الميثاق نت -

الأربعاء, 01-نوفمبر-2017
عبدالرحمن مراد -
لايمكن الحديث عن صناعة محورية للمؤتمر لانتفاء ذلك أصلاً من حقائق الواقع، ولكن ثمة أسباباً فرضت هذه المحورية منها ما هو موضوعي وجاء وفق تداعيات الاحداث ومن نتائجها ،ومنها ما كان مرتبطاً بغباء الخصوم، فالمحورية التي أصبحت واقعاً لا يمكن تجاوزه، يفترض تشغيلها في اتجاهين مهمين وهما :الاتجاه الوطني العام ،والاتجاه التنظيمي الخاص بالمؤتمر كتنظيم، ولعل الوعي بها هو الخطوة الأولى في الصناعة ،وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن موضوع الصناعة وأهميتها ،لكن يبدو أنه لم يعد من أحد يقرأ ،أو يستوعب ما يطرح من أفكار، والمشكلة أن المجتمع وصل الى حالة التيه وهو ما يطلق عليه اليوم بـ"الجهل المقدس" والجهل المقدس هو الاستسلام المطلق لنزوات الجماعات الدينية وبحيث تصبح مفردات الحياة وتفاعل الواقع في فراغ لا متناهٍ، وفي تيه كالذي كان في الأمم السابقة، وهذه الحالة تنزاح بشكل أو بآخر على المجتمع كله، فلم يعد هناك من اهتمام بالصناعة وبالبناء ،ولكن نجد اهتماماً بصناعة قوالب جاهزة، وهي تكرار لنماذج في التأريخ ،ومثل ذلك لا يخدم حركة التطور ولا يساعد على عوامل النهضة التي تسعى اليها المجتمعات العربية منذ بدأت حركة الواقع تتموج وتخرج في المظاهرات والثورات .
لعلي قد تحدثت كثيراً في هذه الصحيفة عن أهمية البعد الثقافي، ومحورية هذا البعد في البعد التنظيمي للمؤتمر، وفي البناء، وفي دوائر التطور التي تتكامل مع بعضها لتبدع واقعاً جديداً، ويبدو أنني أصب ماء في رمل الصحراء فلا أحد يعي هذه الأهمية، ولا أحد يدرك الأبعاد التي تشكلها في الحاضر الذي يديره الجهل المقدس ،فالدين حين يصبح بلا ثقافة تصبح الحياة والسياسة والاقتصاد والدولة تيهاً، وفراغاً وجودياً، بدون معنى أو قيمة.
العالم الذي يرتبط بمصالح في الجغرافيا العربية يتبع سياسة واضحة ويبني استراتيجيات تهدف الى ضمان مصالحه، والحال الذي عليه العرب اليوم نتيجة منطقية لتلك الاستراتيجيات والسياسات، ويبدو أن العرب من الغباء بالمكان الذي جعل منهم دمى تتلاعب بها تلك المصالح دون ادراك واعٍ بمصالحهم، فالجهل المقدس صناعة استخباراتية عالمية تقبلنا واقعها بدون سؤال، وسرنا في طريقها دون وعي، وأصبح الوعي غائباً من جل تفاعلاتنا اليومية، فنحن نقتل ونرقص على الأشلاء بفرح المغامر الذي لا يغامر، وبنشوة البطل الذي ليس بطلاً، لفقدان المعيارية الاخلاقية والثقافية .
وأمام ذلك الفراغ الذي ينشد الامتلاء تأتي الاهمية المحورية للمؤتمر لملء هذا الفراغ كجزء من استحقاقات المستقبل التي تفرضها المحورية الوطنية التي وصل اليها .
فعلى الصعيد الوطني أصبح المؤتمر هو التيار الوحيد الذي يمكن التعويل عليه في الخروج من هذه الشرنقة التي قاده اليها الجهل المقدس في ظل صراع نفوذه ،وصراع الوصول الى المركزية الاقليمية ،فالسعودية وايران لا يمكن لهما الوصول الى هذه المركزية، وقد تنزاح الى غيرهما بعد أن أصبح صراعهما يبتعد عن الصناعة الثقافية الحقيقية التي تبدع وجوداً حقيقياً مؤثراً في مجرى السياسات الدولية ،وقد يترك الدم المسال في الواقع العربي أثراً غير محمود يجعل من تركيا ومصر هما البدائل المحتملة، وليس بخاف النشاط الثقافي الذي تصدره تركيا في مظهر حضاري لافت للنظر، وعودة الأزهر الى تصدر المشهد الديني - ولو يبدو هذا الدور خافتاً في ظهوره على استحياء لكنه سيبرز بشكل أكثر كثافة خلال قابل الايام - وأمام مثل هكذا واقع يصبح المؤتمر في محورية وجوده في المشهد معنياً بالصناعة، ومعنياً بصياغة اللحظة الزمنية الفارقة في حياة المجتمع اليمني .
لقد أصبح المؤتمر في صدارة المشهد وعليه أن يدرك مسئوليته التأريخية والحضارية فقد شاءت له الاقدار وإن كان لم يخطط لها أو يحاول صناعتها لكنه قدره الذي وضعه الواقع فيه .
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-52089.htm