محمد عباس ناجي الضالعي - المقدمة :
لقد كُتبت العشرات من الأبحاث والمؤلفات عن ثورة “14 أكتوبر” عام 1963م ولكننا من خلال إطلاعنا على معظم تلك الأعمال التاريخية، نجد كلما ذكر عن ليلة الثورة قد اختصر في أسطر وفي أحسن الأحوال في صفحات لا يزيد عددها عن أصابع اليد الواحدة، ولهذا توصلنا إلى قناعة تامةٍ بأنّ ثورة مثل “14 أكتوبر” غيَّرت مجرى التاريخ في جزءٍ كبيرٍ من الوطن اليمني لم تعط حقها من البحث والتدقيق وخاصة اليوم الأول من الثورة وما سبقه من أحداث أدت إلى حتمية إشراقة شمسه اليمانية من أعالي قمم جبال ردفان الأبية.
وقد ارتأينا أن تكون ورقتنا البحثية عبارة عن إجابات على الأسئلة التالية :
1 – ما أسباب زيادة وتيرة الانتفاضات الشعبية في الخمسينات من القرن الماضي؟ وما هو دور الإمام أحمد؟ وهنا أقول، نقطة مضيئة للإمام أحمد عكس ما قالوا في السابق في ذلك.
2 – تأسيس أول إطار جبهوي مضاد للاستعمار البريطاني عام 1957م في صنعاء والمشاركين فيه.
3 - استقبال أبناء الجنوب لنبأ قيام ثورة “26 سبتمبر” ومشاركة أول أفواج المتطوعين للدفاع عنها والمواقع التي قاتلوا فيها وقياداتهم وأسباب ذلك.
4 – تبني قيادة ثورة سبتمبر لتشكيل أول إطار سياسي، بعد الثورة للنضال ضد الاستعمار البريطاني وأسباب فشله.
5 – تأثير الخلافات السياسية في صنعاء على تشكيل الأطر السياسية الجنوبية.
6 – الدور الذي لعبته حركة القوميين العرب في إنشاء ثاني إطار سياسي (جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل) نجاحات هذا الإطار وأسباب فشله.
7 – انعكاسات الخلافات بين القيادات المصرية والقيادات اليمنية على الحركة السياسية الجنوبية.
8 – مذكرة أبناء الجنوب اليمني إلى لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة ومطالبهم إلى الرئيس عبدالله السلال.
9 – أسباب دعم بعض القيادات في صنعاء لحزب الشعب الاشتراكي بقيادة عبدالله الأصنج.
10 – صدور أول بيان يتبنى الجبهة القومية.
11 – تأسيس الجبهة القومية.
12 – هل ما قيل وما دُوِّن في الكتب بأنّ قيادة الجبهة القومية تمّ تشكيلها بالتساوي بين حركة القوميين العرب وتشكيل القبائل؟ نظرتنا تقول عكس ذلك تماماً وما دوِّن غير صحيح.
13 – متى تمّ تشكيل أو إطار قيادي للجبهة القومية والمنظمات التي تشكلت منها الجبهة القومية وقيادتها في تلك الفترة؟
14 – تفجير ثورة “14 أكتوبر”.. هل كان مخططاً؟ حقيقةً لقد تعرضت هذه الثورة للتشويه.
15 – ما مضمون الإنذار البريطاني للثوار في ردفان؟ ورد الثوار عليه!
16 – استشهاد الثائر لبوزة ومن الذي أعلن استشهاده؟
17 – ما العوامل التي أدت إلى إعلان الثورة من ردفان دون غيرها من مناطق الجنوب؟
الكُل يدرك أنّ الشعب اليمني، في شمال الوطن وجنوبه، قام بالعديد من الانتفاضات والثورات الوطنية ضد الحكم الإمامي في الشمال ومنها ثورة 1948م وحركة 1955م ومحاولة اغتيال الإمام أحمد في عام 1961م. وفي الجنوب قامت العديد من الانتفاضات ضد الحكم الاستعماري البريطاني، ولكننا سوف نستعرض أبرز الانتفاضات التي قامت في الخمسينات.. انتفاضة الشيخ محمد عيدروس وغيرها من القرن الماضي (القرن العشرين).
ففي شهر مارس من عام 1956م شهدت عدن حوالي (30) إضراباً عمالياً، وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان محافظة شبوة بالهجوم على المركز الحكومي، وفي خريف عام 1956م أثارت الأحداث – التي شهدتها مصر، على إثر العدوان الثلاثي على مصر من قبل إسرائيل وفرنسا وبريطانيا – غضب الشعب اليمني، فازدادت وتيرة العمل الوطني، ضد التواجد البريطاني في المستعمرة عدن والمحميات الشرقية والغربية، فعمل المستعمرون على زيادة التوغل في المناطق الريفية لاسيما المحاذية لأراضي المملكة المتوكلية في الشمال، لهذا شعر الإمام أحمد بخطورة هذا التدخل من جهة وما يشهده الشطر الشمالي من نهوضٍ حركي ووطني يهدد نظامه، فعمل على تمتين علاقته بمصرَ العربية والدول الاشتراكية سابقاً، فتدفقت الأسلحة على ميناء الحديدة فعمل الإمام على دعم الانتفاضة الثورية في المحميات الغربية والشرقية مثل الضالع وردفان والصبيحة ولحج ويافع والعوالق العليا والعوالق السفلى والفضلي وبيحان حتى أنّه أطلق على الفترة “56 – 1958م” في المحميات “أيام الشيوعية” بغرض تشويه سمعة الثوار.
وقد شهدت المحميات الغربية في شهر فبراير عام 1957م أكثر من خمسين حادثة معظمها إطلاق نار على المراكز البريطانية وعلى المسؤولين المحليين في كلٍ من ردفان وحالمين والضالع، وفي 24 فبراير 1957م نصب (16) رجلاً من قبيلة الأزارق كميناً لدورية عسكرية بريطانية تتكوّن من (22) فرداً من أفراد قوات (الكاميرون مايلاندر) أسفر عن مقتل اثنين من الدورية وإصابة ستة بجروح.
وفي أغسطس أو سبتمبر من العام نفسه بدأت انتفاضة قبيلة الشعار في إمارة الضالع، فتضامن معهم أبناء القبائل الأخرى، حتى أنّه عند مرور القوات العسكرية الخارجة من عدن عبر لحج لقمع تلك الانتفاضة وزعت المنشورات في لحج، تدعو أفراد جيش الليوي والحرس الحكومي إلى الثورة والهروب من الخدمة العسكرية، وتمّ رمي تلك القوات أثناء مرورها بلحج بالحجارة، كما انتفضت قبائل بيحان ودثينة وقامت القوات البريطانية باعتقال العديد منهم وصادرت الممتلكات.
وفي عام 1958م رفض سلطان لحج علي عبدالكريم الانضمام إلى اتحاد الإمارات للجنوب العربي، فأرسلت بريطانيا في نيسان أبريل 1958م (4000) جندي تدعمهم الأسلحة الثقيلة واحتلت السلطنة، تحت مبرر اكتشاف مخازن للأسلحة والذخائر، وعلى إثر ذلك نزح جزء من قوات سلطان لحج إلى تعز بلغ عددهم 45 ضابطاً و300 جندي.
