الأحد, 25-نوفمبر-2007
الميثاق نت -    منير أحمد قائد -

إن أي وقفة تأملية واستقرائية عميقة على ما يعتمل في واقعنا اليمني على كافة المجالات والأصعدة الحياتية، وعلى كافة الاتجاهات والمسارات الحراكية والتفاعلية قد يصل المرء عبرها ومن خلالها الى النتيجة المأمولة واصطدامه بصعوبة التأمل والاستقراء السليم والصحيح لمعطيات الواقع ومشكلاته وتحدياته المتراكمة والمتوالدة أو اكتشاف الخيارات الصائبة فيه للطريق الوحيد الآمن والضامن للتغلب على معوقات وتحديات الحاضر وتأمين المستقبل وكسب معركته انتصاراً كبيراً للوطن وكل أبنائه بأفقيه القومي والإنساني، إلا إذا اتسمت الرؤية التأملية والاستقرائية بالشمولية، أي أن يقرأ الواقع المجتمعي بكل جوانبه وتفاعلاته في إطار العلاقة التأثرية والتأثيرية بالمحيط والنطاق الإنساني الذي تتفاوت مستويات تلك العلاقة مع دوائره المختلفة، ولكنها تظل حلقة واحدة، ومن جانب آخر تفرض هذه الرؤية تشخيص وتشريح مكونات الواقع المجتمعي اليمني في سياق المواءمة بين التشخيص السليم والتشريح الماهر وبين الإيمان المطلق بوحدة المكونات وجوداً ومصيراً وحلماً وهدفاً مشروعاً واحدا يقضي على ظواهر المعوقات ويعالج الأخطاء والاختلالات ومكامن الضعف واستئصال ثقافة الفساد والغش والتزوير والتضليل والخداع والكذب والتمثيل والمغالطة في الواقع المجتمعي على صعيد دور مكوناته المختلفة وطبيعة إدارة الشأن المجتمعي ومنظومته العلاقاتية بين الأفراد والمنتظمات والتنظيمات والفعاليات والجماعات والأطر الكيانية بمختلف أنواعها وتعدد مناشطها واهتمامها وأصنافها.
فما هو ملموس ومعاش في حياتنا اليومية كمجتمع إنساني أن وسائل الاعلام ومختلف الوسائط الاتصالية المتفاوتة في التأثير ومستوى المصداقية ومدى علاقتها بالحقيقة تقدّم لنا كل لحظة وعلى مدار اليوم ما نعتبره أحدث صورة عن واقع مجتمعنا الإنساني بما يشهده من تطورات ومستجدات وأحداث على كافة الجوانب والمناحي المتصلة بدور ووظيفة الاستخلاف للإنسان ووجوده على الأرض ودور فعله العقلي وإنتاجه المادي، لكنه رغم أن الحقيقة التي يبحث عنها إنسان اليوم ما زالت مغيبة من قبله، فإن الحقيقة الأخرى التي لا علاقة لها بالأولى هي أن هذه الصورة ليست الحقيقة، لأن الطاغي فيها تغييب لها، وإذا أراد المرء أن يمسك بها من خلال الصورة لا يستطيع بمفرده تحقيق ذلك، وإن كان أكثر بني البشر مندفعاً ومتحمساً للإسهام الأبرز ضمن الفعل الإنساني الواحد للإمساك بالحقيقة، وهو لا يتحقق إلا بهذا الفعل الذي لا يكون فعلاً إلا إذا انطلق من البداية السليمة الضامنة الوصول الى الغاية الكبرى بطابعها المثالي، وليس الكمال أو المطلق، فتلك الصورة يقدّم من خلالها كل لحظة ويوم عبر الوسائط الاتصالية المختلفة معلومات وأحداث وشواهد ووقائع حقيقية ويصاحبها تلازمياً مخرجات العقل الإنساني الجمعي فكراً ورؤى وتصورات وتحليلات واستنتاجات واستقراءات وتوقعات وتنبؤات واحتمالات وخيارات، لكن تظل الصورة رغم أنها تقدّم مكتملة، لكنها