عادل غنيمة - تتمثل اهمية موقع البحر الاحمر الاستراتيجية والحيوية باعتباره اقصر واسرع ممر بحري بين دول الشرق ودول الغرب ووقوعه بين ثلاث قارات لاسيما بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م كما زادت اهميته بعد اكتشاف نفط الخليج والذي يمثل 60٪ من احتياطي النفط العالمي ويمثل البحر الاحمر الشريان الاقتصادي الذي تمر منه 10٪ من حركة التجارة العالمية وبعدد عشرين الف سفينة سنويا سواءً أكانت من الصين واليابان ودول شرق آسيا لافريقيا واوروبا او من دول اوروبا وامريكا لدول آسيا وافريقيا.
وتطل على البحر الاحمر ثمان دول هي اليمن والسعودية والاردن وفلسطين من اسيا ومصر والسودان وارتيريا وجيبوتي من افريقيا حيث تشير الدراسات بأن اطوال سواحل البحر الاحمر شرقا وغربا4910كم بينما اطول عرض للبحر الاحمر410كم واقصر عرض له 19كم في مضيق باب المندب وتقدر بعض الدراسات مساحة سواحل السعودية بـ1890كم وبنسبة 33٪ ومساحة سواحل مصر على البحر الاحمر 1425كم وبنسبة 25٪ ونصيب السودان 717 كم وبنسبة 13٪ تقريبااما نصيب اليمن من مساحة سواحل البحر الاحمر 500كم وبنسبة 9٪ وجيبوتي40كم وبنسبة 7٪ والاردن 17كم وبنسبة 5٪ وفلسطين 11كم وبنسبة 2٪ بينما تقدرمساحة سطح البحر الاحمر بحوالي 473الف كم.
واهمية البحر الاحمر الاقتصادية والعسكرية تتمثل في وجود جزره المتناثرة على سطحه حيث تمتلك اليمن جزراً مهمة وكبيرة القريبة من مضيق باب المندب ومنها جزر حنيش الكبرى والصغرى وجزيرة زقر وجزيرة كمران والعديد من الجزر الصغيرة التي يمكن ان تستثمر كمنتجعات سياحية كما تمتلك الدول المطلة على البحر الاحمر عدة جزر مهمة مثل جزر دهلك الارتيرية القريبة من مضيق باب المندب التي تتواجد فيها اسرائيل بسفنها وطائراتها واجهزة الرصد لحركة الملاحة في باب المندب وجزيرة سواكن السودانية التي تم تأجيرها كقاعدة لتركيا.
بالتالي يعتبر البحر الاحمر بقواعده العسكرية وجزره ممراً عسكرياً مهماً تسلكه القوى الدولية لتحريك قواتها بين قواعدها العسكرية المختلفة والمنتشرة حول العالم وايضا تحريك اساطيلها الى مناطق النزاع ونتيجة لذلك اصبح البحر الاحمر هدفا بحد ذاته للقوى الدولية للسيطرة عليه وعلى سواحله وموانئه وجزره سلما اوحربا وذلك من خلال اقامة القواعد العسكرية بحجة حماية طرق الملاحة البحرية في المنطقة وحماية حركة التجارة العالمية من اعمال القرصنة وكذلك استخدام القواعد في الحرب على الارهاب كما تدعي امريكا ودول الغرب وايضا تتواجد الاساطيل الحربية بحجة مراقبة بؤر التوتر في المنطقة لاسيما منطقة الخليج التي تمثل مصلحة حيوية للولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب وكذلك أمن اسرائيل الذي يمثل إحدى المصالح الامريكية في المنطقة.
معا العلم أن البحر الاحمرتتواجد فيه عدد كبير من القواعد العسكرية للقوى الدولية الامريكية والفرنسية والبريطانية والسعودية واليابانية والصينية في جيبوتي والاسرائيلية والاماراتية في ارتيريا والتركية في السودان والصومال والاماراتية في الصومال كما تحاول الامارات وامريكا اقامة قواعد عسكرية في اليمن من خلال جزر البحر الاحمر واهمها جزيرة ميون ورغم نفي اريتريا وجود قواعد ايرانية او اسرائيلية في جزر دهلك إلا ان معهد واشنطن لدراسات الشرق الاوسط اكد وجود قاعدة اسرائيلية في جزر دهلك.
ولم تنفِ توقيع عقد مع الامارات لتأجير ميناء عصب لمدة 30عام كما وقعت جمهورية ارض الصومال عقدا مع الامارات لتأجير ميناء بربرة لمدة 30 عاماً والذي عارضته الحكومة الصومالية باعتبار ان حكومة ارض شمال الصومال غير معترف بها دولياً ويعتبر تأجير القواعد العسكرية في جيبوتي من اهم المصادر المالية للدولة حيث يؤكد مدى اهمية البحر الاحمر ومدخله مضيق باب المندب في العلاقات الدولية الاقتصادية والامنية والعسكرية والامن والسلم الدوليين بل ان بعض القواعد السكرية في جيبوتي هي القاعدة الوحيدة للدول خارج اراضيها مثل الصين واليابان وايطاليا.