وفي 22 أبريل 1958م قامت قبائل الشاعري والدكام والحميدي والأحمدي والأزرقي والمحاربة وجحافة وبني سعيد وحالمين وردفان باحتلال مركز (السرير) في جبل جحاف بقصد السيطرة عليه، أما في يافع السفلى فقد نشب خلاف بين السلطان محمد عيدروس والبريطانيين على أسعار القطن الذي كانت تتحكم به السلطات البريطانية، فعملت بريطانيا على عزل السلطان محمد عيدروس الذي قاوم الإجراءات البريطانية، فاستمرت العمليات القتالية بين السلطان عيدروس وقوات الاحتلال البريطاني من فبراير 1958م إلى أبريل 1961م واستخدمت القيادة العسكرية البريطانية كل وسائل التدمير ضد قوات السلطان بما فيها الطيران الذي دمر تدميراً كاملاً معقل السلطان محمد عيدروس في قلعة (القارة) الحصينة في يافع وعلى إثرها نزح السلطان عيدروس إلى تعز.
وفي 19 يوليو 1958م اندلعت اتنفاضة قبائل سيسان والمناهيل في حضرموت، كما قامت قبائل الربيزي في العوالق في مارس 1959م على إجبار القوات البريطانية على الانسحاب من المراكز العسكرية التي أقاموها في العوالق، فقامت القوات البريطانية بقصف مناطق تلك القبائل بواسطة الطيران مما أدى إلى استشهاد عدد من الثوار وأحرقت المزارع، وأبيدت المواشي وتشردت الأسر ولجأ الثوار إلى الجبال لمواصلة المقاومة.
ويمكننا القول إنّه خلال الفترة من 56 – 1958م شهدت الانتفاضة الثورة في المحميات الغربية والشرقية اطراداً في الكم والكيف نتيجة للمد الثوري العربي الذي خلفته الثورة العربية في مصرَ منذ قيامها في عام 1952م وتنامي الوعي الوطني بأهمية النضال ضد المستعمر، واستفادت المقاومة الشعبية من الدعم المحدود الذي قدمه الإمام أحمد لها؛ إلا أنّ التراجع الذي أقدم عليه الإمام أحمد بعد أن شعر بخطورة تنامي الوعي الوطني في الشمال والجنوب على حدٍ سواء ضد حكمه والحكم البريطاني، فتوصل إلى حلول مع البريطانيين قام على إثرها بقطع كافة أشكال الدعم والمساندة على رجال المقاومة الشعبية، فكان نتاج ذلك زيادة الهجمة العسكرية البريطانية ضد القبائل الثائرة التي لم تجد معظمها – وخاصة القيادات – من وسيلة سوى اللجوء إلى المناطق الشمالية أو الهجرة إلى دول عربية مثل الكويت والسعودية، ومع ذلك فإنّ تلك القيادات التي لجأت إلى الشمال، قبل قيام ثورة “26 سبتمبر 1962م” حاولت أن تتخذ من الشمال قاعدة لانطلاقتها النضالية ضد المستعمر، وتكوَّنت في عام 1957م جبهة أسميت (العاصفة العدنية) بقيادة محمد عبده نعمان الحكيمي الأمين العام للجبهة الوطنية المتحدة وكانت تذيع برنامجاً إذاعياً من إذاعة صنعاء باسم (صوت الجنوب)، لكن الإمام رفض أي نشاط لهم في صنعاء، فعملت مجموعة من المناضلين على تكوين تجمع جديد لهم في منطقة البيضاء الحدودية برئاسة محمد عبده نعمان الحكيمي ومقبل باعزب وباشتراك عدد من رؤساء القبائل ومنهم : أحمد سالم الحميري وعمر سالم الدماني والعاقل حسن المجعلي وعبدالله مساعد المصعبي وناصر علوي السقاف ومحمد صالح الحوشبي والسلطان محمد عيدروس ومحمد صالح المصلي وعيدروس بن أحمد وأمذيب صالح بن فريد وأسسوا هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل وحصلوا على بعض الأسلحة من مصرَ عام 1960م، لكن الإمام لم يسمح بخروج هذه الأسلحة من ميناء الحديدة.
فكان لتلك المواقف التي أتبعها الحكم الإمامي ضد القيادات الوطنية بالغ الأثر في تكوين الحقد وروح الانتقام من ذلك النظام في صنعاء.
عند إعلان قيام الثورة صبيحة يوم الخميس 26 سبتمبر 1962م عبرت الجماهير اليمنية عن فرحتها بهذا الحدث العظيم في كل قرية ومدينة دون استثناء، إلا أنّ تعبير الجماهير الجنوبية المحتلة، حينها من قبل الاستعمار البريطاني، كان له طابع مميز أظهر ثقل هذه الثورة، وفجر طاقات الشعب الوطنية، فقد خرجت الجماهير في شوارع مدينة عدن تردد الأناشيد الثورية المعبرة عن التأييد للثورة، ونشطت اجتماعات القوى الوطنية، وفي مقدمتها الحركة العمالية والأحزاب السياسية، وبدأت طلائع المتطوعين للدفاع عن ثورة سبتمبر تتجه نحو عاصمة الثورة صنعاء، منذ الأسبوع الأول لقيام الثورة وخاصة من المستعمرة عدن التي كانت الجماهير فيها أكثر وعياً وتنظيماً، ثمّ تقاطرت أفواج المتطوعين من كل من لحج وأبين وشبوة والضالع ويافع وحالمين والأزارق والشعيب والصبيحة.. الخ.
وإنّه من الصعب رصد دور أبناء الجنوب في الدفاع عن ثورة سبتمبر، ولكننا سنعمل هنا على ذكر الدور الذي قامت به المجاميع الأولى من المتطوعين.
بعد وصول أفواج المتطوعين من الجنوب إلى مدينة تعز عملت القيادة العربية المشتركة، المكونة من القيادات العسكرية اليمنية والمصرية على توزيع المجاميع الأولى من المتطوعين الجنوبيين في ثلاث جبهات رئيسية هي :
1 – جبهة خولان : أرسلت إلى هذه الجبهة مجموعة مكوَّنة من أكثر من (90) مقاتلاً معظمهم من العسكريين في المؤسسات العسكرية والأمنية الجنوبية الذين هربوا من وحداتهم بغرض التطوع للدفاع عن ثورة سبتمبر والعناصر الهاربة إلى الشمال قبل الثورة، وقد عين قائداً لهذه المجموعة الرائد محمد أحمد الدقم من (الصبيحة) وكان من قيادات هذه الجبهة المناضلي علي عبدالله السلال.
2 – جبهة الحيمتين : بلغ عدد أفراد هذه المجموعة حوالي (100) متطوع ومعظم أفرادها من العمال والطلاب والمدرسين الذين جاءوا من المستعمرة عدن، وقد عين قائداً لهذه المجموعة الأستاذ محمد عبده نعمان الحكيمي.