بهذا الكمال لا تمثّل سوى نسبة الـ 1% من حقيقة الصورة التي يتوق كل أبناء المجتمع الإنساني لرؤيتها مكتملة وهي كاملة فيهم وواقعهم الكلي كل لحظة وآن، وموجودة بوجودهم على هذا الواقع، فتغدو محاولة معرفة هذه الصورة أو الإلمام بقدر ما هو ممكن ومتاح من جوانبها مهمة شاقة للفرد، كون هذه المحاولة متوقف نجاحها وتحقيق أهدافها على توفر حدود ومستويات الفهم والإدراك والمعرفة وهي لا تتوفر مجتمعة لأي فرد، وكذا على طبيعة الخلفيات والدوافع ومنطلقات الوصول الى الغاية والهدف وحدود فائدته ومنفعته النطاقية، وإنني بدافع أخذ قسطي من الخوض في التأمل والاستقراء وبحدود الممكن والمتاح على قدر تواضعه وحده ما أقل من الأدنى في الإلمام والمعرفة والاستيعاب لمكونات الصورة الحقيقية الماثلة كحقيقة مغيبة وهي ليست غائبة باعتبارها قائمة وموجودة ومن منطلق الفهم الفطري للفهم وعلاقته بالعقل والإدراك والارادة والرؤية والفكر والانتماء والهوية أرى أن فاعلية تفاعلات مخرجات العقل الجمعي الإنساني راهناً بما تعبّر من خلالها من كل صنوف الإشكاليات الصراعية والتوق لتحقيق الغايات المثالية قد جعلت القدر حاسماً لخيار إرادته وهو أن اليمن تعيش هذا القدر، باعتباره قدراً ويتمثّل في أنها حاضنة للصورة المكتملة والبداية السليمة للفعل الجمعي الإنساني الصائب والواحد المحقق للغاية الكبرى التي يتوحد كل أبناء المجتع الإنساني عليها وفيها وإن تفاوتت التعبيرات التجزئية للارادة الإنسانية ضمن حقيقة وحدتها كإرادة واحدة، وجميعهم على الرغم من تباين حوامل تبايناتهم بشأن حقيقة الصورة الحقيقية على النطاق الكوني، فإنهم متوحدين في خلافهم حول مسمى المكان الذي تنطلق منه بداية الفعل، باعتباره خلافاً محكوماً بنوازع إرادات متناقضة في المبررات والدوافع وحاملة بنفس الوقت نوازع التوحد التي تلتقي عند وحدة البداية للفعل بعد أن تنطلق، وهذه الإرادات كتعبيرات حقيقية لواقع حقيقي مترقبة الانطلاقة ليتلاشى التباين ونزول المبررات غير المتسقة مع الغاية الكبرى إنسانياً من الفعل، فانطلاقة البداية له تحمل قوة الدفع الضامنة لاستمراره فعلاً لا يتوقف حتى بعد تحقيق الغاية الكبرى لأنه بتحققها تولّد كغاية كبرى من جديد وفق سنن الأرض ووجود الإنسان كسمتخلف فيها، وهذه الرؤية الاستقرائية المستندة على مرتكزات قوية ومتينة مستوحاة من عوالم الذات والعقل والإرادة والانتماء وعلاقتها التراتبية الواحد تفرض، بل فرضت على اليمن بكل مكونات وجوده وشخصيته وهويته المتصلة بالوجود والشخصية والهوية الإنسانية الواحدة أن يعتز كل الاعتزاز ويفخر بخيار إرادة القدر فيه، لأنه الكامن فيه منذ الأزل وإن اغترب عنه بفعل حركة الزمان في التاريخ والحضارة والفكر والعلم، لكنه يظل قدراً كامناً في المكان الذي يستحيل أن ينتهي الزمان قبل إنصافه ومعانقته حقيقته في القدر فينتقل من الكمون الى الفعل، ولكي يكون فعلاً فهو ينطلق من بداية، وإذا انطلقت تحقق الفعل متمدداً بسرعة ليسود النطاق الكوني ويستمر فعلاً متجدداً في كل جوانب الإنجاز للعقل الإنسان الجمعي والتطبيق العملي للفكر المشعّ منه المحقق أداء الوظيفة واستمرار الاستجابة المجتمعية الإنسانية لرسالة الأخلاق وتصويب مسيرة الاستخلاف الخالدة حتى النشأة الأخرى، والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الى أي مدى اليمن بكل أبنائه مستوعبين وواعين بخيار إرادة القدر؟ ومدى قدرتهم المستمدة من القدرة على ولوج البداية في ظل استمرار طغيان الصورة الزائفة والمغشوشة والتشويهية، وكيف نبرز الصورة الحقيقية البهية والنقية التي ببروزها يرى المجتمع الإنساني ذاته الموحدة فيها وقد رآها غالبية أبنائه قبل ذلك في شعورهم ووجدانهم الجمعي الواحد كمنطلق حمل ضغط العاطفة الى ذروته على العقل الإنساني الجمعي أن يكون على استعداده التام لاحتضان هذه الصورة الحقيقية في صفائح ذاكرته الجمعية ليتجدد بها الخلود المتجدد بحوامل صفته على مستوى كل المكونات المتصلة بالمسيرة الإنسانية الخالدة.
وكمحاولة صعبة للإسهام البسيط في الإجابة على السؤال المطوّل من وحي التأمل الاستقرائي لمعطيات الواقع المجتمعي اليمني بمحدودية الإلمام والفهم، وفي سياق عرضه كمجرد رأي قد يحمل في طيّاته فكرة أو بعض الأفكار فإن تعبيرات حقائق واقعنا اليمني تؤكد حقيقة التمدد الكلي نطاقياً لحاضن قوة الإرادة والفكر وفاعلية العقل المبدع للفكر المغذي للفعل الانساني الجمعي المأمول والمرتقب وهو موجود وتنامى الى حد نضوجه، لكنه كامن من حيث التنفيذ للفكر وفاعل من حيث تمدد فاعليته الفكر الذي أنيطت به مهمة أو وظيفة التمهيد للتنفيذ أو انطلاقة البداية للفعل، وكل أبناء المجتمع الإنساني متوحدون على قدوم البداية، ولكن بعضهم مختلفين على الزمان والمكان، وهؤلاء المختلفون بعضهم متأثرين بطبيعة تقديراتهم وخلفياتهم ومنطلقاتهم في رؤية الواقع الإنساني الراهن فنجدهم يسلمون بالتماسهم الحركة المحسوسة والملموسة لفاعلية الحاضن الإنساني الجمعي للفعل المرتقب تنفيذاً والمتمدد فكراً أو مشروعاً ناضجاً، ولكنهم مستسلمون بهذا القدر أو ذاك للتصديق بمستويات متفاوتة بالصورة الزائفة لهذا الواقع الإنساني مما جعل فاعلية قوة الإرادة فيهم ضعيفة، مسلّمين الأمر للقدر بأن يحقق مبتغاهم للوصول الى الفعل وقد حسم القدر خيار إرادته في تحديده مكان انطلاقة بداية الفعل ليكون إنجازه المتعاظم للمجتمع الإنساني وغير المتوقف مرتبط بالمكان، منطلقاً وقيادة وريادة في إطار المواءمة بين وحدة المسيرة الإنسانية في التاريخ والحضارة وبين تصويب الانحراف عن المسار الإنساني الواحد الذي نجم عن طغيان الشر والظلم والإرهاب وبطش القوة المدمرة التي لا تمت بصلة للأخلاق وقدر الكرامة البشرية وانتهاك حقوق البشر في الحياة الكريمة والسعادة بسبب اغتيال القوة الباطشة للعدل والسلام والمساواة وقتل مشاعر الإخاء الإنساني بنزعة الشر والعداء والكراهية التي أدت الى سفك الدماء وتفجّر الحروب وإثارة الفتن وتفشي الفساد وإدارة البشر على هذه الحروب والصراعات والفتن، ومن جانب آخر