بالاضافة الى ماتم ذكره من المصالح التي يمكن ان تحققها القوى الدولية من التواجد على سواحل البحر الاحمر وموانئه وجزره اقتصاديا وامنياً وعسكرياً، تشير الدراسات الى تواجد ثروات هائلة في باطن عمق البحر الاحمر الذي يصل اقصى عمق له الى 419متراً وهي ثروات معدنية وغازية ونفطية كما قامت السعودية بطرح مشروع نيوم في ارض تصل الى 500.26 الف كم والتي تقع شمال غربي المملكة وتطل على البحر الاحمر وخليج العقبه بمساحة 468كم ويتضمن المشروع اقامة جسر بحري يربط مدينة نيوم بدولة مصر وباقي قارة أفريقيا ويتوقع افتتاحه عام2025م ويتوقع ايضا توسعه الى الاردن ومصر باستثمار 500 مليار دولار واقامة منتجعات سياحية على اكثر من 50جزيرة طبيعية وعلى ساحل 200كم.. فهل توجد علاقة بين المشروع السعودي الكبير ومشروع طريق الحرير الصيني والسيطرة على سواحل وموانئ البحر الاحمر؟ والذي سيمر من البحر الاحمر حيث سيتم استثمار موانئه كمناطق حرة يتم فيها اقامة المدن الصناعية وتخزين البضائع الصينية كتجارة ترانزيت ويمثل منافسة اقتصادية لموانئ دبي والمشروع السعودي حيث تشير الدراسات الى ان عائدات مينائي الحديدة والصليف ستكون بحدود 40مليار دولار سنوياً وذلك يؤكد لنا اهتمام السعودية والامارات بالساحل الغربي للبحر الاحمر وموانئ اليمن وكذلك الاهتمام الامريكي بإقامة قواعد عسكرية في اليمن فمن يسيطر على البحر الاحمر يسيطر على خيرات وتجارة الشرق وافريقيا وينتصر في اي صراع عسكري مقبل ومالم يتم الاتفاق عليه بطرق تعاقدية ودبلوماسية بتأجير الموانئ والجزر فإن السيطرة العسكرية هي الحل من وجهة نظر دول التحالف ولذلك فإن معركة الحديدة تمثل اهمية استراتيجية للولايات المتحدة الامريكية باعتبار مايمثله الساحل الغربي وميناء الحديدة من اهمية عسكرية وامنية واقتصادية في مواجهة المشاريع الاقتصادية البديلة لاسيما طريق الحرير الذي سيمثل نقلة نوعية للاقتصاد الصيني المنافس القوي للاقتصاد الامريكي في ريادة الاقتصاد العالمي.
كما تتمثل اهمية البحر الاحمر عسكريا في تاءمين المصالح الحيوية الامريكية في منطقة الخليج وتأمين اسرائيل، وتعتمد امريكا على واردات النفط الخام من دول الخليج بنسبة 25٪ من وارداتها للطاقة وكذلك دول اوربا تغتمد على 60٪ من مصادر الطاقة من منطقة الخليج كما تعتبر امريكا ودول الغرب أن السيطرة العسكرية على موانئ البحر الاحمر وجزره تمثل اهمية عسكرية في حالة اندلاع حرب عالمية مع الدب الروسي والتنين الصيني وهو ما يفسر لنا التواجد العسكري للقواعد الامريكية والبريطانية والفرنسية في جيبوتي ومحاولة السيطرة على الحديدة والساحل الغربي اليمني من البحر الاحمر.. وكذلك السيطرة على مضيق باب المندب واقامة قاعدة عسكرية امريكية في جزيرة ميون حيث يربط البحر الاحمر بين قارات ثلاث كما يمثل اهمية للامن الاقليمي في الشرق الاوسط ومنطقة الخليج العربي والامن الافريقي والامن العربي وهو ما ادركته روسيا مؤخرا رغم تواجدها العسكري السابق في جنوب اليمن وسواحل ارتيريا (اثيوبيا) سابقاً فقد ادركت روسيا الاهمية الاستراتيجية للبحر الاحمر وحاولت اقامة علاقات سياسية وعسكرية وامنية مع النظام السابق في اليمن وحاولت استئجار قواعد عسكرية في اليمن ولم تنجح..
ولذلك عززت روسيا من تحالفاتها في المنطقة مع ايران ومصر والسودان ويمثل التحالف الروسي الايراني اهمية سياسية وعسكرية في مواجهة النفوذ الامريكي الغربي في البحر الاحمر ومنطقة الخليج حيث ترتبط ايران بعلاقات مميزة مع النظام السوداني والمصري وانصار الله المسيطر على سواحل اليمن في البحر الاحمر كما يتواجد الاسطول البحري الروسي في المياه الدولية لمضيق باب المندب والبحر الاحمر اسوة بكل الاساطيل البحرية المتواجدة في المياه الدولية للمضيق وللبحر الاحمر وهي الاسطول الايراني والفرنسي والبريطاني والتركي والمصري والسعودي وهي على مسافة من ساحل القرن الافريقي ومضيق باب المندب بحجة مكافحة اعمال القرصنة ومحاربة الجماعات الارهابية المتطرفة المنتشرة في دول المنطقة والتي قد تهدد امن وسلامة الملاحة الدوليين.
ختاماً.. اعتقد جازما أن الولايات المتحدة الامريكية لن تتراجع عن معارك الساحل الغربي والسيطرة عليه وعلى ميناء الحديدة وموانئ الساحل الغربي الا إذا ضمنت السيطرة بالطرق الدبلوماسية وتوقيع عقود طويلة الامد لاستثمار الموانئ اليمنية واقامة قواعد عسكرية تكفل لها السيطرة العسكرية على البحر الاحمر ومضيق باب المندب ولو تم ذلك عبر حلفائها وادواتها في السعودية والامارات وبعد ان تتم السيطرة العسكرية سيتم توزيع المكاسب الاقتصادية والامنية فيما بينهم كاستثمارات وقواعد عسكرية ومناطق حرة ومدن صناعية تكون عوائدها الاكبر للمستثمر الاجنبي والعائدات المحلية اقل بكثير ان لم يتم تعطيل العمل بها.. ولنا في ذلك تجربة مع موانئ دبي التي عطلت ميناء عدن عن العمل ولم تنفذ ماجاء في اتفاقية التشغيل كمنطقة حرة.
|