الميثاق نت -

الثلاثاء, 17-يوليو-2018
وليد علي غالب -
عندما يمنحك القدر شرف تسطير كلمات تليق بالعظماء سيما في زمن يندر فيه هؤلاء، فسيخالجك شعور أنك قد منحت منحة الخلود ؛ ذلك لانك سنحت لذاتك أن تقتبس من سنا نورهم، ولتصنع منك أمة تأبى الانحلال وترمي إلى مستقبل مشرق مليئ بالعطاء ومترع بالسلام.
لم أكن أدرك قيمة هذه المنحة حتى أفضى إلي مريض الفشل الكلوي بابتسامة رسمها على ثغره الاستاذ احمد سالم شماخ، ودمعة حزن اعتصرت قلب يتيم وأذكت روحه، فبددها (ابومحمد) بجزيل عطائه ونظرته الإنسانية الثاقبة التي تعبر -بمكنونها -عن رجل نذر ذاته ليكون أبا للجميع.
أعترف أني مهما كتبت فلن أستطيع أن أدعي الموضوعية لمحدودية قدرتي على التجرد عن مشاعر الاعتزاز والفخر، وحجم المحبة والود في كتابة هذه الشهادة عن العم احمد شماخ الذي لم يقتصر على العمل الخيري والانساني، ليكون- في ذاته- لغة إنسان تترجم معاناة ومآسي المواطن اليمني من خلال كتاباته التي تتغلغل إلى ناحية من نواحي نفسية العصر تغلغلا كشافا، فكتاباته سيمفونيات غضبى، ولكنها كالمأساة التي تنتهي إلى تطهير النفس، فيخلص كل من عرف شماخ إلى حقيقة واحدة هي "أن احمد سالم شماخ ليس مجرد رجل اعمال بل سفير المحبة في اليمن المعاصر"‮. ‬
لطالما بحثت- ببصيرتي القاصرة-للعظمة عن معنى يمكنني أن أراها من خلاله، فلم أجد لها في معاجم البشر وصنيعهم المعنى الذي ملأت به مشاعري هذه الكلمة، فلما أن منحت شرف معرفة شماخ، لاحت أمام ناظري بواطن العظمة وأغوارها، فالعظماء هم الذين لا يتباهون بأعمالهم ولا يتفاخرون‮ ‬بصنائعهم،‮ ‬وإنما‮ ‬هم‮ ‬الذين‮ ‬علموا‮ ‬كيف‮ ‬يتسللون‮ ‬إلى‮ ‬قلوب‮ ‬البشر‮ ‬بحسن‮ ‬أخلاقهم‮ ‬وجميل‮ ‬خصالهم‮ ‬؛‮ ‬فتراهم‮ ‬في‮ ‬مراكب‮ ‬البسطاء‮ ‬حيث‮ ‬يكون‮ ‬ملائكة‮ ‬الرصيف‮.. ‬يتفقدون‮ ‬أحوالهم،‮ ‬ويداوون‮ ‬جراحهم‮. ‬
فهو من سلالة حضرمية عظيمة ومناضلة وحكيمة واسرة علم وادب و ثقافه وسياسة قبل ان تكون اسرة تجارية عريقة ولعل انسانية هذه الاسرة الاصيلة وقيمها السامية وكرمها وعمل الخير واسعاد الآخرين هي تجارتهم الاصلية.
إن "الكلمة الطيبة "في قاموس الشيخ احمد سالم شماخ تعني " أنك وهبت إنسانا حياة جديدة مليئة بالحب والعطاء، حياة وقودها الامل، وربانها الرضا بقضاء الله".. وهذا جل ما تضمنته كافة الاديان السماوية بمبادئها وتشريعاتها، لا مبادئ أصحابها ومنتحليها.
وبعيدا عن احمد شماخ التاجر ورجل الاعمال نجد أن الفصل بين شماخ الانسان وشماخ الكاتب يعد ضربا من المستحيل، فهو حقا نسيج بديع ونادر من الموهبتين معا، إذ يتكامل فيه الكاتب والانسان فيغني أحدهما الآخر في منصة فيها مهيار الدمشقي وإدوارد سعيد، فلأحمد سالم شماخ صوته الخاص، صوت تتنبه به بين مئات الاصوات، إنه صوت من رأى رؤى وأحس بالمأساة، صوت يبحث عن الانسان ويزأر باسمه، ولشدة حبه للكتابة والفكر والتعبير عما يختلج في النفس، فقد خصص مساحة شاسعة من اهتماماته للصحافة والصحفيين في اليمن حتى تكاد تسمع هتاف الصحافة يملأ أذنيك‮:"‬لو‮ ‬كان‮ ‬لي‮ ‬أب،‮ ‬لكان‮ ‬أحمد‮ ‬سالم‮ ‬شماخ‮". ‬
أخيرا‮.. ‬لو‮ ‬كان‮ ‬للعظمة‮ ‬لسان‮ ‬لاخبرتنا‮ ‬أنها‮ ‬أنت‮ ‬يا‮ ‬شماخ،‮ ‬ولو‮ ‬كان‮ ‬للإنسانية‮ ‬عين‮ ‬لقالت‮ ‬تتبعني‮ ‬حيث‮ ‬يكون‮ ‬شماخ،‮ ‬فأنت‮ ‬عين‮ ‬الانسانية‮ ‬في‮ ‬وطن‮ ‬جرده‮ ‬الانسان‮ ‬إنسانيته‮. ‬
ليس هذا بغريب، فشماخ حوَّل لغة البارود التي أفزعت البشر إلى لحظة عناق تحتوي فيه إنسانيته مأساة الوطن، ليهبنا بذلك سعادة غامرة، ومنحة بأمل أن الوطن مازال بخير مادمتَ فيه وأمثالك ممن عرفوا أن الغاية من الحياة إسعاد بني البشر وتخفيف آلامهم..
عذراً أدونيس فمقولتك "إن الريح لا ترجع القهقرى، والماء لا يعود إلى منبعه، لا أسلاف له وفي خطواته جذور" هي سطحية المعنى أمام شخصية شماخ ومبادئه التي توحي بأن المنبع الذي فاض منه هذا الرجل عذب زلال وأن جذوره إنسانية الهوى والمهوى، تؤمن فقط بأن "ما تقدموا لأنفسكم‮ ‬من‮ ‬خير‮ ‬تجدوه‮ ‬عند‮ ‬الله،‮ ‬إن‮ ‬الله‮ ‬بما‮ ‬تعملون‮ ‬بصير‮". ‬يبدو‮ ‬اني‮ ‬نسيت‮ ‬ان‮ ‬اخبركم‮ ‬عن‮ ‬الكابتن‮ ‬احمد‮ ‬سالم‮ ‬شماخ‮ ‬العاشق‮ ‬الراقي‮ ‬للرياضة‮ ‬والمتيم‮ ‬بالنادي‮ ‬الملكي‮ ‬ريال‮ ‬مدريد‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:56 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-53861.htm