الميثاق نت -

السبت, 11-نوفمبر-2017
عبدالرحمن‮ ‬مراد -
لم يسبق في تأريخ اليمن أن تداعت الأمم عليه كما هو عليه الحال اليوم، فكل الأطماع التي تحدث عنها التأريخ تكاد أن تنحصر في البرتغاليين وفي العثمانيين وفي الانجليز وكانت وقتية وفردية وذات دواعٍ وأسباب متغايرة، لكن كان اليمن في كل الأحوال يقاوم نهم المستعمر بفرض وجوده، ويخرج من تحت رماد الأحداث أكثر ثباتاً ووجوداً وتمكيناً، كما أن الذي حدث في زمن عبدربه منصور لم يكن له مماثل في التأريخ، فقد كان متفرداً وغريباً وخارج النسق والمسار التاريخي والحضاري اليمني، والغريب أن يكابر هذا المعتوه ويظن أنه يقدم شيئاً نبيلاً لليمن، وهو العاجز الذي أراد أن يحكم بلداً كاليمن من خارج مساره الحضاري وظل في بيته وخلف أسوار داره، وكان يريد أن يفرض وجوده من خلال الدول العشر ،ومن خلال مجلس الأمن الدولي، ومثل ذلك يتعذر على أي حاكم يحكم اليمن بحكم طبيعة اليمن الحضارية والثقافية.
لم يكن المعتوه هادي رجل المرحلة التي فرض واقعها شروطه الموضوعية عليها، بل كان أشبه بالدمى التي تحركها أجهزة المخابرات الاقليمية والدولية، ولا غرو في ذلك فالرجل الذي نشأ تحت عيون المخابرات وأصبح خادماً طيعاً للمستعمر منذ عقد الخمسينيات الى أن حكم عليه بالإعدام في مطلع السبعينيات لا يمكنه - بحكم التربية السيكولوجية والثقافية - أن يبدع واقعاً جديداً بعيداً عن لغة الاملاءات والامتثال والطاعة، وقد حدث ذلك في فترة حكمه في السنين الخوالي ولايزال يحدث اليوم وهو يصحو بأمر الملك أو الامير في الرياض وممنوع من العودة الى‮ ‬اليمن‮ ‬إلا‮ ‬متى‮ ‬رأى‮ ‬الملك‮ ‬السعودي‮ ‬ضرورة‮ ‬ذلك‮.‬
لقد كان المعتوه هادي معول هدم بيد المستعمر ،إذ بادر الى تدمير المؤسسة العسكرية تحت غطاء الهيكلة، وعمل على التمكين للجماعات الارهابية من فرض شروطها لتكون اليمن بلداً إرهابياً ،يستدعي تدخل المجتمع الدولي للحد من ظاهرة الارهاب فيه ومنع تمددها، وساهم بشكل واضح في تعطيل مؤسسات الدولة، وتعطيل المؤسسات الدستورية، وزرع عوامل الصراع والشقاق بين القوى الوطنية بحجة التخلص من مراكز النفوذ، ولم يكن اشتغاله هذا تعبيراً عن حاجة موضوعية تخصه ولكنها كانت تعبيراً عن رغبات سفراء الدول العشر وأخص بالذكر السفير الأمريكي الذي كان‮ ‬ينفذ‮ ‬سيناريو‮ ‬معداً‮ ‬له‮ ‬سلفاً،‮ ‬وكانت‮ ‬له‮ ‬استراتيجية‮ ‬واضحة‮ ‬الخطوط‮ ‬بدليل‮ ‬الاستعداد‮ ‬المبكر‮ ‬في‮ ‬اخلاء‮ ‬السفارة‮ ‬الأمريكية‮ ‬قبل‮ ‬تفجر‮ ‬الاحداث‮ ‬في‮ ‬سبتمبر‮ ‬2014م‮ .‬
لقد جلب المعتوه هادي على اليمن الأمم من كل حدب وصوب، وكان ذريعة تلك الأمم في تدمير اليمن بكل تلك الوحشية التي شهدها أرضاً وإنساناً وتأريخاً وحضارة، وهو يصر رغم ذلك التدمير على عكس المفاهيم في الوعي الجمعي للناس فالاحتلال يصبح في مفهومه تحريراً والتدمير يراه فعلاً حضارياً خوف العودة الى الكهنوت، وتقسيم اليمن الى دويلات يراه حفاظاً على الوحدة الوطنية من التشظي، ويصر على اعتبار القوى الوطنية، قوى محتلة يعمل على مقاومتها ومقاومة وجودها على تراب اليمن، والاغرب أن نجد أبواقاً إعلامية وحزبية تسانده في هذا التوجه التدميري،‮ ‬وفي‮ ‬السياق‮ ‬نفسه‮ ‬تدعي‮ ‬الانتماء‮ ‬لليمن‮ ‬وتدعي‮ ‬الوطنية‮. ‬
لقد افرز الواقع الحقائق، وتجلت الصورة واتضحت للرائي، وجاء تصريح محمد سلمان الأخير في استمرار الحرب في اليمن ليقول للتاريخ إن الحرب لم تكن لعودة الشرعية في اليمن بل كانت حرباً عالمية تحملت السعودية وزرها وتبعاتها، والكثير من الحقائق بعد هذا المدى الذي شهدته‮ ‬الحرب‮ ‬تتحدث‮ ‬عن‮ ‬فقاعات‮ ‬وطنية‮ ‬كنا‮ ‬نظن‮ ‬فيها‮ ‬الولاء‮ ‬الوطني‮ ‬والصلاح‮ ‬واكتشفنا‮ ‬أنها‮ ‬أرخص‮ ‬من‮ ‬شسع‮ ‬النعال‮ ‬التي‮ ‬ترتديها‮ ‬لتقرع‮ ‬بها‮ ‬أرصفة‮ ‬التسول‮ ‬في‮ ‬شوارع‮ ‬الرياض‮ ‬وأبو‮ ‬ظبي‮.‬
تداعت الأمم على اليمن، وعملت آلة الحرب الحديثة كما لم تعمله في أي مكان آخر، ولكن اليمن كما يتحدث تأريخها عصية على الهوان، وتأبى عليها مروءتها ونخوتها وشهامتها أن تذل وأن تركع.. وكذلك هم أهل اليمن في كل تأريخهم، وليس هادي وزمرته إلا حالة استثنائية لا يمكن القياس‮ ‬عليها،‮ ‬وهو‮ ‬وزمرته‮ ‬سيقذفهم‮ ‬موج‮ ‬البحر‮ ‬الى‮ ‬خارج‮ ‬التأريخ‮ ‬كما‮ ‬فعل‮ ‬مع‮ ‬غيرهم‮ ‬من‮ ‬نماذج‮ ‬التأريخ‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-52169.htm