3 – جبهة المحابشة في لواء حجة : بلغ عدد المجموعة أكثر من (120) مقاتلاً ومعظمهم من قبل ردفان، وكانت هذه المجموعة بقيادة الثائر راجح بن غالب لبوزة وأيضاً بقيادة الكبسي.
وقد أتى توزيع المتطوعين الجنوبيين على هذه الجبهات نتاجاً لأسباب عدة أهمها :
1 – ضراوة المعارك التي تشهدها تلك المناطق.
2 – تمكين أفراد المجموعات من القتال في جبهات ومواقع محددة يسهل التجانس فيما بينهم.
3 – اطمئنان القيادات العسكرية المصرية المتواجدة في تلك المناطق إلى عدم قدرة الاستخبارات العسكرية على اختراق أفراد تلك المجموعات.
4 – تمتع أفراد تلك المجموعات بشيء من روح الانضباط للأوامر.
إلا أنّه يمكن الإشارة إلى أنّ هذه الجبهات لم تبقَ فيما بعد هي وحدها التي تمّ توزيع المتطوعين فيها من أبناء الجنوب بعد أن زاد عددهم، فقد تمّ توزيعهم على معظم جبهات القتال ضد الملكية، وتمّ إلحاقهم في صفوف الحرس الوطني والجيش، حتى أنّ بعضهم تمّ إلحاقهم بالكلية الحربية كطلبة ليتخرجوا منها قيادات عسكرية مؤهلة في جبهات القتال أمثال : ثابت عبده حسين وعبدالله علي الضالعي وأحمد مهدي المنتصر وغيرهم.
كلنا يعرف أنّ الحكم الاستعماري البريطاني في الجنوب اليمني المحتل، كان موقفه معادٍ لثورة “سبتمبر” منذ اليوم الأول لميلادها، وبعد شهرين من قيامها بدأت السلطات الاستعمارية بتجميع بعض العناصر اليمنية المعادية للثورة وبعض المرتزقة الغربيين على حدود (بيحان – حريب) فعملت بعض المجاميع التي كانت متواجدة في الشمال قبل قيام ثورة “سبتمبر” في نهاية عام 1962م على إعادة تنظيم نفسها في إطار سياسي يمثل أبناء الجنوب أمام القيادة في صنعاء لعرض مشروع الكفاح المسلح عليها، وسُميت هذه الجبهة (بهيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل)، وكان من أبرز نشطائها محمد عبده نعمان الحكيمي، والسلطان محمد عيدروس ومحمد صالح المصلي والأمير عبدالحميد محمد سرور، الرائد محمد أحمد الدقم، ومقبل عاتق باعزب، وعلي بن أبي بكر بن فريد وجعفان بن أبي بكر وأحمد سالم الحميري وسالم عمر الدماني وسالم علي معور الربيزي وأحمد علوي المصعبي ومنصور محمد عواس وأحمد مهدي المنتصر والمقدم محمد مفضل ومهدي عثمان المصقري وعبدالصفي صالح عوض الرجاعي. فحظيت هذه الهيئة بدعم حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي وبعض القيادات في صنعاء، وفي مقدمته اللواء حسن العمري، وتمّ افتتاح مقرها فوق باب دار السعادة حالياً (المتحف الوطني) في صنعاء، إلا أنّ القيادات المصرية لم تكن راضية عن هذه الهيئة، فلم تحضر افتتاح مقرها، فاستمرت هذه الهيئة حتى مطلع عام 1964م ولكنها محدودة النشاط.
وفي هذه الفترة كان الخلاف بين القيادات المصرية والقيادات البعثية اليمنية ومعها بعض الوجاهات الاجتماعية واضحاً للعيان. كما أنّه في بداية عام 1963م ازدادت العمليات العسكرية الموجهة ضد الثورة السبتمبرية والتواجد المصري في الشمال المدعومة من السلطات الاستعمارية البريطانية، فبدأت القيادات العسكرية المصرية (الاستخبارات) تفكر بإيجاد إطار سياسي لأبناء الجنوب الموجودين في الشمال، يستطيعون من خلاله تنظيم أنفسهم للقيام بعمليات عسكرية وقائية ضد التواجد البريطاني في الجنوب، هي في الأساس عمليات إرباكية أكثر منها هجومية، فالقيادة المصرية كانت في تلك الفترة لا تود فتح جبهة أخرى على الحدود الجنوبية بينما كانت منشغلة في الجبهة الشمالية على حدود السعودية.
فاستغلت حركة القوميين العرب وبصورة ذكية هذا التوجه وخلافات القيادة المصرية مع البعثيين، وبدأت الحركة التي كان يقودها في الجنوب فيصل عبداللطيف الشعبي وفي الشمال مالك الإرياني، تروج للكفاح المسلح، وتعد العدة لإنشاء تنظيم منبثق عنها، وأجرت اتصالات مع قياداتها في الخارج مثل جورج حبش ومحسن إبراهيم وهاني الهندي للاتصال بالزعيم جمال عبدالناصر في الحصول على الضوء الأخضر لتأسيس ذلك الإطار ونقل قحطان محمد الشعبي من القاهرة إلى صنعاء ليقود هذا العمل بعد أنْ تمّ تعيينه مستشاراً للرئيس عبدالله السلال لشؤون الجنوب، وخلال تواجد قحطان الشعبي في صنعاء أستطاع أن يلتقي العديد من الشخصيات الوطنية من أبناء الجنوب وينال ثقتهم.
على الرغم من أنّ الباحثين لم يحاولوا في دراستهم أن يشيروا إلى انعكاسات الخلافات التي ظهرت بين بعض القيادات الكبيرة في صنعاء وانعكاساتها على مسار الحركة الوطنية في الجنوب، إلا أنّه في الحقيقة لا مفر من توضيح ذلك ليس لإبراز جوانب السلب وإنّما لإبراز الترابط بين قوى الحركة الوطنية اليمنية في الشمال والجنوب حتى على مستوى الصراعات التي كان يشهدها الوطن العربي بشكل عام والساحة اليمنية بشكل خاص، فقد كان الخلاف على الصعيد العربي قائماً بين تيار القيادة المصرية من جهةٍ وتيار البعث العربي من جهةٍ ثانية، وكان لذلك الخلاف تأثيره على الساحة اليمنية وخاصة في صنعاء (على مستوى القيادات).
وقد أشرنا سابقاً أنّه تمّ تأسيس (هيئة تحرير الجنوب اليمني المحتل) في نهاية 1962م لكن هذه الهيئة لم تحظَ بدعم القيادات العربية المصرية مما أضعف دورها رغم أنّها حصلت على دعم بعض القيادات اليمنية، فكان لابد من إيجاد إطار سياسي جديد، وبناءً على دعوة من المجاميع الجنوبية الموجودة في صنعاء والتي كانت غير منضمة إلى هيئة تحرير الجنوب (اليمني المحتل) عقد اجتماع في 24 فبراير 1963م في دار السعادة بصنعاء (مؤتمر للقوى الوطنية) حضره أكثر من (100) ممثل للوطنيين المستقلين وممثلي الضباط الأحرار وقادة حركة القوميين العرب، وتمّ التوصل إلى اتفاق حول توحيد جميع القوى الوطنية في جبهة موحدة أطلق عليها (جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل). وانتخب لها مكتب سياسي مكوّن من 11 شخصاً وهم :
-1 قحطان محمد الشعبي.
