د/عبدالرحمن أحمد ناجي - أعلن ناطق العدوان رسمياً وبكل عنجهية وصلف وغرور واستكبار واستعلاء منذ السادس والعشرين من مارس 2015م أن دول التحالف قد فرضت طوقاً محكماً على الأجواء والسواحل والمنافذ البرية للجمهورية اليمنية، وما لم يعلنه ذلك البوق أن ذلك الطوق المراقب بالأقمار الصناعية يستهدف خنق وتركيع اليمانيين بدرجة رئيسة للمساعدة في حسم نزهة الصيد ورحلة القنص التي توقعوها وخططوا لها وأعدوا لها كامل العدة والعتاد، والتي لم يدُرْ بعقل أكثرهم تشاؤماً أن يزيد مداها الزمني عن شهر في أسوأ التقديرات، بعد أن أخذوا بكل أسباب النصر الساحق، من حيث تجنب المواجهة المنفردة بين دولة ودولة بل ضمن تحالف دولي بقدرات سياسية ومالية وعسكرية خرافية لم يسبق حشدها من قبل، لمواجهة كيان دولي متهالك يحتاج فقط لوخزة كي يتحول لكتلة من الرماد أو القش سرعان ما تذروها الرياح.
ذلك الكيان الذي تحالفت 16 دولة للاعتداء عليه كان مصنفاً حتى ذلك التاريخ بأنه دولة، فيما تصنفه المنظمات الدولية آنذاك بأنه دولة على شفا الانهيار إن لم تكن قد انهارت بالفعل، وكان في ذلك التحالف وفقاً لمقاييس العقل والمنطق والعلم والتكنولوجيا ضمانة مؤكدة لا يخالجها ولا حتى ما نسبته أقل من واحد في المائة من الشك بالاكتساح وتقدم جحافل قواتهم البرية المريح في تلك النزهة، ودون احتمال مواجهتهم لأي مقاومة تذكر، فليس ثمة - وفق ما اعتقدوا - ما يضطرهم للاستعجال، وقد هيأت لهم عناصرهم الاستخباراتية وعملاؤهم المستضافون لديهم في عاصمتهم، بأن المحافظات اليمنية سرعان ما ستتداعى كما لو كانت قطع شطرنج الواحدة تلو الأخرى، وأن المواطنين سيستقبلون المحررين بأكاليل الغار، وسينثرون على هاماتهم أطناناً من الورود والفل والياسمين، وأنهم لن يخسروا في المقابل ولا حتى طلقة رصاص واحدة، ولإزالة أي هواجس أو تخوفات قد تعتمل في صدور قادة ألوية القوات البرية الزاحفة فقد تكفلت طائرات التحالف في الأيام الأولى من عاصفة حزمهم بقصف كل الأهداف العسكرية الحيوية التي قد تعيق تحقيق ذلك النصر المؤزر في الزمن القياسي المأمول.
من جهة أخرى فإن التحالف الدولي الشيطاني الجهنمي حينما فرض الحصار الجوي والبحري والبري المسنود بأحدث ما توصل إليه العقل البشري من تقنيات الرصد على مدار الثانية الواحدة طوال الأربعة وعشرين ساعة بالأقمار الصناعية التي تدور حول كوكب الأرض، وللمدى الزمني الذي يريدونه أياماً أو أسابيع أو أشهراً أو سنوات إن تطلب الأمر، قد استهدف رسمياً إضافة لما تقدم الحيلولة دون نفاد ووصول أي دعم أو تعزيزات للانقلابيين (المهزومين) سواء من الخبراء العسكريين أو من الأسلحة أو الذخائر من دولة إيران تحديداً التي كانوا ومازالوا يزعمون أنهم خاضوا عدوانهم لنسف مشروعها في اليمن وإبادة كل الموالين لها السائرين بأوامرها ووفق إرادتها، وما زلنا نتذكر جميعاً قصة السفينة الإيرانية (اليتيمة) الشهيرة، وكيف أن الحلفاء أقاموا الدنيا ولم يقعدوها ضجيجاً إعلامياً حول نجاح قطعهم البحرية نجاحاً منقطع النظير برصدها وتحويل مسارها، لميناء جيبوتي بعد أن أجبرتها على عدم الاقتراب من المياه الإقليمية اليمنية المحاذية لميناء الحديدة، وهي السفينة التي لم تكن تحمل سوى أطناناً من عبوات المياه العذبة.
نحن وهم ندرك تماماً أنه مع ذلك الطوق المحكم آلياً وبشرياً يستحيل تماماً مرور ولو مسمار واحد للموانئ والمطارات والمنافذ البرية دون الخضوع لتفتيش دقيق لتقرير السماح أو عدم السماح بنفاذه للانقلابيين كسلطة أمر واقع وفق مزاعمهم، لكنهم رغم إدراكهم اليقيني لذلك ودون أن يخالجهم شك ولو بما وزنه ذرة رمل من رمال الصحراء إلا أنهم مستمرون في استغفال الحمقى والمأزومين وعامة مواطنيهم من محدودي الفهم والاستيعاب بأن (المجوس) هم الذين يمدوننا بالسلاح والذخيرة والصواريخ الباليستية التي أكدوا أن طائراتهم قد استهدفتها ومحتها من الوجود في الاشهر الأولى من عاصفة حزمهم.