فإنه رغم تعبيرات حقائق واقعنا اليمني التي أشرنا الى العنوان الرئيسي والعام لها فإن هذا الواقع لا يزال محكوماً بكوابح وقيود وإعاقة انطلاقة بداية الفعل، وجميعها كظاهرة شريرة معزولة ومنفصلة عن الحقيقة الثابتة للواقع المتجددة والحيوية والفاعلة بثباتها، لكن تلك الكوابح والقيود والمعوقات هي صورة مصغرة لصورتها الكلية على النطاق الإنساني وقد غدت متشققة وآيلة الى التناثر والتلاشي بمجرد أن تنطلق بداية الفعل لخطتها الأولى لأن الغالبية العظمى من أبناء المجتمع الإنساني مبايعون مطلقاً لمكان انطلاقة بداية الفعل في الريادة والقيادة لأنهم واثقون كل الثقة أنه الحامل لكل مقومات النموذج الذي يحتاجه المجتمع الإنساني في التوحد الإنساني على مشروع التوحد الجديد الحامل لفكر جديد محصّن بقيم وأخلاق البشرية كما جاءت بها أديان السماء من الخالق عزّ وجل، فالتطرق الى بعض التفاصيل المتصلة بالكوابح والقيود والمعوقات في الواقع المجتمعي اليمني قد تحتاج الى أفراد تناولة خاصة بها لتقديم تحليل ووقائع وظواهر واضحة نستشهد بها لإيضاح الفكرة والهدف منها، إلَّا أن ما نثق به مطلقاً هو أن رموز وأدوات منظومة تلك الكوابح من قوى فساد ونفوذ فوق سلطة القانون وقوى عصبيات شريرة ومصالح ضيقة وجماعات ضغط انتهازية وابتزازية أصبحت منهارة وقد قتلت إرادتها الشريرة على النطاق الكلي إنسانياً، ولكن تلك المنظومة المنهارة تعيش تصديق وهمها بأنها لا زالت حية الإرادة، فيصوّر لها هذا الوهم أنها بإرادتها الميتة قادرة على بعثها من جديد لتفعل ما كانت في الماضي تريد فساداً وخراباً ودماراً، وتثير الصراعات والفتن وتغتصب حقوق الشعب وتعادي مصلحة الشعب وتنخر الدولة من الداخل لإفراغها من مضمونها وجعلها ضعيفة غير قادرة بالمستوى المطلوب على أداء وظائفها أو تسخير السلطة والنفوذ في الدولة والمجتمع للعبث الفسادي والإرهابي الشامل في الوطن، وهذه المنظومة بكل قواها متيقنة إذ كانت لا تزال تمتلك إحساساً تشعر به بهذا التيقّن أن كل أبناء الشعب يمثّلون الحاضن الواحد لمشروع وطني إنساني كبير وقوة إرادة مستجيبة للقدر، كما استجاب لها، فمنحها القدرة من القادر عزّ وجل، فهو مشروع مصيري للنهوض الحضاري الشامل يقوده فخامة الأخ/ علي عبدالله صالح - رئيس الجمهورية بثقة معانقة الانتصارات الكبرى غير المسبوقة خلال الفترات القادمة والكفيل بتطهير اليمن من مخلّفات قوى وثقافة الفساد والنفوذ والإرهاب والاستبداد والطغيان خلال فترة وجيزة قادمة ليكون اليمن كما اختارته إرادة القدر منطلقاً لتصويب المسار الإنساني ومركزاً للريادة والقيادة وقول كل الخيّرين من أبناء الأمة والمجتمع الإنساني، واليمن عند مستوى هذه الإرادة وبقوتها المعززة بإرادة أبنائه سيحقق الغايات الإنسانية الكبرى التي عجز الآخرون عن تحقيق أيّ منها راهناً في المجتمع الإنساني.

نقلا عن الثورة




تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:12 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5249.htm