طه العامري - بعد أشهر من التباكي الغربي _ العربي _ التركي وحتى الصهيوني على مدينة أدلب العربية السورية والتحذير من اقتحامها والتلويح بالويل والثبور ضد دمشق إنْ هي اتجهت نحو أدلب لتحريرها وتطهيرها من العناصر الإرهابية المدججة بالأسلحة النوعية التي بعضها لا تملكه دول - ذات سيادة ترتبط بعلاقات تاريخية مع دول الترويكا الغربية وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية _ وتمتلكه العصابات الإرهابية التي تم تكليفها من قبل أجهزة الاستخبارات الغربية والأمريكية وبتمويل من أنظمة _ العهر العربية _ على تدمير سوريا وتحقيق أهداف جيوسياسية للدول الراعية للإرهاب في سوريا وفق نظرية الاحتواء المزدوج أو الفوضى الخلاقة وهذا ما راهنت عليه واشنطن منذ غزوها للعراق عام 2003م..
التباكي الغربي والتركي على أدلب اتضح جليا اليوم أنه تباكٍ مصطنع وزائف ومخادع فلا الرحمة هبطت على قلوب المسئولين الغربيين وخاصة بريطانيا وأمريكا ولا النخوة تفجرت فجأة لدى بعض العرب أو صحت ضمائرهم الميتة فجأة..
بيد أن دافع التباكي والنواح على أدلب افتضح بطريقة درامية خلال أعمال جلسة مجلس الأمن الدولي الجمعة الماضية والتي دعت إليها واشنطن وبكت أو تباكت خلالها لندن على أدلب ومواطني أدلب ومثلها فعلت باريس..
جلسة مجلس الأمن تزامنت مع قمة ثلاثية في طهران أطرافها كل من روسيا الاتحادية وإيران وتركيا باعتبار هذه الدول هي الدول الضامنة وفق اتفاق (استانا) وتسعى تركيا للحيلولة دون قيام الجيش العربي السوري بتحرير أدلب وتطهيرها من الجماعات الإرهابية المسلحة خاصة وأدلب تعد آخر معاقل الجماعات الإرهابية في سوريا وهنا تكمن مشكلة الدول الراعية للإرهاب في سوريا والممولة والحاضنة لها والذين يتمثلون في أمريكا والغرب وتركيا وأنظمة العهر العربي في الخليج..
واشنطن التي دعت الى عقد جلسة لمجلس الأمن متزامنة مع قمة طهران سعت من خلال هذه الجلسة الى إرسال رسائل سياسية مبطنة لا تخلو من التهديد والوعيد لدمشق وجيشها وصلت حد قيام مندوبة بريطانيا في مجلس الأمن بالتخلي عن اللغة الدبلوماسية المتعارف عليها في هذه المحافل وتحدثت بلغة (سوقية) حين أشارت لقادة الفرق العسكرية في الجيش العربي السوري الذين تقع عليهم مهمة تحرير محافظة أدلب وأطلقت تهديدات مباشرة بحقهم متوعدة بملاحقتهم إن هم قاموا بواجبهم الوطني في الدفاع عن وطنهم وشعبهم..في المقابل كان اردوغان في طهران يستجدي ويتوسل قراراً بوقف إطلاق النار في أدلب وهو الأكثر من أن يدرك أن الجماعات المسلحة لن تلتزم به ولن تحترم هكذا قرار ولو صدر عن مجلس الأمن نفسه.. دافع تركيا قد لا يختلف عن دوافع الأنظمة الأخرى التي جعلت من جلسة مجلس الأمن جلسة نواحاً وتباكياً على أدلب وأهلها والأمر لم يكن كذلك مطلقا فليس هناك من هو حريص على سكان أدلب وأهلها أكثر من الدولة العربية السورية والجيش العربي السوري وبدافعٍ من هذا الحرص تحرك الجيش العربي السوري نحو أدلب لتحريرها من العصابات الإرهابية التي تجمعت إليها من كل أنحاء سوريا وبالتالي غدت أدلب آخر معاقل هذه العصابات الإرهابية والتي تضع رعاتها وداعميها ومموليها أمام تحدٍ حقيقي هم أعجز حاليا عن مواجهته او تحمل تبعاته وتداعياته..ففي أدلب وفق إحصائية أولية قرابة (50 ألف إرهابي) ينتمون لعدة مسميات أبرزهم (النصرة او جيش الشام) وما يسمى بـ(الجيش الحر) وفي حالة هجوم الجيش العربي السوري فإن هؤلاء يبحثون عن ملاذات آمنة لهم ويضغطون على رعاتهم باتجاه إيقاف تقدم الجيش العربي السوري او البحث عن مخارج لهم..إذا أي دولة من الدول الراعية سواء عربية او غربية او حتى تركيا مستعدة لاستقبال جلهم أو بعضهم على أراضيها او تقبل حتى مجرد مرورهم عبر أراضيها وهذا ما اضطرت مندوبة فرنسا داخل مجلس الأمن الدولي للتلميح إليه خلال كلمتها في الجلسة..؟!