إصرارهم علي الاستمرار في اتخاذ وتنصيب (المجوس) الروافض شماعة لهذه الأكذوبة لتبرير فشلهم وهزيمتهم وعجزهم عن تحقيق أهدافهم الرسمية والحقيقية.. المعلنة والخفية، يبعث على الضحك والتهكم والسخرية والتندر، خصوصا مع استمرارهم بالإقرار والاعتراف رسمياً وتأكيداتهم المتكررة بنجاحهم في فرض طوق الحصار على المستويات الثلاثة الآنفة الذكر، وفي الحقيقة لو وضع أيٌّ منا نفسه مكانهم لأشفق عليهم ولما وجد لهم من ذريعة أخرى، ولما وجد لنفسه من خيار آخر غير تأكيد هذه الأكذوبة، وتأكيد ما ينسفها في ذات الوقت بأنهم يحاصرون الانقلابيين جواً وبراً وبحراً، وليس عليهم أو لهم إلا أن يتهربوا بعد ذلك ويمنعوا أي صحفي أن يوجه للمتحدث باسمهم أي تساؤل أو حتى تلميح حول ذلك التناقض الصارخ في الأمرين، خصوصاً إن نحن وضعنا بعين الاعتبار أننا نتحدث عن موقف مخجل ومخزٍ بالغ الحرج والحساسية لدول عظمى منضوية في ذلك التحالف وهي التي تمتلك قدرات عسكرية ولوجيستية مهولة تأمل من خلالها أن تنجح مخططاتها بأدوات إقليمية تتمثل بدول تملك ثروات خرافية، ورغم كل ذلك فشلت وعجزت كل جهودهم ومساعيهم المتضافرة المجتمعة والمتحدة والمتحالفة بجناحي ودفتي قوة السلاح والمال المتناهيين في الضخامة، ولما بات يقترب من ألف يوم في تركيع واحتلال دولة نامية ليست فقط (صغيرة) وفقيرة بمقاييسهم وتقاريرهم المؤكدة بل معدمة ومتهالكة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
من جانب آخر، فحالتهم وواقعهم المؤلم مع (اليمن) العظيم الذي ظنوه هيناً حقيراً، فأثبت لهم ومازال يثبت لهم أنه أسطورة عصية على التركيع والخلخلة وشق الصف والتجويع والتخوين والإغراء أو الإغواء بالمال أو الترهيب بالمحو، هذا الواقع الملجم لألسنتهم والمخرس لعقولهم يجعلهم أعجز من توجيه غضبتهم المصطنعة لدولة نووية كإيران التي هي في حقيقة الأمر حليف أصيل لهم، مهما حاولوا طمس هذه الحقيقة وتغييبها والترويج لها كعدو حقيقي تستميت بشيطنته ووصمه حصراً بكل الموبقات التي يتصفون هم بها.
يفعلون ذلك بإصرار عجيب لعدم وجود بديل آخر كما أسلفنا، والأعجب الذي يدركونه أيضاً أن هناك حتماً من سيستجيب لأطروحاتهم الفُكَاهية المتناقضة ويصدقها ويتبنى الدفاع عنها كمسلَّمات وحقائق ثابتة رغم كل ذلك من الكثير والكثير جداً من الحمقى والمغفلين والمعتلين نفسياً الناظرين لأنفسهم بدونية وتحقير كأقزام مقابل أولئك الذين ينظرون إليهم كجبابرة وعمالقة، وهذا ما يحدث بالفعل وما نراه وما نلمسه بكل حواسنا من حولنا.
وبنفس القياس لا يخجل المعتدون من تكرار التشبث والتمسك بترديد فضيحة مخزية أخرى لهم وفي حقهم، فلو أنهم أجهدوا عقولهم قليلاً أو منحوا أنفسهم فرصة للتفكير ولو لبضع دقائق من ليل أو نهار لانفجروا ضاحكين من شدة ما يظهرونه من غبائهم وسذاجتهم وتفاهة وضحالة عقولهم وعقول من يصدقهم، فمازالت تلك التي يصرون على استمرار تسميتها بـ (الميليشيات) غير النظامية (الانقلابية) بما يصل إليهم رغم أنف ذلك الحصار المحكم عليهم تمرغ أنوفهم في الوحل وتمسح بكرامتهم وكبريائهم الأرض مع تمام كل 24 ساعة من عمر عدوانهم ومع ما يقترب من ألف يوم دونما جدوى حقيقية على الأرض ماثلة أمام أعينهم ظفروا بتحقيقها، فأي ميليشيات تلك التي تعجز قوات وأموال 16 دولة عن تركيعها وسحق تمردها واجتثاث انقلابها في مدي زمني يقترب من الألف يوم.
