بدر بن عقيل -
ذات يوم رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصحابي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يتوضأ بماء كثير فنهاه عن ذلك، فقال له: "لا تسرف في الماء يا سعد" فقال سعد: يا رسول الله وهل في الماء من إسراف؟! فقال عليه الصلاة والسلام "ولو كنت على نهر جارٍ".
إذن هكذا يعلمنا معلمنا الأول كيف نحافظ على الماء رمز ونبع الحياة نفسها، ولهذا قال أجدادنا اليمنيين في مثلهم الشعبي: "اللي باتتغسل به اشربه" حكمة.. وأي حكمة؟!.
ومنذ القدم أبدع اليمنيون في استغلال كل قطرة ماء تجود بها السماء، فكان سد مارب العظيم، وقنوات الري، والكرفانات، والصهاريج والمدرجات، شاهداً خالداً على حضارة ومدنية شعبنا حيث شكل الاحتفاظ بها، ومخزون المياه الجوفية عنواناً ساطعاً من عناوين "العربية السعيدة" و"اليمن السعيد".
ولا شك أن هذا الجانب الحيوي المهم حرص عليه فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية منذ أن جاء إلى سدة الحكم وجسده في برنامجه الانتخابي، وبعمله وتوجيهاته الكريمة في زياراته الميدانية إلى عموم محافظات الجمهورية.
وهي توجيهات أثمرت عن إقامة الكثير من السدود وكرفانات المياه وبما تمثله من انعكاس على عطاء وخيرات أرضنا الطيبة وديمومة توفير المياه خاصة وأن ظاهرة شحة المياه أصبحت تهدد كل دول العالم.. وهناك دول أصابها ما أصابها من القحط والجفاف أو تداعياته الخطيرة.
وقضية الحفاظ على المياه وتوفيرها وتغذية المياه الجوفية وتقنين استخدامها مهمة يجب أن يضطلع بها الجميع والشعور بأهميتها القصوى إلا أنها مسألة حياة وبقاء.. خاصة وأن هناك الكثير من مياه السيول في بلادنا تمضي إلى البحر ولا يستفاد من كمياتها الكبيرة.. وهناك الكثير منها يذهب سدى في شبكات وإمدادات المياه ناهيك عن الحفر العشوائي لآبار المياه، وعدم التقيد بعملية الرش والطرق الحديثة في عملية الري والزراعة.
إنها مهمة في حاجة ماسة إلى العمل والإرشاد والتوعية والالتفات إليها، وتكريس الجهد المطلوب، والمتابعة الدائمة، وإيجاد الحلول والمخارج السليمة.
مهمة يجب أن تبدأ من المدرسة، والأسرة إلى الإعلام، ومنظمات المجتمع المدني والجهات ذات العلاقة أو الاستفادة من خبرات شعبنا.. ومن خبرات الأمم التي تعمل في هذا الجانب.
كما أنه ينبغي إيجاد آلية حل، وتقنين، لتلك الكميات الكبيرة التي تستنزفها عملية زرع شجرة القات، هذه الآفة التي ابتلي بها شعبنا حتى غدت قدراً لا مفر منه!!.
إن أرضنا المعطاءة التي قال عنها الحق تعالى في سورة سبأ "بلدة طيبة ورب غفور" كم نحن جديرون بنعمتها.. وفي رحمته سبحانه وتعالى في نزول الأمطار وتدفق السيول وكيفية التعامل والاستفادة منها مما يبقي عليها مشرقة بالماء والاخضرار وكفاية الإنسان والحياة.
واليوم بالذات وأكثر من أي يوم مضى نحن معنيون جداً بإعادة تفكيرنا وأسلوب تعاملنا مع المياه، وعدم إضاعة ولو قطرة ماء تذهب سدى حتى لا نصل لا قدر الله إلى مرحلة الندم والأسف والحرمان.
ومن جانب آخر مجتمعنا في حاجة ماسة لتنظيم هذه المسألة بعدد من اللوائح، والضوابط والقوانين النافذة التي تصب غاياتها في مصلحة البلاد والعباد.
فإذا كان الفأر والإهمال سبباً في انهيار سد مارب العظيم رمز الخصب والنماء لليمن.. وسبباً لتفرق أيادي سبأ.. فإن رهان اليوم في قضية التعامل والتفكير السليم لقضية لا تقل خطورة وشأنا في الحاضر أو في مستقبل الأيام.
والخلاصة: من المهم جداً وعبر مختلف الوسائط الإعلامية والإرشادية والصحفية والندوات وحلقات النقاش أن ننمي الإحساس والشعور والمسئولية بقضية المياه، وإن نجعل منها قضية لا تخضع فقط للمناسباتية أو الإشارات العابرة التي لا تجدي نفعاً.
نعم قضية يجب أن لا تغيب عن بال أحد.. قضية وطن بأكمله حتى نتمكن من الخروج من شبح ووطأة آثارها ونتائجها وتداعياتها الخطيرة.. قضية تتكاتف فيها الجهود، وتتشابك الأيدي ويتحد العقل والتفكير في إيجاد المخارج والحلول.
الثورة