د/عبدالرحمن أحمد ناجي - ليست المرة الأولى وأغلب الظن أنها لن تكون الأخيرة التي يتعمد فيها الإعلام الرسمي المقروء والمسموع والمرئي تجاهل نشر وبث وتغطية الأنشطة والفعاليات التي يقوم بها المؤتمر الشعبي العام وحلفاؤه في أحزاب التحالف الوطني، لذلك لم يكن أمراً طارئاً أو مستغرباً أو مفاجئاً تجاهل الإعلام الرسمي في صوره وأدواته الثلاث للبيان الصادر عن الشركاء في الحكم والتصدي للعدوان الذي دعا الى التفعيل الصادق لبنود الاتفاق بين الشركاء، ودان مساعي احتكار الوظيفة العامة والإقصاءات منها، والأسف للممارسات التي ينتهجها الشركاء في مؤسسات الدولة.
وإذا كنا نعلم علم اليقين وجود ممثلين للمؤتمر الشعبي العام وحلفائه في المجلس السياسي الأعلى بالتساوي فيما بينهم وبين شركائهم في التصدي للعدوان الهمجي الغاشم منذ بداية العدوان الخميس 26 مارس 2015م، وذلك وفقاً لنصوص الاتفاق التاريخي الموقع بينهما يوم الخميس 28 يوليو 2016م، فإننا نعلم أيضاً أنه قد تم تشكيل حكومة الإنقاذ الوطنية بنفس الآلية ؛ أي بالتساوي بين الشركاء في تركيبة المجلس السياسي الأعلى، غير أن اللافت أن ما لم يكن بالحسبان -وهو ما لا يخفى على أحد ولا يمكن لأحد أن ينفيه أو أن ينكره- قيام شركاء المؤتمر الشعبي العام وحلفائه بالتفرد بالحكم 100٪ من خلال الحكومة الحالية التي يرأسها رسمياً (مؤتمري)، وذلك بالرغم من أن الصورة الرسمية الظاهرة للعيان تؤكد على أن 50٪ من أعضاء هذه الحكومة هم من عناصر وكوادر وقيادات المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، لكن جميع المواطنين يدركون وجود سلطة تعلو كل عضو مؤتمري في الحكومة، تحول دون ممارسته عمله والمهام المنوطة به بالصورة التي يراها ملائمة في الوزارة التي يقف على رأسها.
ولا نفشي سِراً إن نحن أثبتنا صحة ما ذهبنا إليه أعلاه وأعدنا لأذهان القراء الكرام فقط ما تم تسريبه وتداوله من توجيهات رئاسية رسمية بإلغاء بعض قرارات رئيس الحكومة نفسه وقرارات بعض أعضاء حكومته، ولعل آخر وأحدث تلك التوجيهات التي مازالت عالقة في الأذهان هي التوجيهات الرئاسية الرسمية التي قضت بإلغاء قرارات وزير النفط المستهدفة معالجة الأزمة الحادة في توفير المشتقات النفطية عقب إعلان تحالف العدوان فرض الحصار المحكم وإغلاق كافة المنافذ والمطارات والموانئ عقب الضربة الصاروخية لمطار الملك خالد بصاروخ بركان H2 .. والمُلاحظ في هذا السياق أن كافة التوجيهات الرئاسية الرسمية السابقة لم تطل سوى من يُفترض أنهم شركاء في الحكم ولم تمس على الإطلاق أو تستهدف إلغاء أي قرارات صدرت عن الفصيل الآخر من الشركاء، والسؤال الذي يقفز للذهن دون أن نجد له إجابة شافية، هل تخضع تلك التوجيهات قبل صدورها للتصويت بين أعضاء المجلس السياسي الأعلى؟!، أم أنها تصدر فقط عن رئيس المجلس بصورة منفردة؟!، وهل اللوائح المنظمة لعمل المجلس السياسي الأعلى وآلية صدور قراراته تُجيز لرئيس المجلس التفرد بإصدار مثل تلك القرارات دون العودة لبقية أعضاء المجلس؟!.
