مطهر تقي - كان تحقيق إعادة الوحدة اليمنية بعد 160 عاما من الفرقة اليمنية لأبناء الوطن الواحد حلم كل أبناء الوطن الواحد والشعار الأقوى لكل الرموز والقوى السياسية عبر عشرات السنين ابتداء من موقف الإمام يحيى حميد الدين الرافض للاحتلال البريطاني والمطالب بإعادة اللحمة اليمنية وانتهاء بعبدالفتاح إسماعيل الذي أصر على إعادة الوحدة حتى بقوة السلاح.
والملاحظ أن بعد زلزال ربيع 2011م حاولت بعض القوى السياسية المناوئة لعلي عبدالله صالح وحكمه أن تعيد كتابة تاريخ ما قبل وبعد 1990م بصورة لا تخلو من التزوير أحيانا ومحاولة تغيير وقائع ما حدث بالضبط اوقات أخرى هدفا منها النيل من علي عبدالله صالح ورمزيته بالرغم من أن حدث تحقيق الوحدة اليمنية أعظم بكثير من الأشخاص وزمانهم.. صحيح أن علي عبدالله صالح كان سبباً رئيساً لتحقيق الوحدة مع علي سالم البيض إلا أنه لا يملكها وهذا يعني أنه يجب تنزيه منجز الوحدة من الكيد والكذب السياسي خصوصا والذاكرة مازالت لدى الكثير ممن شاركوا في صنع ذلك المنجز العظيم وعاشوا ذلك الفرح الاستثنائي تحتفظ بأدق التفاصيل عن ذلك الحدث الكبير في حياة شعبنا ويحتفظون بالوثائق التي أتمنى أن تكون مرجعا للأجيال القادمة لتعرف حقائق ومعطيات ذلك الحدث.
فبعد عشرين عاما من مباحثات الوحدة وقيام حرب أولى وثانية بين الشطرين توافرت ظروف سياسية عالمية ومحلية عجلت باتفاق حكومة الشطرين على إعادة تحقيق الوحدة أولى تلك الظروف انهيار الاتحاد السوفييتي الداعم الرئيسي (بالمال والسلاح) للنظام الاشتراكي في الشطر الجنوبي من الوطن فوجد الرفاق أنفسهم في ضائقة مالية وسياسية وفرقة سياسية واضحة نتيجة أحداث يناير 86 الدامية التي كانت آثارها مازالت تخيم على الوضع السياسي في الجنوب وكان الشطر الشمالي بزعامة علي عبدالله صالح في أوج نجاحاته السياسية والاقتصادية يضغط للإسراع بتحقيق الوحدة بل يعلن علي عبدالله صالح في خطاب شهير للقوى السياسية في صنعاء بقوله: انا سأتوجه إلى عدن لتوقيع اتفاق الـ30 من نوفمبر فمن كان من القوى السياسية في صنعاء وحدويا فليأتِ معي (كان حزب الإصلاح يعارض إقامة الوحدة) وهنا انقسم الحزب الاشتراكي بين مؤيد لتحقيق الوحدة الاندماجية الفورية الكاملة مع الشمال (بقيادة علي سالم البيض) تحت ضغط الوضع الاقتصادي الصعب في عدن الذي وصل حد عدم قدرة الدولة على صرف رواتب الموظفين لثلاثة أشهر مضت وديون على الدولة بلغت أكثر من 5 مليارات دولار أغلبها للكتلة الاشتراكية وفريق آخر بزعامة العطاس والسيلي يرى أن تتم الوحدة على مراحل إلا ان الزيارة التاريخية لعلي عبدالله صالح إلى عدن في نوفمبر 1989م رجحت كفة علي سالم البيض الذي وافق على الوحدة الاندماجية وعلى الاستفتاء على الدستور على أمل لدى فريق من صقور الحزب ان يتم للحزب الاشتراكي السيطرة على الشمال والجنوب من صنعاء ظنا من ذلك الفريق بقدرة الحزب على ذلك.
وبالفعل يتم تحقيق الوحدة بعد ستة اشهر من التوقيع على اتفاقية الثلاثين من نوفمبر في لحظة زمنية فارقة لن تتمكن القوى الإقليمية المهيمنة على المنطقة ممثلة بالسعودية من إيقاف عجلتها بالرغم من المحاولات المستميتة لوزير الخارجية السعودي وكذلك وزير المالية السعودي اللذين حاولا وضع كل المغريات المالية والعسكرية مقابل وقف ما تم الاتفاق عليه إلا ان الحزب الاشتراكي بقيادة علي سالم البيض رفض تلك المتغيرات.
