د/عبدالرحمن أحمد ناجي - شاع بين بعض من يرى الشّوكَ في الورود، وتعمى أعينهم أن ترى فوقها النّدى إكليلا، من أولئك الذين هم عبء على الحياة ثقيل لكونهم يظنّون الحياة عبئاً ثقيلاً، ليس لشيء إلا أنهم يحملون نفوساً بغير جمال فلا يرون في الوجود شيئاً جميلاً، شاع بينهم أثناء العقود الثلاثة »والثلث« التي حكم فيها الرئيس الصالح »اليمن« العظيم طرح مفاده، أن الرجل لا يستشير أحداً، ولا يستجيب لنصيحة أحد، وأنه يفعل ما يراه هو صواباً غير عابئ ولا ملتفت لاستشارة مستشار ولا لنصحِ ناصح، وهو هكذا لدى أولئك يكون قد جسد أبلغ معاني وصور الديكتاتورية والنرجسية والتفرد بالحكم.
أولئك وبناء على تلك الحقيقة الثابتة لديهم كمسلمة لا تقبل النقض أو النقاش أو الجدال أو التشكيك بها، فهي في مدركاتهم تضاهي الإيمان بوجود الشمس والقمر والليل والنهار، ينتقلون إلى حقيقة أخرى لها نفس الدرجة من القداسة في عقولهم وأفئدتهم تشهد وتقر بها أبصارهم وبصائرهم، وهي أن كل من كان مقرباً من الرجل على مدى تلك الفترة الطويلة قبل وبعد الوحدة المباركة لم يكونوا أكثر من ديكورات يُجَمِّل بها نظام حكمه، ومجرد عرائس يحركها أينما شاء وكيفما يشاء، ولم يكن لأي منهم أياً كان موقعه في ظل خلفية وكواليس ذلك النظام الاستبدادي القمعي - وفق ثوابتهم وقناعاتهم العقيمة - أن ينطق بغير كلمة: آمين، و إلا كان مصيره العزل أو التغييب القسري، فينضم لكل من سبقوه وذهبوا مع الريح.
أولئك ما يزالون على قناعاتهم تلك بأن ذلك هو واقع حال الرجل حتى في تعاطيه مع شؤون التنظيم السياسي الذي أسسه وأوجده والمتمثل في المؤتمر الشعبي العام فلا صوت يعلو على صوته فيه، وأن كل مكوناته السياسية خاضعة خضوعاً مطلقاً لمشيئته وإرادته المطلقة، لكونه كان في السابق الحاكم السياسي والمتحكم الأوحد بأمره ودونما منازع قبل 2012م، ولكونه الممول الوحيد له بعد ذلك العام بملياراته الستين المقومة بالدولار والتي مازال يحتفظ بها ويخبئها تحت »البلاطة«- كما يزعمون.
وأولئك ذاتهم يعتقدون أن الرجل قد صار اليوم في أضعف حالاته، مكبلاً ومقيداً بسلاسل ذهبية أحكمها حول عنقه شركاؤه، وموضوعاً بأمرٍ صريحٍ وواضحٍ ولا لبس فيه من كبرائهم تحت الإقامة الجبرية، وأنه وفقاً لما تقدم صار عاجزاً بالمطلق، ولم يعد قادراً على شيء حتى إزاحة ذبابة إن هي وقفت على أرنبة أنفه، وقد فقد وزالت من يديه كل الكروت التي كان يلعب بها ويستقوي بوجودها معه، وأن أقصى ما صار متاحاً له أن يفعله وقتما يشاء هو أن يصرخ قهراً وكمداً، وان يظل عاضاً على أصابع يديه ندماً وحسرةً على قبوله الفوري وغير المشروط بالتحالف مع أعدائه بالأمس شركائه اليوم في التصدي للعدوان عسكرياً بادي الأمر، ثم تورطه بالتحالف معهم سياسياً بعد مرور أقل من سنة من تربعهم على كراسي الحكم، ليصبح شريكاً أصيلاً ومساهماً فاعلاً أو متواطئاً معهم في كل ما يعانيه ويكابده مواطنوه جراء تهميش الشركاء له وتحجيمهم لتنظيمه السياسي، وعدم تمكين من يمثلونه في المجلس السياسي الأعلى ومجالس الوزراء والنواب والشورى من العمل الحر والفاعل والمستقل ولو كممثلين صوريين لإرادته ومشيئته ومترجمين لما يرى أن فيه مصلحة الوطن كشريك حقيقي في السلطه.
تلك بعض قناعات أولئك وحقائقهم المقدسة حول الرجل.. والحقيقة المترسخة بداخلي أن الرجل ربما كان كذلك بالفعل، وبالتالي قد أوافقهم في بعض ما يذهبون إلىه، مع اختلاف يبدو بسيطاً إلا أنني أحسبه جوهرياً، لأنه ربما ينسف كل أطروحاتهم المخجلة، فالرجل حسبما أدعي أنني أعلم حينما تعترضه مشكلة - أي مشكلة - وبالذات المصيرية منها، كان يستدعي وينصت لكل من له صلة بتلك المشكلة، ويدع ويمنح الفرصة لكل منهم بأن يطرح ويفرغ كل ما يدور في جعبته ويجول بخاطره حولها على الطاولة الموضوعة أمامه، ثم يقلب الأمر في عقله بعد أن يكون قد استوعب وهضم كل تلك الآراء، وإما أن يتخذ قراره فوراً أمامهم، أو ان يغادر أولئك مجلسه وهم يضربون كفاً بكف، معتقدين أن وقتهم قد أُهْدِرَ في ما لا طائل منه ولا جدوى، في حين أن الرجل مازال في حيرته لم يصل بعد لقرار، وفي كلتا الحالتين فإن الرجل يكون أمام خيارين لا ثالث لهما:
- فإما أن يقوم بترجيح كفة أحد تلك البدائل التي وصلته من أحدهم.