وبغض النظر عن وجود سلطة أمر واقع يدركها الجميع بصورة خفية غير ظاهرة غير رسمية أعلى من سُلطة الوزير في كل الوزارات التي تتألف منها الحكومة الحالية، فإنه كان من المعتاد والمألوف والمتعارف عليه في كل الحكومات السابقة التي تشكلت منذ قيام الجمهورية اليمنية والتي نشأت بالمحاصصة السياسية، أنه إذا كان الرجل الأول في أي وزارة (الوزير) من الفصيل (س) فإن الرجل الثاني (نائب الوزير) يكون من الفصيل الآخر لضمان وجود توازن بين الشركاء في الحكومة، وهذا الأمر ينطبق على بعض الوزارات في الحكومة الحالية، كما هو الحال في وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارتي الداخلية والدفاع، ومغيب تماماً في الكثير من الوزارات، كوزارة الإعلام والأجهزة الحكومية التابعة لها التي يوجد فيها تفرد تام ومطلق للشركاء، ولا ندري لماذا سُمح بهذا الأمر ولم يتم التنبه له وتداركه في وقت مبكر عند أو في أعقاب تشكيل الحكومة، فليس هناك نائب وزير (مؤتمري) للإعلام، وليس هناك نائب رئيس (مؤتمري) للمؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون، ونفس الوضع في إدارة القنوات الفضائية الرسمية، والإذاعات الحكومية، ومجالس إدارة المؤسسات الصحفية الرسمية (الثورة) و(الجمهورية)، ووكالة الأنباء اليمنية (سبأ).
ولولا صحة الحقيقة التي أوردناها أعلاه لما تجرأ الإعلام الرسمي مراراً وتكراراً على التجاهل والتغييب المتعمد لنشر وبث وتغطية كل ما له صلة بأنشطة المؤتمر الشعبي العام وحلفائه، وما يراه ويلمسه كل مواطن أن الشركاء يتمادون في مطالبة المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وحدهم بالمزيد من الصبر وضبط النفس، بحجج وذرائع شتى منها الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك الجبهة الداخلية وتفويت الفُرصة على المتربصين بالوطن الطامعين بتمزيق النسيج السياسي المتآلف المنضوي في السلطة التنفيذية الحالية بشقيها: المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ الوطنية، في نفس الوقت الذي لا يأبه الشركاء بكل ذلك، ويطلقون العنان لسفهائهم و(مجانينهم) للخوض والقدح في شركائهم وتوجيه أصابع الاتهام لقياداتهم بالخيانة والعمالة والارتزاق، ويمنحونهم الضوء الأخضر لخلخلة وهدم المعبد على رؤوس كل من فيه.
كنا ومازلنا نؤكد على أن علاجاً وحيداً ناجعاً هو الكفيل بإنهاء وإزالة كل الاختلالات الماثلة أمامنا يكمن في احتكام الجميع للنصوص الدستورية والقانونية، وإن نحن نجحنا في إرغام الجميع على الامتثال لها، بمن في ذلك كل من يستعلي ويتكبر على تلك النصوص ويرى أنه لا شأن له بها وليس محكوماً بما ورد فيها، فإن ذلك سيفضي بالضرورة لحل ما تسمى (اللجنة الثورية العليا) واللجان المتفرعة عنها، وهي التي كانت ومازالت تمارس عملها منذ نشوئها بالمخالفة الصريحة والواضحة لهما بل وللإعلان الدستوري نفسه الذي لم تنشأ ولم تمارس عملها بموجبه، وهي التي كانت نقطة الخلاف الوحيدة التي حالت دون تحقيق التحالف السياسي الفوري بين القوى الوطنية الموازي للتحالف العسكري الذي انضوت فيه جميع تلك القوى استشعاراً منها المسئولية الوطنية الجسيمة التي استلزمت وجوباً وضع وتنحية كل الخلافات السياسية تحت الأقدام منذ اللحظة التي تعرض فيها وطننا لأضخم عدوان جماعي دولي عرفته البشرية.