لقد برزت مشكلة الجماعات المسلحة في سوريا منذ عدة أشهر وكأنها كابوس يقض مضاجع الدول الراعية والحاضنة والممولة والتي تقع عليها مسئولية الوفاء لهذه الجماعة وحمايتها بأي طريقة خاصة وهناك صعوبة في إعادة تمركزها داخل سوريا او في العراق وهناك صعوبة أكثر في استقبالها في دول الخليج او في تركيا والدول الغربية لما يعني هذا من قلق دائم ستعاني منه أي دولة تغامر وتقبل باستضافتهم ولهذا يراد أن تبقى إدلب مسرحاً لهم وجعلهم بمثابة ورقة ضغط رابحة بيد العواصم الغربية لابتزاز دمشق من خلالها وهذا ما لا يمكن حدوثه فحدث التباكي الذي تابعناه في جلسة مجلس الأمن وقبله تابعنا سلسلة من التصريحات والتهديدات تجاه دمشق صدرت عن واشنطن ولندن وباريس وفيها قصص الكيماوي الذريعة التي لم تعد مقبولة او مصدقة من قبل الرأي العام لكنها الوقاحة التي لا تضاهيها سوى وقاحة القادة الغربيين وهم يتحدثون عن ادلب والوضع في سوريا طيلة الأشهر القليلة الماضية والتي كانت تظهر هؤلاء القادة بحالة هيجان عاطفي ومشاعر إنسانية غير مسبوقة تجاه مواطني أدلب..؟!!
تركيا همها في هذا الجانب مركب ومعقد فهي أولاً الداعم اللوجيستي الأول والراعي المباشر لهذه الجماعات التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بكل مفاصل الدولة التركية وأجهزتها على مدى سنوات وبالتالي يقع على تركيا مهمة حماية هذه الجماعات ولكن تركيا عاجزة فهي في مرحلة تحول سياسي وعلى مختلف المستويات الداخلية والخارجية فعلاقتها بالرعاة والممولين لم تعد تلك العلاقة الراسخة خاصة مع واشنطن ولندن وباريس وفيما هي عاجزة عن الإجهار بتخليها عن هذه الجماعة عاجزة بذات الوقت عن حمايتها وفي كلتا الحالتين ترى تركيا انها مقبلة على دفع ثمن هي غير قادرة عليه بل هي غير قادرة على التعاطي الإنساني مع حالة أدلب نظرا لوضعها الاقتصادي الصعب ولذا تسعى جاهدة لإبقاء الحال في أدلب كما هو عليه..
الغرب بدوره يرى أن إدلب هي آخر أوراق لعبته وإنْ سقطت سقط مشروعه كاملا ليس في سوريا بل في كل المنطقة لذا نرى واشنطن تصرح بأن قواتها ستبقى في شمال سوريا حتى وإن تم القضاء على داعش..
كل هذه الحسابات تضع خيوط المبادرة بيد الجيش العربي السوري الذي وحده معني بتحرير كل شبر من أراضي وطنه من فلول العصابات الإجرامية التي إما تقابل مصيرها المحتوم او يفتح لها رعاتها ابواب النجاة كما عملوا مع أصحاب (الخوذات البيض)..
|