- أو أن يستقر على قرار مبتكر، مرتكز على توليفة عجيبة ومذهلة من كل تلك الآراء التي سمعها، وكأنه قد قام بمزجها جميعاً في عقله وقلبه بما يمكن تشبيهه بـ»عصارة« الفواكه، ليكون الناتج مشتملاً على أجمل وأروع ما في كل ذلك المزيج الذي قد يبدو بعضه متناقضاً وغير متجانس بالمطلق مع مجمل ما استمع إلىه الرجل.
فالرجل كان طوال فترة حكمه ومازال حتى اليوم، وبعد أن ترجل رسمياً عن كرسي الحكم، كالذي يسير بالفعل فوق أكوام من الأشواك المدمية وحقول من الألغام، وإن كان من حين لآخر مضطراً لمراقصة الثعابين لتجنب لدغاتها أو انتزاع سمومها ليتمكن حينئذ من السير فوق رؤوسها بأمان وسلام، بعد أن تلقَّى واكتسب في مدرسة وأكاديمية الحياة طوفاناً من الدروس والعبرات والعظات تفوق تريليون ضعف ربما ما تلقاه أولئك الفلاسفة من علوم ومعارف نظرية في الأكاديميات والجامعات، وها هو يسخر كل ما يتمتع به من ذكاء فطري، لخدمة وطنه والنأي به بأقصى ما يمتلكه عن الانزلاق إلى سيناريوهات أكثر سوءًا وفظاعة وهَوْلاً مما هو متجسد في حياة مواطنيه واقعاً ملموساً، وهم يجزمون في كل مرحلة أنهم قد بلغوا ذروته وتمامه، ولم يعد بمستطاعهم تخيل وجود ما هو أسوأ منه وأفظع أو أكثر هولاً، فإذا بهم من حين لآخر، يلمسون بأبدانهم وأرواحهم وحواسهم الخمس ما لم يكونوا يحلمون به أو يتخيلونه أو يتوقعونه من منزلقات يهوي إلىها وطنهم وتهوي بهم معه.
مرجحاً صوت العقل والحكمة وبعد النظر في تعاطيه مع كل ما يدور من حوله، بعيداً عن الانفعال والتهور وردود الأفعال غير المحسوبة وغير المُتَزِنة، وكلما وصل ليقين وقناعة بأن مواطنيه قد دب فيهم اليأس والقنوط وكاد يستفحل في مفاصلهم وكل جوانب حياتهم، وبلغت أحوالهم الحلقوم، وضاقت عليهم الدنيا بما رحبت، أطل عليهم من فضائية »اليمن اليوم« ثم عبر كل الفضائيات التي تنقل منها المعادية منها قبل الصديقة مبتسماً صامداً شامخاً واثقاً من نفسه رافعاً رأسه لعنان السماء، ليبث فيهم الروح مجدداً ولترتفع معه هاماتهم ومعنوياتهم، وليشعل في صدورهم جذوة الصمود والتحدي والتصدي، مهما بدت الدروب أمامهم ضبابية قاتمة مدلهمة معتمة حالكة السواد من سواد الليل نفسه عند زوال ضوء القمر.
وسيظل التساؤل الحائر في عقولنا جميعاً، إلى متى سنظل وحدنا من يتحلى بالصمت والصبر والتحمل وممارسة أقصى درجات ضبط النفس؟!، وإلى متى سنظل ندفع فاتورة التعقل والحكمة، خصوصاً وكوادرنا تُقْصى وتُزاح رسمياً وفي وضح النهار من مواقعهم ومناصبهم أو تُخْتَطف من عمق منازلهم ويعتدى على كرامتهم وكبريائهم أمام زوجاتهم وأبنائهم وبناتهم أو يقذف بهم في غياهب السجون؟!، إلى متى وقد ضاقت بنا الأحوال، وطال أمد الغُصَّة التي نتجرعها ليل نهار؟!، وما الذي ينتظره الرجل وحزبه بعد كل ذلك لكي يتحرك؟!، لكي يستبدل الأقوال بالأفعال؟!، وليمنع انزلاق الوطن والمواطن لمنزلقات أكثر وجعاً وأشد إيلاماً مما نحن فيه، مع عجزنا عن تخيل تعرضنا لأسوأ مما نحن فيه، وليس لكل تلك التساؤلات المحيرة وغيرها الكثير والكثير مما لم يتسع المقام لتذكرها وسردها هنا، غير إجابات محدودة بعدد من الكلمات، تتمثل في أن أوان كل ذلك يحين فقط حينما يضمن الرجل لأقصى درجة ممكنة عدم إراقة ولو قطرة واحدة من الدماء الزكية الطاهرة لمواطنيه، أو لحين زوال العدوان وتوقف العمليات العسكرية الجوية والبحرية والبرية والإعلان رسمياً عن انتهاء عاصفة حزمهم وإعادة الأمل إلىهم، وبما لا يُشْمِتْ بنا الأعداء فنحقق لهم أعظم أمنياتهم بالاقتتال والتناحر فيما بيننا، فنكون حينئذ قد حققنا لهم بالغباء المنقطع النظير للبعض منا ما عجزوا عن تحقيقه خلال أكثر من 950 يوماً بالترسانة العسكرية لـ 16 دولة مشاركة معهم في تحالفهم الدولي الشيطاني الجهنمي للعدوان على »اليمن« العظيم، وتفريق دماء الشهداء منا على كل من في الكون من البشر.. ولنتذكر أنه وما النصر إلا صبر ساعة، والله المعين والمستعان، والله أعلم.
|