ثم يخرج علينا أولئك المهرجون بطرفة أُخري أكثر جمالاً وروعة تجعل قادة العدوان أنفسهم يستلقون على ظهورهم من الضحك، وهم يستمعون لمن اقترحها عليهم قبل أن يعتمدونها رسمياً كذريعة وشماعة أخري يدركون مدى سخافتها وسذاجتها لتبرير عجزهم وفشلهم في تحقيق أهدافهم ومآربهم في هذا الهين الحقير، لكنهم يدركون أيضاً أنها ستنطلي على ذات الفئة المهيأة بالفعل للاقتناع والمتعطشة حقاً لأي ذريعة أو تبرير لما يستعصي عليهم فهمه واستيعابه، فالتأخير في الحسم والاستمرار في تكبد ملايين الدولارات كل يوم، هو فقط لأجل عيون المدنيين وحرصاً من أولئك المحررين على عدم إلحاق الأذى بهم، ولولا نبل أخلاقهم وسمو مقاصدهم ورفعة أهدافهم لكان بمستطاعهم دك العاصمة التي يدير الانقلابيون منها سلطة الأمر الواقع ويستعبدون مواطنيهم بالحديد والنار في لمح البصر، ولولا تلك الاعتبارات (الأخلاقية) الفاضلة لما استغرق الأمر كل هذا المدى الزمني ولا كل هذه المليارات من الدولارات.
ومؤخراً هاهم يستحمرون بدعابة أخرى بعد أن تم استهدافهم بصاروخ باليستي في عُقْر دارهم في عاصمة عدوانهم، فهؤلاء (الانقلابيون) بمقذوفاتهم البدائية التي شجت بها رؤوسنا إمبراطورياتهم الإعلامية لأشهر وسنوات مضت، أو بالصواريخ التي استجلبوها من إيران ربما في صورة غازية ثم نجحوا في تحويلها بوصفة علمية معينة بعد استلامهم لها الى صواريخ ملموسة، ليس من حقهم الرد على اختراق أفاعيهم الجوية لمجالهم الجوي وإشاعتها للموت والدمار في كل ما تنفث فيه ذخائرها، ليس من حقهم الدفاع عن أنفسهم ولا التطاول على المعتدي عليهم بصورايخ إيرانية الصنع وفق مزاعمهم وادعاءاتهم السخيفة - ودعوني أكرر - لتبرير عجزهم وفشلهم، وكأنما أفاعيهم وما تحمله في أنيابها من سموم قد تم تصنيعها بمواد خام وأيادٍ وخبرات بشرية محلية 100٪ في الجنادرية، وليست مستجلبة هي الأخرى بمليارات الدولارات التي يدفعونها صاغرين لمن يمتطون ظهورهم، ومن المضحك المبكي أن تتداعي الفئران والنعاج للتباكي وذرف الدموع وإصدار بيانات التضامن والشجب والاستنكار والإدانة لما وصفته مرثياتهم بالاعتداء السافر من تلك (المليشيات) الانقلابية على السيادة الوطنية للمعتدي الأثيم، ومنح ذلك المعتدي حق الرد على إيران ليس في إيران بل بالمزيد من تدمير اليمن.
كل تلك الطرائف والنوادر السخيفة السمجة والفجة، واسمحوا لي بالتكرار هنا أيضا مازال يتغنى بها أولئك الحمقى والمغفلون والمعتلون نفسياً في صحوهم ومنامهم، لعلهم يستطيعون يوماً ما أن يقنعوا بها أنفسهم فليس لديهم من خيار آخر غير الاقتناع بها حتى لو رفضتها عقولهم وبصائرهم وأبصارهم، وبرغم أنف من يطلقها ومن يصدقها فهي في نهاية الأمر قد أفضت لانطلاق الأعداء لحفر قبورهم بأيديهم، وتقويض أركان حكمهم بكامل إرادتهم، وها هو أميرهم وولي عهدهم المفدى يزج بأمرائهم وكبرائهم وملاك إمبراطورياتهم الإعلامية في السجون، ويصدر قرارات بتجميد ومصادرة أموالهم، ومن قبلهم الانقلاب على شرعية وليين لعهد مليكهم مقرن وبن نايف، وستدور على رأس البغاة الطغاة الفاسدين الدائرة، وسيلاقون نفس المصير ويتجرعون من نفس الكأس، وستتغير المعادلة وسيتشكل في منطقتنا عالم جديد.. وسيبقي (اليمن) عظيماً رغم أنف الجميع عصياً علي التركيع والاحتلال، وسيغادرنا المحتلون قسرياً لا محالة تحت ضربات أبطالنا الميامين إما سائرين على أقدامهم أو محمولين على الأعناق في توابيت وبئس المصير مجللين بالعار في الحالتين.
|