2 - ناصر علوي السقاف.
-3 عبدالله المجعلي.
-4 محمد علي الصماتي.
5 - ثابت علي المنصوري.
6 - محمد أحمد الدقم.
7 - بخيت مليط الحميد.
8 أحمد عبدالله العولقي.
9 - عيدروس حسين القاضي.
10 - أحمد علي الكاظمي.
11 - عبدالله محمد الصلاحي.
وعقد المكتب السياسي عدة اجتماعات توصل بعدها إلى إعداد مشروع ميثاق قومي تمت المصادقة عليه في 8 مارس 1963م وأقره الحاضرون من رجال القبائل والجنود والضباط الأحرار وممثلو القوميين العرب.
إلا أنّ هذه الجبهة، التي حظيت بدعم القيادة المصرية وحركة القوميين العرب، لم تحظَ بدعم بعض القيادات اليمنية في صنعاء وحزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي، مما جعلها لم تحقق نجاحات كبيرة في نشاطاتها ولم يفتح لها مكتب، بينما حصل حزب الشعب الاشتراكي الذي يقوده عبدالله الأصنج على مكتب لممارسة نشاطه في قاع العلفي حالياً.
وفي 29 مايو 1963م كانت تزور صنعاء لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن لجنة تصفية الاستعمار بالأمم المتحدة، فقام أبناء الجنوب بتنظيم مسيرة في ذلك اليوم تحركت من العرضي (باب اليمن) إلى دار الضيافة (المتحف الحربي حالياً)، سلموا فيها مذكرة إلى اللجنة الدولية تشرح أوضاع أبناء الجنوب تحت الحكم البريطاني وحددوا مطالبهم التي تؤدي إلى الاستقلال. وأمام دار الضيافة خرجت اللجنة الدولية لاستقبال المتظاهرين تستمع إلى مطالبهم. فقام عبدالله علي عبيد، الذي كان يمثل أحد طرفي الحركة السياسية الجنوبية وهي حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي بعدن، فطلب من اللجنة الدولية إجبار المستعمر على الرحيل من الجنوب وأنّ شعب الجنوب ليس لديه إمكانية على مجابهة بريطانيا العظمى، بينما الطرف الآخر الذي كان يمثل جبهة التحرير أو بالأصح حركة القوميين العرب كان يرفض الحلول السلمية مع المستعمر، فحدث خلاف حاد أمام اللجنة الدولية بين الطرفين.
وبعد أن استمعت اللجنة إلى مطالب أبناء الجنوب توجهت المظاهرة إلى منزل الرئيس عبدالله السلال، الكائن في حي القاع بصنعاء وقابلت (16) شخصاً ممثلين للحشد الجماهيري الكبير، وعند مقابلة الرئيس السلال شرحوا له موقف حزب الشعب الاشتراكي من الكفاح المسلح، وسلموا له نسخة من الوثيقة التي قدمت إلى اللجنة الدولية وتقدموا له بالمطالب التالية :
1 – دعم الكفاح المسلح ضد المستعمر.
2 – فتح مكتب لجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل مثلها مثل حزب الشعب الاشتراكي.
3 – تعيين قحطان محمد الشعبي رئيساً لمصلحة أبناء الجنوب بدلاً من مستشار لرئيس الجمهورية لشؤون الجنوب، حتى تكون له صفة رسمية وصلاحيات قانونية.
وقد لبى الزعيم السلال المطالب الثلاثة لكن المكتب رفض فتحه من قبل بعض القوى المتحفظة على الجبهة.
ونود أن نشير إلى أنّ الدعم الذي كان يحصل عليه حزب الشعب الاشتراكي والمؤتمر العمالي بقيادة عبدالله الأصنج، لم يأتِ، كما قيل، بعد الاستقلال لأنّ الأصنج يمثل التيار الرجعي، ولكنه يعود إلى عدة أسباب أهمها : أنّ برنامج حزب الشعب الاشتراكي لا يختلف عن برنامج حزب البعث العربي الاشتراكي إلا من حيث العناوين فقط، وهذا ما أوجد من يؤيده من القيادات في صنعاء، التي تنتمي إلى الأفكار نفسها، وثانياً بأنّه أول من نظم أفواج المتطوعين إلى العاصمة صنعاء للدفاع عن ثورة سبتمبر.
كما أنّ كثيراً من قادته شخصيات معروفة ليس على الساحة اليمنية فقط وإنّما على الساحة العربية ولديها إمكانيات فكرية، بالإضافة إلى أنّ دعم القيادة المصرية وبعض قيادات الثورة في صنعاء لجبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل أوجد بالمقابل جبهة مضادة لها تدعم حزب الشعب الاشتراكي التي رأته قريباً من أفكارها.
ليس بخافٍ أنّ جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل التي تمّ الإعلان عنها في 24 فبراير 1963م كانت التشكيلات الرئيسية المكوّنة لها ثلاثة : الضباط والجنود الأحرار وتشكيل القبائل وحركة القوميين العرب وبعض عناصر قيل إنّها مستقلة، لكن حركة القوميين العرب التي كانت تعتبر في تلك الأيام حركة اشتراكية أو شيوعية كان أعضاؤها يمارسون نشاطهم بصورةٍ سرية كانت هي وراء تأسيس هذه الجبهة بدعمٍ من القيادة المصرية، لكن هذه الجبهة لم يسر نشاطها على النحو المطلوب، لهذا أصدر بيان إلى الشعب العربي في جنوب اليمني المحتل بتاريخ 5 يونيو 1963م باسم تشكيل القبائل انتقد الجبهات التي كانت وراء فشل جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل واتهمها بالتآمر، وأعلن عن عزمه على تفجير الثورة المسلحة في القريب العاجل. وأهم ما جاء في البيان أنّه أول بيان تبنى كلمة الجبهة القومية حيث جاء فيه : (يا شعبنا العربي في الجنوب.. ارفع شعار الجبهة القومية بين القوى المناضلة وطالب بتحقيقها فالجبهة القومية هي طريق الشعب لتوحيد صفوفه وتحقيق أهدافه).
وقد وقع البيان من قبل تشكيلين هما : تشكيل القبائل وضباط وصف ضباط الجيش.
وكل البيانات التي صدرت عن التنظيمات السياسية في الجنوب، كانت تعتبر اليمن إقليماً واحداً شمالاً وجنوباً واليمن جزءاً من الوطن العربي الموحد، ولا تعترف بالتجزئة.
