فتحي بن لزرق - يحكي لي موظف عجوز بوكالة أنباء عدن اللحظات الأخيرة التي عاشها "سالمين" ليلة مقتله.
قال الرجل كنت في بيتي حينما وصلت سيارة عسكرية وصعد الجنود إلى غرفة نومي وجروني بملابسي الداخلية صوب مكتبي..
انطلقت بنا السيارة إلى مقر الوكالة بالتواهي دخلت المكتب ووجدت قائدا عسكريا يطلب مني كتابة بيان سياسي وإعلامي يؤكد ان "سالمين" خائن وعميل وان جماهير الشعب تخلصت منه في سبيل بقاء شعلة الثورة متقدة وللحفاظ على الدولة من مندسيها.
حتى الساعة العاشرة من مساء 26 يونيو 1978م كان "سالمين" وطنيا وفذا وبعد منتصف الليل حولوه بجرة قلم إلى خائن وعميل ومندس واطلقوا الرصاص على جسده.
يقول "الرجل" :"على مكتبي تناثرت أوراق مشابهة لما كنت اكتبها والعرق يتصبب من جبيني، أوراق وبيانات كتبتها قبل ساعات فقط من كتابتي البيان الأخير وقلت فيها ان سالمين رئيس ووطني وصادق وها انا اكتب كلمات مغايرة..
كنا يومها في ساحة العروض في العام 2014م حينما حكى لي قصته هذه، وكانت الآلاف من الناس تحتفي بفعالية للحراك الجنوبي، ارتقى العشرات من الأشخاص وقالوا كلمات كثيرة عن الحرية القادمة والعدالة والمساواة والوطنية، كان الساسة يومها فقراء وضعفاء لكنهم وعدوا الناس بالكثير بالكثير الذي لم يأت قط.
لم يتخيل أي مخلوق ان يتحول دعاة الحرية والعدالة إلى ادوات ظلم فادحة بحق الناس.
قال الرجل وهو يخط بعصاه على الأرض :" أخاف يا ابني أنهم يكذبون علينا وان يسيروا على خطى السابقين، وغدا إذا امتلكوا الجزء اليسير من السلطة سيخوّنون من يختلف معهم وان نراكم وانتم تكتبون بيانات مشابهة لما كتبتها انا قبل..
افترقنا يومها ولم نتلق قط،علمت ان الرجل قتل برصاص الحرب الأخيرة في منزله بالتواهي..
ومنذ انتهاء الحرب الأخيرة والصراع الجنوبي ومع كل حالة تأزم جديدة تذكرت حديث الرجل وكلامه الطويل الطويل الطويل..
سألت نفسي كثيرا كثيرا :" لماذا تسود ثقافة التخوين في الجنوب ؟ ولماذا يلجأ كل طرف لتصفية الطرف الآخر مع ابسط اختلاف.
منذ انتهاء الحرب والجنوب وعدن يعيش حالة تخوين ضخمة كل من أراد قتل الثاني ونهبه وتدميره قال عنه خائن وعميل ومندس ضد الثورة التي حولوها إلى ساحة استرزاق ضخمة.
ومنذ انتهاء الحرب ومع كل احتراب جنوبي جنوبي تعود إلى الواجهة ذكريات الماضي الأليم وأفكارها وكل أحداثه واحداً تلو الآخر..
في العالم اجمع لاتكرر التجربة الفاشلة مرتين إلا في جنوب اليمن، والجنوبيون وحدهم من سلم رقابهم ذات يوم بعد الاستقلال إلى شلة من الطائشين.. واليوم نفس الشلة الطائشة تحاول ان تعيد مسلسل الدم والاحتراب بدعوى هذا خائن وهذا إصلاحي وهذا عميل.. و.. و.. و..
في الحرب الأخيرة 28 يناير قبلها بأيام عزم قائد عسكري من الطرف (أ) القائد العسكري من الطرف (ب) للغداء في منزل الأول وبعدها بيومين كانت أطقم الطرف (ب) تحاصر المنزل الذي تناولوا فيه الغداء وتطلق النار عليه.
اتصل الأول بالثاني وقال له :" خاف الله ياخي أكلنا عيش وملح قبل يومين.
رد عليه الثاني :" والله يا أخي مافي بيني وبينك شيء وانت تعرف انك لاخائن ولا اصلاحي ولايحزنون لكنها أوامر وان لم ندقك لجابوا غيرنا يدقك ثم إني علمت انك خارج المنزل وأي ضرر انا ملزم لك فيه بعد ماتهدأ الأمور.
قناعتي التامة والأخيرة ان "عدن" لن تقوم لها قائمة طالما وفيها من لديه استعداد ان يقتل أخاه فقط لأنه تلقى امرا بذلك أو تمويلا لان يفعل ذلك.
عدن ساحة ارتزاق كبيرة جدا وكل الشعارات التي ترفع فوق طاولة الارتزاق هذه كاذبة، الجنوب وقضيته ومطالب الناس الحقوقية والسياسية ليست لها أي صلة بما يحدث.
في عدن حاليا لايوجد خائن ووطني لدينا شاقي وشاقي يناطحون بعضهم.
اسأل الله ان ينجي عدن وأهلها من كل فتنة، أما الإخوة الشماليون فأقول لهم، انتم لاوجود لكم في عدن حاليا لكنكم عما قريب ستعودون حاكمين للجنوب وعدن لان أهله وللأسف الشديد لم يتعلموا دروس التاريخ وكل من ملك طقماً أو طقمين ظن أنها فرصته لقشط الآخر لذلك سيعود الجنوب إليكم هذه المرة خانعا ذليلا والسبب ان الماضي يعود بكل مساوئه إلى الواجهة مجددا.
ولأبناء الجنوب اقولها عن نية صادقة ابحثوا عن أي مخرج حقيقي لكم بعيدا عن "الانفصال المباشر" لان هذا الخيار لن يجلب لكم إلا الدمار كل 4 أشهر وسيترككم العالم تقتتلون حتى قيام الساعة.. ابحثوا عن فيدرالية عن أي حل سياسي وان كان انفصالاً فليكن تدريجياً طويل الامد، أما بهذه الوجوه فابشروا بمقابر لا اول لها ولا آخر.
|