بدر بن عقيل -
قال الحق تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) صدق الله العظيم
إن الشيخ الراحل عبدالله بن حسين الأحمر, واحد من رجال, إن لم يكن من أبرز رجال, الحل والعقد في اليمن.. ففي كل المراحل والمنعطفات التي مرت بها بلادنا كان دوره حاضرا وساطعا.. وصوته مسموعاً وبوضوح .. وحكمته، ورجاحة عقله مطلوبة، قال الشاعر:
إن الحكيم إذا ما فتنة نجمتْ
هو الذي بحبال الصبر يمتسكُ
وإذا رأيتم الرجل صموتاً، وقوراً، فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة ولهذا كان الشيخ عبدالله مثالا للحكمة والاعتدال والمجادلة الحسنة في كثير من القضايا الوطنية، وذات يوم قال فخامة الأخ علي عبدالله صالح, رئيس الجمهورية "الشيخ عبدالله أكبر من الأحزاب، وهو من ثوابت الحياة السياسية في اليمن".
ذلك أن الشيخ عبدالله ليس مجرد رئيس للتجمع اليمني للاصلاح, والتمترس خلف الحزبية, ولكنه من الرموز الوطنية ذات الرصيد النضالي الكبير المستمد حكمته لما فيه المصلحة العامة ومصلحة الوطن في نضاله في الدفاع عن الثورة والجمهورية، والعمل من أجل الوحدة والاسهام في تعزيز الديمقراطية وخبراته في الحياة النيابية، نعم هو أكبر من هذا الحزب أو ذاك.. وقاسم مشترك بين الجميع.
والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر ونظراً لما يتمتع به من نفوذ وصلات اجتماعية واسعة في مختلف انحاء اليمن هو رجل المشورة الأول.. وقد ارتبط بها في حياته ارتباطاً وثيقاً وباعتبار الشورى من أهم أهداف الثورة اليمنية الخالدة، فقد انتخب في عام 1969م رئيساً للمجلس الوطني للجمهورية العربية اليمنية الذي تولى صياغة الدستور الدائم للبلاد، وتأسيس قاعدة الشورى التي يقوم عليها النظام الجمهوري.
وفي عام 1970م تم انتخابه رئيساً لمجلس الشورى والذي جسد تجربة شوروية متقدمة في ذلك الحين.. وعند تأسيس المجلس الاستشاري عام 1979م عُيِّن عضواً فيه.. وبعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة انتخب في عام 1993م رئيساً لأول مجلس للنواب منتخب في الجمهورية اليمنية ثم أعيد انتخابه للمرة الثانية في عام 1997م كما أعيد انتخابه للمرة الثالثة في عام 2003م رئيساً لمجلس النواب.. وجاءته المنية وهو ما زال يشغل هذا المنصب والذي أجاد وباقتدار كبير رئاسته وإدارته تحت قبة البرلمان اليمني، وكان محط اعجاب وتقدير الجميع.
لقد كان الأمر الشوروي في حياة الشيخ عبدالله الحافلة بالعطاء يستمد وهجه من مخزون ونبع الحكمة التي تشبع بها.. ومن منطلق من شاور الناس شاركها في عقولها، وكان لسان حال اليمنيين يقول مع الشاعر بشار بن برد:
إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن
بعزم نصيح أو مشورة حازم
ولا تحسب الشورى عليك غضاضة
فإن الخوافي قوة للقوادم
وكان الأمر الشوروي في حياته يمثل لليمن, أرضاً وإنساناً, حصنا حصينا من الندامة وأمنا واطمئنانا من الملامة وولوجا للرسو على بر الأمان.
ولا شك أنه رجل جمع في حياته بين ثلاثية (النضال، والحكمة، والشورى) ووضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح والنظرات الضيقة، فكان له ان يحتل مكانة رفيعة في قلوب اليمنيين وأن تشكل لحظة رحيله إلى جوار بارئه خسارة كبيرة.
ولكن يظل عزاؤنا في هذا الإرث الجميل الذي تركه وسجله بأحرف من نور في صفحات التاريخ اليمني الحديث والمعاصر.. إرثا نتعلم منه المحبة والفداء للوطن، والتمسك بثوابته الوطنية، وعدم التفريط في مكاسبه ومنجزاته.. والاستلهام منها وأخذ الزاد لتحقيق المزيد والمزيد وعلى مختلف الأصعدة.
ولعل تلك الشهادة التي قالها بحقه المشير عبدالحكيم عامر، ستظل تتردد في أعماقنا.. لقد قال عنه: "أنت المكافح الغيور على مصلحة وطنك وأمنه".
*عن الثورة