د.عبدالقادر مغلس -
رحل عن دنيانا الفانية فقيد اليمن الكبير الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر مخلفا وراءه سفرا عظيما من المآثر والأعمال الخالدة التي قدمها في سبيل نهضة وتقدم ورفاه الوطن والشعب. وبرحيله فقد خسر الوطن عميد الأسرة اليمنية الكبيرة وحكيمها الذي لا يبارى وابنها البار وداعية الخير والمحبة والسلام الذي كان خلال الفترات العصيبة التي مر بها الوطن الأب الحنون لكل اليمنيين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية او الفكرية.
فقد عرفته الساحة اليمنية سياسيا محنكا وشيخا حكيما وبرلمانيا مجربا ومصلحا اجتماعيا ذا حس متجرد ورفيع يغلب المصلحة الوطنية على ما دونها من مصالح.
وهاهي سحائب الحزن والأسى تلف سماوات وأراضي الوطن الحبيب لرحيله. وهاهي العيون تغرق بالعبرات الباكية لأفول هذا العملاق اليماني الذي شكل رحيله خسارة فادحة لأبناء اليمن جميعا دون استثناء.
وتعود بي الذاكرة الى مطلع تسعينيات القرن الماضي بعد تحقيق الوحدة حين كان الوطن ساحة مفتوحة للأزمات السياسية بفعل التعبئة الخاطئة ومخلفات الحرب الباردة التي كانت تعشعش في النفوس, وكانت في تلك الفترة استراحة صحيفة الجمهورية – التي كنت اعمل بها- بتعز تعتبر محطة (ترانزيت) تلتقي فيها النخب السياسية والإعلامية التي كانت تسافر من عدن الى صنعاء أو العكس.
وكان منتداها الفكري والثقافي الذي أسسه الأستاذان والصحافيان الكبيران محمد عبدالرحمن المجاهد وعلي ناجي الرعوي رئيس تحرير صحيفة الثورة ملتقى لتلك النخب بصفة شبه يومية.
وكان الأستاذ/عبدالباري طاهر – رئيس تحرير صحيفة الثوري حينذاك- احد ضيوف استراحة الجمهورية متكئا – لم يكن يتناول القات يومئذ- في احد اركانها, فاخذ سماعة الهاتف ليجري اتصالا بالشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر الذي كان ينزل في مقر القصر الجمهوري بتعز برفقة كبار القيادات السياسية اليمنية, وتبادل معه حديثا اخويا ووديا تطرقا فيه لقضايا الوطن وهمومه السياسية والحزبية.
تملكتني الدهشة حينذاك وأنا استرق سمع ذلك التواصل الحميمي الذي كان يجمع الشيخ الفقيد مع خصومه السياسيين في وقت كان فيه بعض فقهاء الإصلاح يحرمون الكلام والسلام مع أعضاء التيار اليساري.
وتساءلت في نفسي لماذا لا تتواصل قواعد الأحزاب السياسية مع بعضها البعض كما تفعل قياداتها, ولو فعلت ذلك لكان الوطن قد تجنب الكثير من الويلات والصدامات الدامية.
كان الفقيد الراحل يؤمن بالحوار مع الآخر ويقبل بالرأي الصائب حتى وان كان مصدره احد الخصوم. وأتذكر موقفا جمع الفقيد الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر وهو رئيس لمجلس النواب مع فقيد الصحافة الأستاذ/ عبدالله سعد يرحمهما الله في احد المؤتمرات الصحافية حيث وجه الفقيد عبدالله سعد الذي كان يعمل رئيسا لتحرير صحيفة الشورى سؤالا للشيخ الفقيد الذي رفض حينها اتاحة الفرصة او طرح السؤال لأنه لم يكن مرتاحا للتوجه السياسي للصحيفة وللحزب الناطقة باسمه, فقال له بن سعد: الله حاور ابليس يا شيخ عبدالله وأنت ترفض حواري والاستماع لسؤالي. كانت نباهة فقيد الصحافة عبدالله سعد سببا لتراجع الشيخ الفقيد عن رأيه فقبل سؤاله بصدر رحب وابتسامة عريضة.
ان التأريخ لن ينسى الأدوار العظيمة والتضحيات الجسيمة التي قام بها الفقيد من اجل بناء يمن معاصر وحديث وكذلك دوره البارز في سبيل تعزيز التجربة الديمقراطية لبلادنا من خلال ترؤسسه للمؤسسة التشريعية لاكثر من مرة. حيث كان له دور رائد في تعزيز مداميك العملية الديمقراطية منذ سبعينيات القرن الماضي. وستظل بصماته واضحة وبارزة في صنع تأريخ اليمن الحديث والمتمثلة بالتضحيات التي قدمها في سبيل الثورة والجمهورية والوحدة والتي لن ينساها التأريخ أبدا.
ولن تنسى الأجيال اليمنية المتعاقبة كذلك تلك القامة المديدة والهامة العظيمة التي وظفت كل ما تمتلك من جهود في سبيل تحقيق السلم الاجتماعي والاستقرار وتجنيب الوطن ويلات الصراع والاقتتال والتشرذم.
كان الفقيد رحمه الله طيب القلب كريم الطباع دافئ المشاعر على حد تعبير فقيد الصحافة الكبير وعضو مجلس النواب الأستاذ/ عبدالحبيب سالم مقبل يرحمه الله. فقد كان يكره العنف واللجؤ الى القوة. وكان يتملكه شعور أبوي تجاه كل أبناء الوطن.
لقد رحل الفقيد جسدا وستبقى سيرته مواقفه الوطنية تعطر أرجاء وزوايا وأركان الوطن بذكراها وذكرياتها الطيبة. فأمثال الفقيد لايمكن بأية حال نسيانه او تناسيه. فقد صار ذكره ملازما لخارطة اليمن. ولايمكن الفصل البتة بين الفقيد وتضاريس وتكوينات اليمن الواحد.
رحم فقيد الوطن الكبير الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر واسكنه فسيح جناته والهم أهله وذويه الصبر والسلوان. وانا لله وانا اليه راجعون.
* جامعة تعز