في منتصف عام 1963م بدأ ضغط القوى الملكية المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية وبريطانيا والدول الغربية الأخرى، يزداد على الثورة في الشمال بينما القوى السياسية الجنوبية لم تستطع التوصل إلى إيجاد إطار سياسي جبهوي قادر على تخفيف الضغط على الثورة عندما يتطلب الأمر ذلك، فعقد في منتصف شهر يونيو 1963م اجتماع بين أبناء الجنوب والشمال في منزل القاضي عبدالرحمن الإرياني “الكائن أمام القصر الجمهوري”، ضم من الجانب الشمالي : عبدالرحمن الإرياني ومحمد محمود الزبيري ومن الجانب الجنوبي ناصر علوي السقاف وعبدالله محمد المجعلي وبخيت مليط الحميد وأحمد بن نمير العولقي.
كانت وجهة نظر الجانب الشمالي أنّه من أجل تخفيف الضغط على الثورة لابد من فتح جبهة قتالية في عمق أراضي الجنوب، فوافق الجانب الجنوبي على الفكرة، ولهذا عقد اجتماع آخر في اليوم التالي في منزل عبدالحافظ قائد في القاع بصنعاء، خاص بالجانب الجنوبي وقروا فيه تشكيل لجنة اتصال مهمتها الإعداد والتهيئة للثورة في الجنوب، مكوَّنة من 12 شخصاً (6) ممثلين لحركة القوميين العرب و(6) ممثلين لتشكيل “القبائل” هم التالية أسماؤهم :
ممثلو حركة القوميين العرب :
1– ناصر علوي السقاف.
2 – عبدالله محمد المجعلي.
3 - علي أحمد السلامي.
4 – عوض الحامد.
5 – عبدالحافظ قائد.
6 – سلطان أحمد عمر.
ونجد أنّ كل المراجع، عندما تتحدث عن تأسيس الجبهة القومية، تقول بأنّه تمّ تشكيل قيادة الجبهة القومية من 12 شخصاً (6 ممثلين لحركة القوميين العرب و6 ممثلين لتشكيل القبائل)، ولكنها لم تورد هذه الأسماء مطلقاً، غير أنّه من المؤكد أنّ هذه المعلومات غير دقيقة وخالية من الصحة، فالمجموعة المكونة من 12 شخصاً هي لجنة اتصال للإعداد والتهيئة للثورة وليست قيادة للجبهة القومية وقد أوردنا أسماء المجموعة آنفاً.
ويعود السبب في تحديد ممثلي كل طرف إلى أنّ حركة القوميين العرب كان أعضاؤها سريين، ولا تسمح قيادة الحركة بالكشف عن أعضائها وتحبذ إبلاغهم عبر أطرهم الحزبية، ومع ذلك نجد كثيراً من أعضائها، أحياناً، ينتمون إلى تشكيلات أخرى، وكان الهدف من ذلك ضمان نشاطهم في تلك الأحزاب وكأنّهم ينتمون إليها، وليس لهم عَلاقة بحركة القوميين العرب، وبالتالي السيطرة عليها.
وفي هذه الفترة كانت حركة القوميين العرب قد بدأت تتحسن عَلاقتها مع القيادة المصرية وتحصلت على الضوء الأخضر بالسماح لفرعها في اليمن بالتقرب من القيادات العسكرية المصرية في صنعاء، فبعد الاجتماعي الذي تمّ على إثره تشكيل لجنة الاتصال للإعداد والتهيئة للثورة في الجنوب نزلت بعض المجاميع إلى تعز وشكلت قيادة لتنظيم التعاون مع المخابرات المصرية للإعداد للثورة وفتح جبهات قتال في الجنوب، كان مقرها في تعز دار الضيافة (فرع وزارة المالية حالياً) مكوّنة من 11 شخصاً وهم :
1 – سالم زين محمد.
2 – جعفر علي عوض.
3 – طه أحمد مقبل.
4 – علي أحمد السلامي.
5 – عوض الحامد.
6 – ناصر علوي السقاف.
7 – عبدالله محمد المجعلي.
8 – صالح أحمد المجعلي.
9 – بخيت مليط الحميدي.
10 – محمد علي الصماتي.
11 – ثابت علي المنصوري.
ونجد هنا أنّ قحطان محمد الشعبي لم يظهر اسمه في كل اللجان باعتباره رئيساً لمصلحة أبناء الجنوب وممثلاً لكل التيارات السياسية أمام السلطة في صنعاء، ولكنه في الحقيقة كان المحرك الأساسي للنشاطات في صنعاء وتعز.
وفي نهاية شهر يوليو 1963م تقريباً عقد المؤتمر القومي لحركة القوميين العرب في بيروت حضره ممثلو الحركة في شطري اليمن، ولأنّ فيصل عبداللطيف الشعبي، الذي كان رئيساً لفرع الحركة في الجنوب، كان يعمل سكرتيراً لوزير التجارة في حكومة اتحاد الجنوب العربي هذا الوضع الوظيفي جعله لا يستطيع الخروج من عدن لسرية نشاطه الحزبي، فقد مثل فرع الجنوب في هذا الاجتماع الإخوة قحطان محمد الشعبي وعلي أحمد السلامي وناصر علوي السقاف وجعفر علي عوض، وخلال أعمال الاجتماع التقى الوفد اليمني بقيادة حركة القوميين العرب التي اقتنعت بصحة عقم النضال السياسي ضد المستعمر في الجنوب، الذي كان يتبناه بعض القياديين في الحركة في تلك الفترة واعتبر الكفاح المسلح الوسيلة الفاعلة لطرد المستعمر البريطاني.
وفي مطلع شهر أغسطس 1963م عاد ممثلو حركة القوميين العرب فرع الجنوب إلى تعز وبدأ التشاور لتشكيل جبهة للكفاح المسلح، فحصلت الجبهة على التسمية (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل)، وتشكلت من سبعة تنظيمات، وعقد الاجتماع في 19 أغسطس 1963م في تعز حضرته بعض قيادات تلك التنظيمات بينما البعض الآخر حضر ممثلون عنها فقط، فكانت تلك التنظيمات المكوّنة للجبهة القومية وقياداتها حينها (بعض تلك القيادات لم تحضر).
1 – حركة القوميين العرب – فيصل عبداللطيف الشعبي.
2 – الجبهة الناصرية – أبوبكر شفيق.
3 – جمعية الإصلاح اليافعية – عبدالله حسين المسعدي وسالم عبده عبدالله اليافعي.
4 – القطاع السري للضباط الأحرار – محمد علي الصامتي وبخيت مليط الحميدي.
5 – تشكيل القبائل – ناصر علوي السقاف وعبدالله محمد المجعلي.
6 – المنظمة الثورية لأحرار جنوب اليمن المحتل – عبدالله مطلق صالح.
7 – الجبهة الوطنية – حسين عبده عبدالله وعبدالقادر أمين.
