الميثاق نت -

الأربعاء, 18-أكتوبر-2017
عبدالرحمن مراد -
لم تكن ثورة 14 أكتوبر عام 1963م إلا نتيجة طبيعية لمشروع حركة التحرر العربية الذي انبلج في مطالع القرن العشرين ليقود مرحلة كانت من أصعب المراحل التي تمر بالعرب عبر التاريخ لأسباب عدة منها تفشي ظاهرة الجهل والتجهيل، وتحكم القوى الاستعمارية العالمية بمفاصل الأمور، وسبات غير مبرر ساد تلك المرحلة إلى درجة الخنوع والخضوع والاستسلام.
كانت صحوة الضمير العربي والاسلامي قد بدأت مع ثورة عرابي عام 1919م وهي التي مهدت لعصر النهضة الثقافية والسياسية وإن كان الحدث قد جاء متأخراً إلاّ أنه أحدث تحولاً ثقافياً عميقاً في بنية المجتمع العربي وهذا التحول كان باعثاً مهماً لعودة الوعي الحقوقي والوعي بالهوية والوعي بالتاريخ والاستلاب لثنائية الخضوع والهيمنة التي مارسها المستعمر في الوعي الجمعي العربي والاسلامي، فكانت حركات القومية العربية انتصاراً للهوية العربية المستلبة وكانت الحركات الاشتراكية هي الانتقام المبطن من الاستغلال للرأسمالية للثروات العربية، وكانت حركات التحرر هي الصيحة التي تدوي في كل ضمير عربي وإسلامي لاستعادة الوعي بالذات، والاستجابة الحرة لحركة الوجود والحياة، ولذلك رأينا أن صوت الحرية كان على وفاق مع شموخ جبال منطقة الشرفين في ضمير راجح لبوزة، وكان الاتصال بين جبال الشرفين وجبال يافع امتداداً متجذراً لقضية عربية ووطنية وإسلامية، فالثورة التي كانت تغلي في نفوس الثائرين على امتداد الجغرافيا العربية وليس اليمنية فقط، هي ثورة التحولات وثورة الرفض الكامل لثنائية الخضوع والهيمنة وثورة الشعوب لاستعادة وعيها وفرض شروطها والانتصار لمستقبلها.
وثورة 14 أكتوبر ضد المستعمر البريطاني كانت ثورة التحولات وثورة البناء، وثورة الانتصار ليمنية اليمن ضد كل عوامل التغريب والفصل الحضاري، والتشظي المجتمعي والوطني، التي عمل المستعمر البريطاني على الاشتغال عليها طوال 129 عاماً من وجوده في الجغرافيا اليمنية الجنوبية التي فرض سيطرته عليها الى زمن الجلاء الذي شهد خروج آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967م.
بعد خروج المستعمر البريطاني عام 1967م تنازع الجنوب المشروع القومي العربي والمشروع الاشتراكي، المشروع القومي كما سلف القول هو الانتصار للهوية العربية واليمنية ولذلك كان تكريس النشاط الثقافي والاجتماعي على تمكين الذات من استعادة وعيها بذاتها كما تدل على ذلك حركة الاصدارات الثقافية التي كانت تلوكها أسنان مطابع دار الهمداني بعدن.. والمشروع الاشتراكي وهدف هذا المشروع إلى الانتقام من الاستغلال الذي مارسه المستعمر من مقدرات الوطن، وقد اتحد هذان المشروعان في اطار مشروع واحد سُمّي فيما بعد بالحزب الاشتراكي اليمني.
كان المستعمر البريطاني يتبع سياسة «فرّق تسد» لذلك فقد استدعى الهويات التاريخية وانشأ ما كان يسمى بالمحميات وهي السلطنات في الجنوب، وكل سلطنة كانت واقعة تحت سياط الهيمنة والخضوع للمستعمر،وكان يستخدم السلطنات والمحميات في التمكين لنفسه من خلال خلق الصراع وإدارته وبما يتوافق مع مصالحه، وحين خرج المستعمر لم يكن أمام الثورة إلاّ خوض غمار المعركة الحقيقية في إعادة الوعي بالذات والتمكين للهوية اليمنية من الانتصار لنفسها، وترميم المتصدع في جدار الوعي التاريخي والحضاري، ولذلك كان الطريق شاقاً أمام الثورة في ظل تربص الرأسمالية والمستعمر المقهور وانعدام الامكانات، لكن الثورة الحقيقية كانت إيماناً عميقاً في نفوس الثائرين، وكانت الوحدة الوطنية مشروعاً وطنياً ثورياً عمل على ترميم المتصدع الذي كرَّسه المستعمر في الوعي الجمعي للمحميات أو السلطنات فكان توحيد الجغرافيا اليمنية الجنوبية في اطار دولة وطنية واحدة هو الهدف الذي انتصر قبل كل هدف، وكان توحيد القوى الوطنية في اطار مشروع سياسي وطني هو الهدف الثاني الذي انتصر للثورة اليمنية، ثم سعى قادة الثورة اليمنية سواءً في الشمال أو في الجنوب الى تحقيق الهدف الأكبر والأسمى وهو إعادة اللحمة الوطنية التي تشظت في حقب التاريخ المختلفة فكانت الوحدة اليمنية التي تحققت في 22 مايو عام 1990م هي نقطة التحول في المسار الثوري اليمني.
لم تكن الوحدة اليمنية حدثاً عابراً حدث في غفلة من حركة التاريخ بل كانت مشروعاً ثورياً يمنياً قالت الأيام بقدرة القادة الثوريين الحقيقيين على نجاحه، ولذلك جاء متسقاً مع الطبيعة الحضارية والتاريخية.. وما يحدث اليوم من مروق وتماهٍ مع المستعمر الجديد الذي جاء الجنوب في صورة أعرابي من الصحراء العربية لا يتجاوز حركة تاريخية عابرة لن يطول أمدها، فاليمن ثورة مستمرة قادرة على صناعة التحولات وتجاوز عثرات التاريخ.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-51978.htm