نجيب غلاب -
عندما يتعمق الولاء الوطني في النفوس، فأنه يُولد فيها حب المسئولية تجاه المجتمع والدولة، ويجعل المواطن فاعلا في مقاومة السلبيات المعيقة للتطور والتقدم، ويولد حالة من القلق الدائم لمواجهة التخلف، ويدفع أبناء الوطن من أجل عزة وطنهم والدفاع عنه والتضحية من أجله بالمال والنفس.
الولاء الوطني القيمة الأولية والضرورة الحتمية لبناء الدول، وجعل المجتمعات قادرة على تحقيق غاياتها، فالولاء الوطني يصنع أمجاد الوطن لأنه يجعل من هموم الوطن مسألة تؤرق عقل الفرد وروحة، فيعمل الفرد بكل طاقته لتجاوز الواقع السيئ، ويجعل من الفرد والمجتمع في حالة حراك دائم بحثا عن الجديد والإبداع.
أما الفرد الذي يعاني من خمول في ولائه لوطنه، فأن إحساسه بمجتمعه ووطنه يكون سلبياً، ما يدفعه لمحاربة الوطن ووصمه بكل عيب، وعادة ما يعمل هذا الفرد ضد مصالح وطنه من أجل ذاته، بظاهر دعاوى الخوف على مصالح الوطن، ولكنه على مستوى الواقع يبيح كل ما يتناقض مع مصالح الوطن من أجل تحقيق طموحاته الذاتية، فهو يمارس الفساد والتخريب في المجتمع والدولة، ولا أهمية لدية أن يكون أداة للأجنبي لتدمير الوطن الذي يعيش فيه، هذا الفرد غير ملتزم بهويته وتاريخه، فذاته وهواه هما الهوية والتاريخ والوطن.
أن الوطني الحقيقي الذي يقدم مصالح مجتمعه ووطنه على مصالحه الأنانية، يكون أكثر ثقة بنفسه، ولديه شعور عظيم بالمسئولية تجاه الآخرين ومتعاون معهم، وعادة ما تكون حركته محكومة بمشروع وطني يعمل على تطويره وتحقيق أهدافه، وهذا لا يعني أن الفرد يتخلى عن إيمانه بذاته ومصالحه، ولكنه يدافع عن مصالحه المادية والمعنوية بما يخدم مصالح الوطن وفي حالة التناقض فانه يغلب القيمة الوطنية على ذاته.
قد يقول قائل أن المواطنة هي أولوية وبدونها لا ولاء وطني، وهذا المنطق يعبر عن أنانية ونقص ولاء، فالولاء الوطني هو المقدمة الأولية لبناء المواطنة، وبدونه فان الأفراد لن يناضلوا من أجل قيم المواطنة، وبدونه أيضا يصبحون عاجزين عن تعزيز القيم المرتبطة بالمواطنة وتحقيقها على أرض الواقع، كما أن المواطنة بدون ولاء وطني تصبح قيم هزيلة وقابلة للانتهاك والضياع، فالولاء الوطني هو من يصنع المواطنة الحقيقة، وهو من يجعل المواطنة قوة حقيقية وفاعلة وإيجابية، بحيث تُولد في نفوس المواطنين الفعل الايجابي الخادم للوطن.
ولا مراء في القول أن الولاء الوطني هو الوجه الحقيقي لفكرة المواطنة، فالمواطنة في جانبها الأول حقوق، والثاني واجبات وهي في جوهرها تعبير عن الولاء للوطن، مع التأكيد ان مفهوم الولاء أعمق من فكرة الواجبات، لأن الولاء ابتدءاً يخلق الحقوق، ويجعل من الوجبات أولوية لبناء الوطن، فضلا عن أن الولاء يجعل الفرد قادرا عن قناعة في التضحية عن حقوقه في زمن التأسيس وعند البناء والتعمير.
إلى ذلك فأن الولاء الوطني يرسخ في نفس الفرد الأمان والاستقرار ويحقق له السعادة والرضا عن الذات، ويجعل الفرد أكثر قربا من الله، بعكس الفرد الذي يكون ولائه ناقص فانه يعاني من القلق، ويحتقر ذاته أن كان فيها خيرا، أما أن كان غارق في حب ذاته، أو مستلب في هويته وفكره، أو يعاني من تناقضات المرضى النفسيين، فانه يجعل من الخيانة ذكاء وعبقرية، وهؤلاء الأفراد هم مدمري المجتمعات والدول ومخربي حضارات الأمم.
من الطبيعي ان يكون من مقتضيات الولاء الوطني التضحية وتغليب الواجب والعطاء الدائم من اجل الوطن والجماعة الوطنية، ولكن بعض الأفراد يكون لديه ولاء وطني ولكنه يغلب مصالحه ويبحث دائما عن حقوقه، وينسى واجباته، بل ويتجاهل مصالح وطنه ومصالح المجتمع وهذا في حقيقة الأمر فاقدا للولاء.
والبعض قد ينتمي إلى وطنه ولكنه يجعل ولائه في جماعة معينة ينتمي إليها كالطائفة أو القبيلة أو المنطقة وفي هذه الحالة فأن الفرد يعادي الجماعة الوطنية والدولة التي تمثلها من اجل ولائه الضيق، وهذا السلوك في العادة يدمر العيش المشترك، ويجعل المجتمع في حالة صراع مع نفسه، وهؤلاء لا ولاء لهم لأوطانهم، وهم في الغالب مستلبي الإرادة ووعيهم الوطني منعدم مهما أدعوا.
مما لا ريب فيه أن الولاء الوطني عندما يكون واضحا ومتعمقا في نفوس الأفراد، فأنه يجعل منهم قوة قاهرة ضد أعداء الوطن، وطاقة جبارة في خدمته حتى في الحالات التي قد تكون فيها حقوقهم ناقصة، وهؤلاء نضالهم من اجل الحقوق لا يأتي من بوابة أنانية، وإنما باعتبار الحقوق ضرورة حتمية لتقدم المجتمع، وهذا الشعور يتجسد في القيادات الوطنية التي في الغالب ما تكون حياتها نضال دائم من اجل الوطن وأبنائه، وهؤلاء في العادة ما يندمجوا مع المصالح الوطنية ليصبح تحققها أمنيتهم ومنتهى طموحاتهم، وهؤلاء هم ورثة الأنبياء وتتجسد فيهم أعلى القيم الدينية فيؤثرون مصالح الجماعة على مصالحهم.