السبت, 15-ديسمبر-2007
الميثاق نت -    د.عادل الشجاع -
قلت لنفسي إن الدنيا تفاجئنا بأمور كثيرة، ولا تترك لنا مجالاً للتريث، ولعله من المفيد ألا ننتظر حتى نهاية العام لنقدم كشف الحساب، فلنبدأ من آخر الأحداث من مؤتمر «أنابوليس» بوصفه جاء جامعاً لكل الأحداث ابتداء من فلسطين ومروراً بلبنان ونزولاً بسوريا..
إذن نحن أمام حدث جديد يحتاج إلى مزيد من التدقيق في قراءته بدلاً من التعجل، خاصة ونحن في زمن الفوضى الخلاقة.
ولست أدري كيف تكون الفوضى خلاقة، لكنني عندما أنظر إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإلى تعهداته التي أطلقها بعد هذا المؤتمر والتي تعهد بموجبها على إنهاء الانقسام الجغرافي والسياسي والعقائدي الذي نتج عن انقلاب حماس العسكري الذي فصل غزة عن الضفة يتأكد لي معنى الفوضى ومعنى الخلق في ظل رفض حماس إعادة الأوضاع في القطاع إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب.
إضافة إلى أن حماس تعتبر "أنابوليس" مؤامرة مدبرة من جانب أمريكا واسرائىل، وهذا الرفض سيكون الذريعة الأولى لإسرائىل للتهرب من التزاماتها المتمثلة بتجميد الاستيطان وإنهاء المستوطنات غير القانونية، هنا فقط يمكن إدراك معنى الفوضى الخلاقة، وكأن الفوضى هي إجهاض المستقبل.
الفوضى الخلاقة تلعب على تغيير المصطلحات: "العولمة" بديلاً عن "الإمبريالية"، و"الليبرالية" بديلاً عن "الاشتراكية"، و"الأقليات" بديلاً عن "القومية"، و"صراع الحضارات" بديلاً عن "صراع الطبقات" فكل هذه المصطلحات تعمل على إجهاض المستقبل.
إن الحرب المدمرة ضد العراق مازالت تفعل فعلها التدميري، ثم هاهي أمريكا تسعى إلى حرب أخرى ضد إيران، إننا أمام نظام يفتح العالم على حروب دائمة ومستمرة، بدلاً من فتحه أمام الاستثمار والتنمية، إننا نودع هذا العام ونحن في إسار الاستعمار بالإرادة.
إذن لا جديد تحت الشمس سوى الفوضى الخلاقة.. ربما ذلك هو الجديد في موسوعة علم السياسة في عصر القطب الواحد الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية التي تتصور أنها تملك وحدها ثروات العالم وهي التي من حقها تحديد حق الشعوب وتوجيه النظام العالمي دون شريك.
إن الجديد هو سفك الدماء في فلسطين والعراق والصومال وافغانستان ولبنان.. إن هذه الحروب هي الفوضى الخلاقة.. والفوضى الخلاقة هي تضليل الرأي العام العالمي وفرض إرادة القوة دون تردد.
الجديد في هذا العام هو أننا دفنا المرجعيات السابقة وخاصة تلك التي ترتكز على قواعد القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن رقم 242 وقرار 194 الخاص بعودة اللاجئين، ومبادرة السلام العربية التي تحدثت عن «الأرض مقابل السلام» ونتيجة للفوضى الخلاقة فإن السلطة الفلسطينية لابد أن تدخل حرباً مع حماس، وقد بدت ملامح هذا المشهد العبثي في الضفة الغربية.
أما على المستوى اللبناني فإن لبنان يبدو أنه دخل إلى دائرة المجهول بانتهاء فترة الاستحقاق الرئاسي، وكأن لبنان يسير في طريق التدويل وفقد هويته وعروبته.. فقد تصدعت المؤسسات الدستورية للدولة، وحدث فراغ سياسي، ووجد لبنان نفسه لأول مرة في تاريخه بلا رئيس، ونتيجة للخلافات العربية فإن أمريكا وأوروبا تحتكران الوصاية على لبنان.
إننا نودع هذا العام والوطن العربي على كف عفريت ـ كما يقولون ـ ونستقبل عاماً جديداً، ونحاول أن نرسم بعض الأمل لهذا الجيل الذي على ما يبدو وسيظل يعاني على امتداد سنوات عمره أزمة الانفصام بين الأمل والواقع، وبين الحلم والحقيقة، وسيعيش مهموماً تؤرقه قضايا وطنه، يجري وراء آمال تتغير أمامه كالسراب، وينتظر أو ينشد تغييراً لا يأتي.
أما على مستوى آمال العام الجديد فربما تحدث صفقة بين الولايات المتحدة وإيران، ومن بوادر هذه الصفقة تقرير المخابرات الأمريكية الذي يبرّئ إيران من التخطيط لحيازة أسلحة نووية، إضافة إلى تحسن الأمن في العراق، واستضافة جامعة كولومبيا للرئيس أحمدي نجاد على هامش أعمال دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، واستضافته أيضاً في القمة الخليجية الأخيرة، وهذا لن يتم إلا برضا أو بعدم ممانعة أمريكية.
أما على المستوى الاقتصادي فإن الاقتصاد العربي مرتبط بالدولار الأمريكي، في الوقت الذي يشهد فيه الدولار انخفاضاً في سعر الصرف.. وهذا يعني أن القدرة الشرائية الدولية لإيرادات الدول العربية النفطية المقدّرة بالدولار ستتعرض للتراجع، وهنا ستكون الدول العربية أمام خيارين: الخيار الأول إما فك الارتباط مع الدولار وتسعير الصادرات العربية من النفط باليورو لضمان استقرار القدرة الشرائية الدولية لعوائدها.
أما الخيار الثاني؛ فهو الاستمرار في الارتباط بالدولار والبقاء أسرى للسوق الأمريكية تحت سطوة الدولار المترنح تحت مبرر المخاوف السياسية والولاء السياسي غير المقبول للولايات المتحدة الأمريكية التي تقف دائماً ضد المصالح العربية في فلسطين والعراق والسودان.
نستقبل العام الجديد وقد زاد عدد أغنى أغنياء العرب، كما تضاعفت ثرواتهم، وفقاً لقائمة "أربيان بيزنيس" الصادرة هذا الاسبوع من 24 ثرياً يملكون 8،111 مليار دولار، إلى 50 ثرياً بلغت ثرواتهم 236 مليار دولار، وبلغ عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر 72 مليوناً أو تطحنهم البطالة أو يشكون من أمراض سوء التغذية وعددهم 32 مليوناً، فما الجديد في العام الجديد يا ترى؟!.
عن الجمهورية
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5327.htm