الثلاثاء, 20-نوفمبر-2007
الميثاق نت -     د/عبدالعزيز المقالح -
بعد أيام قليلة، وعلى أبواب الشتاء، ينعقد مؤتمر الخريف الذي تدعو إليه الإدارة الامريكية في محاولة لتصفية ما تبقى في القضية الفلسطينية من أبعاد الحراك والمقاومة. ولهذا وفي غبار هذه المناسبة المهينة نسترجع ومضات مما رصده الشعر العربي عن الهوان. ونبدأ من العصر الحديث ومن الشاعر الكبير الراحل عمر أبو ريشة صاحب هذا البيت من الشعر الذي يكفي ليجعله خالداً عبر الأزمان:
لا يهين الشعوب إلاّ رضاها
رضي الناسُ بالهوان فهانوا
والمعنى في البيت- كما يعرف المتابعون- يومي عن طريق التناص إلى بيت آخر لشاعر العروبة الأكبر أبو الطيب المتنبي وهو:
من يهن يسهل الهوان عليه
ما لجرح بميت إيلام!
وليس المقام هنا مهيأ للمقارنة وكشف أبعاد التناص بين بيتي الشاعرين الكبيرين، وإنما هو مقام لرصد أبعاد الهوان وإدانته شعراً ونثراً، ومنطقاً وحكمة. لا سيما وقد بلغ الهوان في حياتنا العربية الراهنة مبلغاً لا مزيد عليه وصار عنواناً عريضاً وعميقاً للمرحلة بكل مستحدثاتها السياسية والاقتصادية والثقافية. وليس في مقدور عربي واحد أياً كان موقعه من الخارطة العربية المستلبة والمهانة أن يدعي أنه لا يحس بالهوان ولا يشعر بآثاره المعنوية والنفسية في حياته وفي علاقاته مع الآخرين من أبناء جنسه العربي أو من أبناء الأجناس الأخرى الذين من الممكن والمحتمل أن يكون بعضهم مغبوناً أو واقعاً تحت قدر من الاستلاب ولكن ليس بالصورة التي عليها العربي وما يمارس عليه من عذاب مزدوج يجمع بين الغبن والهوان.
ولكي تكون الصورة ، أقصد الصورة التي يصنعها الهوان، واضحة جلية، ينبغي أن ندرك أن الجزء الأكبر فيها مما يتم صناعته محلياً، أو بعبارة أوضح أن الهوان العربي هو في الجزء الغالب منه عربي وليس مستوردا. وأن هذا الجزء الغالب هو الذي يستدعي الهوان الخارجي ويهيئ له السبيل. وفي هذا المقام تحضرني مقولة لسياسي من كوريا قالها رداً على من قال له أن مصيرهم - أي الكوريين- سيكون أشبه بمصير العراق، فقال الكوري ساخراً: وهل نحن عرب؟! هكذا بفضل تشرذم قياداتنا وبسبب الدور الذي لعبته بعض الأقطار العربية وما تزال إلى جانب الاحتلال الذي يحكم بغداد عاصمة العروبة والإسلام. أصبحنا مضرب الأمثال في الزراية والهوان.
حقاً، لقد صدق الشاعر العربي المعاصر عمر أبو ريشة حين أكد على أن الشعوب لا تهان إلا برضاها مهما اختلقت من أعذار، كما صدق من قبل أبو الطيب المتنبي، ابن النصف الأول من القرن الرابع الهجري، حين أعلن بلا تحفظ أو مواربة أن «من يهن يسهل الهوان عليه» ويغدو الهوان بالنسبة إليه أمرا محتملاً وغير قابل لأدنى شعور بالخجل أو الخزي. وبرهان المتنبي على ذلك أنه «ما لجرح بميت إيلام» وهو برهان لا يقبل الجدل ولا يحتمل المغالطة، ولا يستطيع أي إنسان عربي ينتمي إلى هذا الوطن الكبير الذي تطحنه المكشلات ويطارده الهوان المحمول جواً وبراً وبحراً إلاّ أن يتحمل نصيبه منه أو يثور معبراً عن إحساحسه الرافض لما وصل إليه حال الأمة في هذه المرحلة من تشرذم غير مسبوق أدى إلى هوان غير مسبوق أيضاً.
وبعد ، هل تستطيع هذه الكلمات أن تصل إلى أولئك الذين يستعدون الآن للرحيل الى أنابوليس للمشاركة في طحن التراب والحرث في البحر؟ أتمنى أن تصل وأن تعمل ما استطاعت لإثناء البعض عن ركوب قاطرة الخريف المتساقط والمشاركة في القضاء على البقية الباقية من أحلام الأشقاء الفلسطينيين الذين يعانون من عذاب قل نظيره على وجه الأرض.
الأستاذ أحمد صالح الفقيه في كتابات قرأتني:
> كثيرة هي في بلادنا المواهب التي تحفر طريقها في تواضع وصمت وتوق إلى الخروج بالإبداع في بلادنا من النفق الطويل، نفق الجهل والاستسلام للعزلة الأدبية والفنية عن العالم. ومنذ مدة وجيزة أتابع بإعجاب ما يقدمه الكاتب والمبدع الأستاذ أحمد صالح الفقيه من كتابات إبداعية وترجمات من روائع الفكر والأدب العالمي. وقبل أيام أهداني كتابين أسعدتني قراءتهما وهما: «كتابات قرأتني.. ترجمات من الثقافة العالمية». و«الجعالة» وهي مجموعة قصصية ذات موضوعات محلية بالغة العذوبة والجمال.
تأملات شعرية:
من يستطيع منكم أيها القادةُ
أيها المواطنون
أن يرفع صخرة الهوان
عن كيان أمةٍ توسّدتْ أحزانها
وانكسرتْ على دروبها الأحلامْ؟
من يستطيع منكم
أن يقاوم الزحفَ الغريبَ
أن يقولَ للغزاةِ انقشعوا عن أرضنا
وعن سمائنا.
لكي يعود جندُ الله للحقول
يزرعون وردَ الحب والسلامْ؟

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5224.htm