وهنا نود أن نوضح بأنّ كثيراً من المراجع تشير إلى أنّه عند عقد الاجتماع التأسيسي للجبهة القومية، تمّ انتخاب قيادة لها، والحقيقة أنّه لم يتم تحديد المسؤوليات القيادية للجبهة القومية إلا في عام 1964م عندما حددت لها قيادات عبارة عن مكاتب للشؤون العسكرية والتنظيمية والمالية.. الخ. وكانت قيادة الجبهة القومية، قبل ذلك التشكيل، تتمثل في الزعيم قحطان محمد الشعبي وينوبه ناصر علوي السقاف.
ومن المؤسف أنّ انطلاقة ثورة 14 أكتوبر قد تعرضت للتشويه، بقصد أو بدون قصد، فقد قيل إنّ انفجار الثورة وقع عندما اصطدم الثوار العائدون من الشمال مع دورية بريطانية عن طريق الصدفة وغيره من الأقوال التي لا تمت للحقيقة بصلة.
وسنوضح هنا شرحاً موجزاً لذلك.. عندما كانت مجاميع المتطوعين للدفاع عن ثورة سبتمبر، من أبناء الجنوب، تقاتل في المناطق الشمالية أصدرت بريطانيا قانوناً يحرم ذهاب أبناء الجنوب للدفاع عن ثورة سبتمبر كما نص القانون على أنّ على كل العائدين من الشمال أن يقوموا بتسليم أسلحتهم وما لديهم من ذخائر وقنابل ودفع ضمانة قدرها خمسمائة شلن (درهم) وعندما عادت بعض المجاميع من الشمال إلى مناطقها قدمت ضمانات بعدم العودة بواسطة السلطات المحلية.
مجموعة الثائر راجح بن غالب لبوزة، التي كانت تتأهب للعودة إلى ردفان، بعد مشاركتها في الدفاع عن ثورة سبتمبر، لعدة أشهر، ناقشت معها القيادات الجنوبية والشمالية أسلوب التصرف مع القانون البريطاني، فكان رد أبناء ردفان بأنّهم لم يسلموا أسلحتهم لبريطانيا، وأنّهم عازمون على مواجهة السلطات البريطانية، في حالة تطبيق هذا القانون عليهم وقد سبق وأن ذكرنا آنفاً بأنّ تشكيل القبائل قد أُعلن في بيان 5 يونيو (1963م) عزمه على تفجير الثورة المسلحة ضد المستعمر البريطاني.
عند خروج مجموعة الثائر لبوزة من صنعاء كانت طريق عودتهم (صنعاء – إب – قعطبة – الضالع – حالمين – ردفان) وأثناء مرورهم بمدينة إب التقى لبوزة المقدم أحمد بن أحمد الكبسي قائد اللواء، الذي كانت تربطه بـ “لبوزة” عَلاقات وثيقة جمعتهم فيها أعمالهم القتالية في جبهة المحابشة، فطلب الكبسي من لبوزة دراسة الأجواء في ردفان للقيام بالثورة مؤكداً استعداده لدعم تفجير الثورة، بعد أن يتم الإعداد لها وتنظيم الجماهير في ردفان، حتى تصبح الظروف مهيأة من الجوانب كافة، كما شرح له بأنّ الأوضاع في الشمال لا زالت غير مستقرة، واقترح الكبسي على لبوزة أن نتيجة لعدم وجود السلاح في ردفان، بإمكانه تجهيز مجاميع جديدة للمشاركة في الدفاع عن ثورة سبتمبر من جهة وتدريبها وتسليحها وإعادتها إلى ردفان كقوةٍ مدربة على القتال.
عادت المجموعة إلى ردفان نهاية شهر أغسطس 1963م فاستقبلتها الجماهير في كل المناطق التي كانت تمر فيها.
ومن أجل إخضاع هذه المجموعة وجهت السلطات البريطانية، بعدم عودتهم بأيام إنذارات شفهية تطلب منهم تسليم أنفسهم مع أسلحتهم ودفع غرامة مالية تقدر بخمسمائة شلن (درهم) على كل فرد، مع وضع ضمانات بعدم عودتهم إلى الشمال مرةً أخرى، إلا أنّ إنذاراتها لم تلقَ استجابة.
لهذا وجه الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين (ميلن) خطاباً كتابياً، باسمه وباسم نائب المشيخة في ردفان محمود حسن علي لخرم إلى راجح بن غالب لبوزة ورفاقه جاء فيه :
إلى حضرة الشيخ راجح غالب لبوزة ورفاقه العائدين من الجمهورية العربية اليمنية
السلام عليكم
وبعد : لقد تلقينا نبأ وصولكم من الجمهورية العربية اليمنية إلى وطنكم الجنوب العربي بين أهلكم في ردفان وأنتم تحملون الأسلحة والقنابل وعليه فإنّه يتوجب عليكم الحضور إلى عاصمة ردفان (الحبيلين) ومقابلة الضابط البريطاني، المسؤول السياسي البريطاني والنائب محمود حسن علي للتفاهم معكم وبحوزتكم الأسلحة والقنابل مع خمسمائة شلن (درهم) ضمانة بعدم عودتكم إلى اليمن، وأنّ حكومتكم حكومة اتحاد الجنوب العربي سوف تضمن بقاءكم، ما لم فإنّكم سوف تنالون العقاب الشديد من حكومة بريطانيا وحكومتكم حكومة اتحاد الجنوب العربي.
والسلام عليكم
المستر ميلن
إلى حضرت الضابط السياسي البريطاني المرابط في الحبيلين
النائب محمد حسن علي
نائب مشيخة القطيبي
16 / 9 / 1963م
بعد استلام لبوزة للإنذار البريطاني دعا رفاقه والمواطنين إلى اجتماع في قرية تتوسط قرى ردفان وأطلعهم على محتوى الإنذار وطلب منهم رأيهم في الرد على بريطانيا، فكان رد الجميع بعدم الاستسلام. وتمّ تشكيل لجنة من أربعة أشخاص لكتابة الرد على بريطانيا. ولأنّ لبوزة لم يكن يجيد القراءة والكتابة فقد كتب الرد أكثر من أربع مرات من قبل شخص آخر وجاء فيها :
إلى حضرة الضابط السياسي البريطاني المرابط في الحبيلين والنائب محمود حسن علي نائب مشيخة القطيبي :
لقد استلمنا رسالتكم الموجهة إلينا بخصوص عودتنا من الجمهورية العربية اليمنية التي تضمنت تسليم أسلحتنا وكل ما بحوزتنا من قنابل وغرامة خمسمائة شلن وضمانة بعدم عودتنا إلى اليمن وتسليم ذلك إلى حكومتنا حكومة الاتحاد.
نحن نعتبر حكومتنا هي الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومة الاتحاد ونحن غير مستعدين لكل ما في رسالتكم ونعتبر حدودنا من الجبهة وما فوق، وأي تحرك لكم من تجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل إمكاناتنا ولا تلوموا إلا أنفسكم.
والسلام ختام
الشيخ راجح بن غالب لبوزة
عن مجموعة العائدين إلى ردفان
من الجمهورية العربية اليمنية
28 / 9 / 1963م
وقبل أن يُغلق المظروف الذي وُضع فيه الرد أخرج لبوزة طلقة رصاص (عيلمان) من حزامه ووضعها داخل المظروف فكان ذلك تحدياً فسره كل طرف حسب فهمه وأهدافه.