و من الأكيد ان شهر عسل الوحدة قد انتهى بعد انتخابات 1993 وما أفرزته من نتائج جعلت الحزب الاشتراكي الذي تفاجأ بمرتبته الثالثة بعد المؤتمر والإصلاح أن يعيد حساباته مع الوحدة كذلك ما حصل من احتكاكات وخلافات بين مسئولي الدولة وبالذات بين صقور الطرفين قد أوجد مناخا مناسبا للقوى المناهضة للوحدة وعلى رأسها السعودية ان تزيد من احتقان الوضع بجملة من المؤامرات الأمنية وخلق أجواء تنافر بين قيادات الدولة فبعد محاولة رأب الصدع المتمثل في التوقيع في عمان الأردن على وثيقة العهد والاتفاق على عودة النائب لمزاولة عمله في صنعاء إلا أن المفاجأة أن نائب الرئيس على سالم البيض بدلا من عودته إلى صنعاء ذهب إلى الرياض ومن هناك عرج إلى واشنطن دون علم رئيس الدولة ثم عاد إلى عدن للاعتكاف لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الرياض وواشنطن بالإعداد لإعلان الانفصال بعقد صفقة السلاح مع إحدى دول الاتحاد السوفييتي السابق لطائرات ميج 29 وكمية مهولة من السلاح دفعت السعودية ثمنها كما قامت دولة الإمارات بالجانب الإعلامي والتعبوي للانفصال وكان حصار الامن المركزي في عدن والقضاء عليه وترحيل ما بقي منهم إلى المهرة كذلك تحريك لواء باصهيب في ذمار بقيادة جواس وقصفه عدداً من المواقع في المدينة واحداث عمران يوم 27/4/1994م كانت كلها مقدمة وإيذاناً بالهجوم الجوي لطائرات الحزب فجر يوم 4/5/1994م على مطار صنعاء وإعلان الحرب من إذاعة عدن صباح ذلك اليوم وهكذا بدأت حرب 1994م بخطة وتمويل سعودي في المقام الأول وكأن السعودية التي تفاجأت في غفلة من امرها بيوم تحقيق الوحدة في 22 مايو استطاعت بسبق الإعداد والتمويل للانفصال بقيادة علي سالم البيض ان تصلح مسار سياستها نحو اليمن حتى وصلت إلى مرحلة الإعداد للاعتراف بالانفصال بدعوتها وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي للاجتماع في قاعدة خميس مشيط يوم 4 يوليو 1994 والذي أصدر قرار اعتراف دول الخليج بالانفصال الذي أعلنه علي سالم يوم 21/5/1994م وكان المقرر أن يعلنه وزير الخارجية السعودي لولا قيام وزير الخارجية القطري بإبلاغ وزراء الخارجية الخليجيين بنبأ دخول قوات الشرعية مطار الريان في حضرموت وهروب علي سالم البيض إلى عمان مما ألجم وزير الخارجية السعودي عن قراءة بيان الاعتراف واكتفى بدلا عنه بالتمني للشعب اليمني بالاستقرار.
ثم كان دخول القوات الشرعية عدن يوم 7/7/1994 وانتهت بذلك محاولة الانفصال بقيادة علي سالم البيض الشريك لعلي عبدالله صالح في إعادة تحقيق الوحدة.
ومن المؤكد انه كان بإمكان قيادة الوحدة تجاوز الكثير من الإشكالات والتحديات التي واجهت السنوات الثلاث الأولى للوحدة لو انها غلبت المصالح العليا لليمن على الرؤى والحسابات لكل فريق وفوتت الفرصة على التدخل الخارجي لمحاولة إجهاض الوحدة ومنع اندلاع حرب 1994م.. كذلك كان بإمكان علي عبدالله صالح بعد حرب 1994 ان يعيد بناء الدولة على أسس أقوى وامتن مع شرفاء الوطن الوحدويين ويتجاوز حرب 1994 بجملة من الإجراءات التي اهمها جبر الضرر عن كل من تأثر بالحرب وعدم تسليم أمور المحافظات الجنوبية بعد 1994 إلى فريق الزمرة بقيادة نائبه عبد ربه منصور وهو الفريق الذي قام بالانتقام من الطغمة واستولى على منازل قياداتها كذلك أراضي الدولة ودخل معهم عدد من متنفذي المحافظات الشمالية من ضباط ومشائخ ليشاركوا الزمرة في مغانم الفيد ويسيئوا إلى الوحدة بممارسات انتهازية خاطئة كانت سببا رئيسيا في تشويه الوحدة ومقاصدها النبيلة.
وشعبنا اليمني الجريح المعتَدى عليه وقواه السياسية تتقاتل وتتناحر فيما بينها.. والمواطن المغلوب على امره والمحتل اجزاء من وطنه يحتفل بالعيد الثامن والعشرين من مايو.. هنا يثار سؤال مهم: هل بإمكان القوى السياسية اليمنية بعد أربع سنوات من العدوان والتناحر أن تنحاز إلى شعبها وتخرج اليمن من محنته بتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وتحرير الأرض من الهيمنة السعودية الإماراتية وتحافظ على وحدة الأرض اليمنية بعيدا عن الأقلمة المشبوهة المفروضة إقليميا.. ويتعلم الجميع من تجارب الأمس وتعويض شعبنا بزمن مشرق آمن؟.
أسأل الله أن يعجل بذلك الزمن.. وليس ذلك على الله بعسير.
|