالمقابل يتمكن من القضاء علي أوكار العمليات الإرهابية التي تحاك في جنوب سيناء المصرية من قطاع غزة غير أن إسرائيل لم ولن تعترف بالمصالحة الفلسطينية مالم يتم سلخ وتجريد الجناح العسكري في غزة من السلاح واعتراف حركة حماس بدولة إسرائيل وهذا ما أعلنه نتنياهو ، وهنا تكمن مأساة الصراع العربي الإسرائيلي عندما تعترف حكومة السلطة الفلسطينية بإسرائيل دون انسحاب شامل وكامل من الأراضي العربية المحتلة وهنا يكمن ويأتي دور العرب وخاصة السعودية التي تبحث عن مكان لنفسها لتشارك في صنع وتعقيد الصراعات الدولية ؛ ودون أدنى شك في هذه المرحلة ستطلب إسرائيل من مجلس الأمن الدولي إلغاء كافة القرارات ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي وفي مقدمتها القرار 242 والقرار 338 ومن أجل التهدئة وكفاية علينا وجع الرأس فإن بعض الدول العربية ستكون في مقدمة الدول التي ستطالب بالتعاون مع إسرائيل بإلغاء قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالصراع العربي الإسرائيلي ومن ثم يتم الإعتراف العربي بإسرائيل وصولاً إلي تحقيق نظرية الشرق الأوسط الجديد لاسيما أن دراسات وسيناريوهات تؤكد تحويل الجامعة العربية إلي جامعة الشرق الأوسط تكون إسرائيل عضوا فيها وفق الدراسات والبحوث التي قدمها رابين وشمعون بيريز وكوندوليزا رايس وهيلاري كلينتون وليبرمان وغيرهم من مسوقي تقسيم وشرذمة الوطن العربي وبذلك تتحقق مقولة صفقة..القرن وهو الإعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها.
* رئيس المركز اليمني للدراسات الدبلوماسية والعلاقات الدولية
|