لم تتبع السلطات البريطانية الرد المباشر على رد الثوار، ولكنها استخدمت الأساليب الاستخبارية، وفي يوم 13 أكتوبر 1963م، خرجت دورية استطلاعية بريطانية من الحبيلين وقامت باختطاف أحد رفاق لبوزة من إحدى المزارع، فتم إبلاغ لبوزة بالواقعة فتحرك من منزله الذي كان يبعد عن الحبيلين حوالي 25 كم، الساعة الثالثة عصراً والتحقت به المجاميع أثناء مروره في القرى المؤدية إلى الحبيلين.
وعند وصوله إلى جبل البدوي الذي يبعد عن الحبيلين حوالي خمسة كيلو مترات، الساعة الثامنة مساءً، بغرض التحضير للهجوم على مركز القيادة البريطانية، في تلك اللحظة وصله بلاغ أنّ القوات البريطانية سوف تتقدم في اليوم التالي إلى وادي (المصراح) الواقع أسفل الجبل فقرر أن تكون المواجهة في الوادي.
القوات البريطانية تمّ تحريكها من الضالع مساء ذلك اليوم ووصلت الحبيلين في منتصف الليل، وفي الساعة الثامنة صباحاً وصلت القوات البريطانية إلى وادي (المصراح) بقوام كتيبة معززة بسرية دبابات صلاح الدين وبطارية مدفعية، وفي تلك اللحظة كان لبوزة قد وزع المقاتلين الذين وصل عددهم حوالي 70 مقاتلاً إلى أربع مجموعات، بالتتالي، منها مجموعتان في عمق الوادي ومجموعتان في باطن الجبل، فدارت معركة ابتداءً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الساعة الثانية بعد الظهر، وفي أثناء سير المعركة كانت القوات البريطانية قد حصلت على معلومات عن الموقع الذي يتواجد فيه لبوزة فعمدت إلى قصفه بشكل مركز بواسطة المدفعية الثقيلة، وفي الساعة الحادية عشرة والنصف ظهراً أُصيب لبوزة بشظية اخترقت جسده وتوفي على إثرها مباشرة.
صحيح أنّ يوم 14 أكتوبر 1963م لم يكن يوماً قد حدد مسبقاً بأنّه يوم الثورة، لكن تفجير الثورة كان قد تم الاتفاق عليه، وهذا ما أكده المناضل الراحل ناصر علوي السقاف، الذي كان حينها نائب قحطان محمد الشعبي بقوله “عاد راجح بن غالب لبوزة من الجبهة” جبهات الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر ومعه 100 مقاتل، وقد سمع بقانون حكومة الاتحاد، وبعد التشاور مع القيادة والحكومة من شماليين وجنوبيين أعلن أنّه سيعود وسيقاوم إذا تطلب الأمر ذلك.. أخذنا وعد لبوزة بعين الاعتبار، المهم عاد الرجال إلى ردفان وطالبوهم بتسليم السلاح فرفضوا فنشب القتال.
في اليوم الثاني لاستشهاد المناضل لبوزة أي في 15 أكتوبر 1963م قام المناضل صالح علي الغزالي بتحرير رسالة إلى المقدم أحمد الكبسي قائد لواء إب حملها إليه الأخ صالح أحمد حسين البكري أبلغه فيها نبأ استشهاد راجح بن غالب لبوزة وما تعرضت له قبائل ردفان من اعتداء بريطاني غاشم وطلب منه إبلاغ قحطان الشعبي وقيادة الجمهورية في صنعاء بذلك.
بعد مرور ثلاثة أيام من استشهاد لبوزة أي في يوم 17 أكتوبر 1963م أصدرت وزارة الإرشاد القومي والإعلام في حكومة اتحاد الجنوب العربي بياناً أُذيع من إذاعة عدن بأنّ فرقة مؤلفة من الجيش والحرس الاتحادي تعرضت لنيران فريقين من رجال العصابات كانوا يطلقون النار من مراكز تقع في الجانب الجبلي ويتألف الفريقان من ثمانية وثلاثين رجلاً على التوالي وكان هؤلاء بقيادة قائد رجل العصابات الرجعي المفسد من جبل ردفان راجح غالب لبوزة الذي عاد مؤخراً من اليمن، يحمل أسلحة وقنابل يدوية وألغاماً يحاول إشاعة الإرهاب في المنطقة، ولم يصمد أتباع اللص لبوزة أمام القوات الاتحادية المدربة تدريباً عالياً، التي أرغمتهم على الفرار رغم تحصينات رجال العصابات في مراكزهم وقد خسر رجال العصابات اثنين منهم، كان أحدهما راجح لبوزة نفسه، بينما أُصيب أربعة آخرون ولم تـُصب القوات الاتحادية بأي خسائر.
كانت بريطانيا تعتبر من يخرج عن طاعتها إرهابياً، لهذا نجد كل بياناتها التي صدرت بمناسبات عدة وخاصة في عمليات قتالية وقعت بين قواتها والثوار، تصف المقاتل اليمني بأبشع الصفات بغرض تشويه الحقائق أمام الرأي العام المحلي، وفي هذا البيان ما يدل على ذلك، ليس فقط في تشويه المناضلين من أبناء ردفان وقائدهم راجح غالب لبوزة، وإنّما في ذكر عدد الضحايا من الطرفين، ففي هذا اليوم قالت بأنّ الثوار خسروا اثنين من بينهما راجح لبوزة نفسه، والحقيقة أنّه استشهد من الثوار لبوزة فقط، وقالت في بيانها إنّه أُصيب أربعة منهم شخص واحد بجراح وهو سعيد العنبوب، الذي كان يُقاتل إلى جانب لبوزة في موقع واحد، كما أنّها لم تعترف بخسائرها، لكن شهود عيان من أبناء المنطقة شاهدوا بأم أعينهم بعد انتهاء المعركة، في الساعة الثانية بعد ظهر يوم 14 أكتوبر 1963م، الدماء النازفة في المواقع التي كانت تتمركز بها القوات البريطانية.
بعد مرور ستة أيام على إذاعة البيان البريطاني، من إذاعة عدن ومرور تسعة أيام على استشهاد الثائر راجح غالب لبوزة، أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في 23 / 10 / 1963م بياناً أعلنت فيه استشهاد لبوزة مؤكدةً عزمها على مواصلة مسيرة الكفاح المسلح، التي بدأها لبوزة ورفاقه، وتوعدت القوات البريطانية بزيادة مسيرة القتال حتى تحرير الوطن المحتل، واعتبرت لبوزة قائداً من قادتها المتفردين بالشجاعة والرجولة والقدرة القيادية.. وقد عملت الجبهة القومية على توزيع بيانها على وسائل الإعلام العربية وفي مقدمتها إذاعة صنعاء التي أذاعت البيان نصاً في تاريخ 26 / 10 / 1963م.