تلك اللجنة مازالت حتى اليوم تقدم أبلغ تجسيد واقعي وملموس لما يُعرف بالطابور الخامس الذي يمنح المعتدين علينا كل مسوغات وذرائع استمرار ذلك العدوان، وهي التي تعمل وبإصرار سواءً بجهالة أو بتعمد وبأقصى جهد متاح لكل أعضائها على تمزيق وحدة الصف وتفتيت الجبهة الداخلية التي مازالت متماسكة بفضل من الله حتى الآن، خصوصاً بعد أن تَغَوَلَت تلك اللجنة وصارت أشبه ما تكون بسرطان ينخر في جسد الوطن، وأصبحت العقبة الحقيقية التي تحول دون تطبيق كل الاتفاقيات والتفاهمات التي يجري التوقيع عليها بين قيادات العمل السياسي الرسمية، ويجري انتهاكها عمداً ومع سبق الإصرار والترصد على الفور عقب كل توقيع وقبل أن يجف الحبر الذي وُقعت به تلك الاتفاقيات والتفاهمات.
ومن المفارقات العجيبة المضحكة المبكية في ذات الوقت، أن يطلق البعض على هذه اللجنة تسمية: حكومة الظل، في حين أن ما تمارسه في أرض الواقع يجعلها سلطة فعلية حقيقية كاملة وإن كانت مستترة ومتوارية لأنها غير رسمية ولا تستند في ممارستها لسلطتها تلك إلى أي مرجعية دستورية أو قانونية، بل ولا تستند حتى لأي مرجعية ثورية حسبما تزعم وتدعي زوراً وبهتاناً وإفكاً مبيناً، ويجعل من حكومة الإنقاذ حكومة ظل، لأنها طالما كان حالها على النحو المبين أعلاه فلا حول لها ولا قوة، ولا تملك من أمرها ولا حتى من اسمها شيئاً على الإطلاق، فحكومات الظل بالمفهوم السياسي المتعارف عليه هي حكومات رديفة تنشئها الأحزاب المعارضة، وتتكفل بدور تنويري مهم جداً بوضع بدائل خاصة بها معلنة ومنشورة لأي معالجات غير سليمة، أو قاصرة أو جزئية تتخذها الحكومات الحقيقية لما يعترضها أو يعترض المجتمع الذي تحكمه من مشاكل وسبل الحياة الكريمة، فكل وزير في حكومة الظل يقول للناخبين لو كنت مكان الوزير المناظر لي في الحكومة الحالية الرسمية لقمت بمعالجة الموضوع الفلاني بصورة مغايرة تماماً وعلى النحو التالي، ويقوم بعرض رؤيته للحل، وجدوى تلك الرؤية ومنافعها إذا ما قورنت بجدوى ومنافع المعالجات المعتمدة رسمياً عن طريق الحكومة الحقيقية.
وما لم يتم الإسراع وعدم التباطؤ في حل تلك اللجنة واقعياً، وإنهاء وجودها فعلياً، فستظل كل المكونات السياسية الرسمية في السلطة التنفيذية مشلولة ومجرد واجهات ديكورية وليست أكثر من عرائس يتم تحريكها من الأعلى أو من تحت الطاولة، وستظل السلطة التشريعية مكبلة وفي حالة عجز تام عن التحرك الإيجابي الجاد لمعالجة الاختلالات المجتمعية الحادة، ولا ندري إن ظل الوضع على ما هو عليه إلى متى بالضبط سيظل هذا الشعب العظيم متحملاً تبعات الصبر والوقوع تحت ضغط وتبعات استشعاره المحمود والأسطوري للمسئولية الوطنية، وقبوله الاضطراري التعايش مع أعجب معادلة عرفها العالم والمتمثلة في التصاعد الرسمي المستمر الذي بلغ حدوداً خيالية لأسعار المشتقات النفطية ودون وجود حتى مجرد النوايا للبحث عن حلول واقعية لهذه المشكلة أياً كانت المبررات لوجودها من جهة، واستمرار حرمان موظفي الدولة من مرتباتهم الشهرية لما يزيد عن أربعة عشر شهراً، وهي المرتبات التي كانت ستوفر لهم في حالة انتظام حصولهم عليها الحد الأدنى من السيولة التي سيستطيعون من خلالها تدبر أمورهم وامتلاك القدرة على مواجهة متطلبات الحياة في ظل استمرار تعرضهم للعدوان.
|