وهنا يبقى التساؤل : لِمَ تمّ إعلان الثورة من ردفان دون غيرها من المناطق؟ في اعتقادنا أنّ ذلك يعود إلى عدة عواملَ أهمها :
1 – التاريخ النضالي الناصع لقبائل ردفان : القطيبي، الداعري، العبدلي، البكري، المحلائي، الأصفهي، الذيباني، أهل الشيخ المزاحمي ضد المستعمر، منذ نهاية القرن التاسع عشر، فكان تبني بدء الثورة من منطقتهم شرفاً كبيراً لتاريخهم المجيد وحافزاً جديداً لمواصلة نضالهم ضد المستعمر.
2 – موقع ردفان الجغرافي وتوسطه بين قبائل إمارة الضالع وسلطنات يافع وأبين والحواشب ولحج يمكنه من الحصول على الدعم من عدة اتجاهات.
3 – موقع ردفان الجغرافي ليس بعيداً من محمية عدن مما يجعل تأثيره مزدوجاً على المناطق المحاذية له ومحمية عدن نفسها وإمكانية التأثير على الإمدادات العسكرية البريطانية إلى كلٍ من الضالع ويافع وكرش والعند.
4 – منطقة ردفان هي عبارة عن تضاريس جبلية شاهقة يصعب على الجيش البريطاني الوصول إليها، حتى سيراً على الأقدام، لكنها تسهل للمناضلين الوطنيين القيام بالأعمال القتالية والانتفاضات الثورية ضد المستعمر.
5 – المعركة المسلحة التي حدثت في ردفان في يوم 14 أكتوبر 1963م قامت بها أشرس وأكبر قبيلة في ردفان هي قبيلة أهل قطيب المعروفة تاريخياً بنضال أبنائها ضد الظلم الاستعمار.
6 – شخصية الشهيد راجح بن غالب لبوزة المعروفة بدورها النضالي ضد المستعمر منذ الأربعينيات من القرن العشرين، فرضت نفسها وأعطت للحدث زخماً استثنائياً.
7 – اقتناع كل الشخصيات القيادية المشهورة في الجنوب المحتل حينها بأهمية هذا الحدث الذي استشهد فيه لبوزة بأنّه شهيد يستحق هذا اليوم إعلان الثورة فيه.
8 – تمّ الإبلاغ وبشكل رسمي عن استشهاد لبوزة إلى قائد لواء إب وقتها المقدم أحمد الكبسي، الذي كان يعرف من هو لبوزة وتربطه به صداقة كبيرة، لهذا الخبر، مباشرة إلى رئيس مصلحة الجنوب المناضل قحطان محمد الشعبي وقيادتي الجبهة القومية الثورة السبتمبرية في صنعاء والقيادة العربية المشتركة.
9 – لم تكن هناك شخصيات قيادية في قيادة الجبهة القومية المتواجدة في الشمال من أبناء ردفان مما جعلهم يغتنمون تلك الفرصة المحايدة، لأن يكون يوم الثورة هو استشهاد راجح بن غالب لبوزة في ردفان.
10 – الأعمال التخريبية والعسكرية، التي كانت تقوم بها القيادات العسكرية، التي كانت تقوم بها القيادات العسكرية البريطانية ضد الثورة الوليدة في صنعاء، ساهمت بأنّ قيادة الثورة استغلت نبأ استشهاد لبوزة لإعلان قيام الثورة في الجنوب اليمني المحتل، كعمل وطني مشروع ضد المستعمر الأجنبي.
11 – كانت طلائع أبناء الجنوب، المدافعة عن ثورة سبتمبر، قد اتفقت، فيما بينها، أثناء عقد اجتماع تأسيس جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل في 24 فبراير 1963م، وما تلته من اجتماعات ونشاطات وطنية، على البدء بالتمهيد بإعداد الجماهير في الجنوب وتهيئة الظروف لإعلان الثورة، عما قريب فاستغلت الحدث.
12 – قبل عودة الثوار إلى ردفان صدر بيان تاريخي مهم في 5 / 6 / 1963م وتمّ توزيعه في صنعاء باسم قطاعي القبائل والجيش، تضمن تصميم قطاع القبائل على الدخول في المعركة في جبهة موحدة مع كل الطلائع والقوى الوطنية المؤمنة بالتحرر الكامل من المستعمر ورفض أسلوب المساومة وأنصاف الحلول، وهذا ما يدل على النية المسبقة لتفجير الثورة.
13 – من بين الموقعين على بيان 5 يونيو 1963م الذي تبنى رفع شعار الجبهة القومية بين القوى المناضلة وطالب بتحقيقه واعتبرها طريق الشعب لتوحيد صفوفه وأهدافه، ووثيقة أبناء الجنوب المقدمة إلى لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة، ثلاث شخصيات قيادية ووطنية مناضلة من ردفان، هم : راجح بن غالب لبوزة وعبدالحميد بن ناجي المحلائي وسيف مقبل لخرم يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّهم عادوا وهم رافعو شعار الجبهة القومية لـ “التحرر من الاستعمار” واستعدادهم المسبق لتفجير الثورة فاستغل هذا الحدث لإعلان قيام الثورة، لأنّ جميع العائدين والقيادات الموجودة في صنعاء يعرفون من هو لبوزة ودوره القتالي في مقاومة المستعمر والدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م.
14 – وجود توجه واضح لدى القيادة العربية المصرية ممثلة بالزعيم العربي جمال عبدالناصر في إشعال النضال العربي القومي ضد المستعمر البريطاني في الجنوب المحتل.
الخلاصة :
لقد حرصنا على إعطاء لمحة موجزة عن ليلة ثورة 14 أكتوبر والمقدمات التي هيأت لانطلاقتها من أعالي جبال ردفان مبينين أهم المفاصل الرئيسية لهذه الثورة، لكننا أحجمنا عن ذكر التفاصيل التي شهدها الجنوب اليمني المحتل بعد 1963م، لأنّه من الصعب على المرء أن يسرد تاريخ ثورة عملاقة مثل ثورة 14 أكتوبر في مجموعة ورق مقدمة إلى ندوة علمية.
فثورة 14 أكتوبر لها مسيرة طويلة من الكفاح المسلح استمرت أربع سنوات، اشتركت فيها عدة قوى وطنية وسياسية، وجرت وقائعها القتالية على أكثر من عشر جبهات عسكرية قدمت فيه قوافل من الشهداء الأبرار.
إنّ تاريخ ثورة 14 أكتوبر، برغم ما كُتب عنه من مؤلفات لا زال بحاجةٍ إلى المتابعة والتدوين وخاصة الجانب العسكري الذي أغفل بشكل شبه كامل.
ومع ذلك فإنّ الخوف ليس في عدم تدوين هذا التاريخ النضالي لشعبنا اليمني ضد المستعمر البريطاني وإنّما الخوف يكمن في عدم قراءة هذا التاريخ من قبل الأجيال الجديدة.. فإذا كنا لا نقرأ ما كتبه أبناء جلدتنا كيف لنا أن نقرأ ما كتبه الآخرون ونستفيد منه؟.
|