الميثاق نت -

الأحد, 23-سبتمبر-2018
مطهر‮ ‬تقي -
لا أنسى ليلة السادس والعشرين من سبتمبر 1962 وانا ابن التاسعة من العمر حين هزت سكوت تلك الليلة إنفجارات متفرقة لم يعرفها سكان صنعاء من قبل حتى كان صباح اليوم التالي حين خرجت مع والدي وقابلنا جارنا الشريف محمد الضمين قائد الجيش وهو وأصحابه حاملين بنادقهم ولابسين‮ ‬احزمة‮ ‬رصاصهم‮ ‬وحين‮ ‬سأل‮ ‬والدي‮ ‬الشيخ‮ ‬الضمين‮: ‬ما‮ ‬هذه‮ ‬القوارح‮ ‬أجاب‮ ‬وهو‮ ‬متجهم‮ ‬الوجه‮ ‬هم‮ ‬طلبة‮ ‬الكلية‮ ‬ضربوا‮ ‬بالمدافع‮ ‬والدبابات‮ ‬دار‮ ‬البشائر‮ ‬ودار‮ ‬الشكر‮ ‬ولا‮ ‬نعرف‮ ‬نهاية‮ ‬الإمام‮ ‬البدر‮.‬
تلك الليلة وذلك الصباح هما الفارق الزمني بين عهدين وفارق في تحول مسار شعب إلتحق بركب الحضارة والعالم الجديد بعد ان وصل حكم آل حميد الدين (الإمام المنصور ت 1904 وابنه يحيى الذي حكم جزئيا وحكم بالمطلق أربعة واربعين عاما ومن بعده ابنه أحمد الذي حكم أربعة عشر عاما وأخيرا ابنه محمد البدر الذي حكم سبعة أيام فقط) فذلك الحكم قد وصلت حالته إلى حالة الموت السريري وتوقفت الدولة عن القيام بأدنى واجباتها نحو المواطن في مختلف المجالات الحياتية فبالرغم من جهود الإمام يحيى إنشاء دولة بحدود جغرافية معروفة (حدود الجمهورية العربية اليمنية) بعد قضائه على التشرذم لعدد من المناطق وسيطرة مشائخها عليها ومحافظته على ما تركه الأتراك من خدمات محدودة للإتصالات والصحة والإدارة وتحت إدارة من بقي من الأتراك وعقده إتفاقيات تجارية وعسكرية مع روسيا وإيطاليا وأمريكا وإرساله بعثات دراسية إلى روما وإلى العراق وإلى لبنان ومصر في عهد ابنه أحمد إلا أن سيطرة السعودية على جيزان ونجران وعسير بعد حرب 1934 مع السعودية (والتي تساوي تقريبا مساحتها مساحة الجمهورية اليمنية) قد ضرب هيبة الإمام يحيى أمام شعبه في الصميم وبدأت بعدها حركة الأحرار بقيادة المحلوي تجد هوى وتجاوبا في نفوس المواطنين وكان من شأن ذلك ان تفجرت ثورة 1948 الدستورية بقيادة آل الوزير ثم نهب صنعاء عقب فشل الثورة وإعدام قياداتها وبدأ الإمام احمد حكمه بعد قتله تلك القيادات الذي ما لبث وتفاجأ في عام 1955 بقيام أخيه عبدالله بتولي الإمامة بتأييد أخيه الآخر العباس وبفشل ذلك الإنقلاب قام الإمام احمد بإعدام أخويه عبدالله والعباس وقائد الإنقلاب أحمد الثلايا وعدد من المشاركين في الإنقلاب ثم توالت الهزات على الحكم بظهور إنشقاق بين صفوف الحكم تمثل بالحسنيين بقيادة الحسن ابن يحيى شقيق الإمام أحمد والبدريين بقيادة ولي العهد البدر محمد ابن أحمد وهو الإنشقاق الذي اضعف ما بقي من رمق للدولة ولعل رسالة الأمير محمد ابن الحسين ابن يحيى حميد الدين عام 1958 تقريبا إلى عمه الإمام احمد الذي شخص حالة الحكم وتنبأ بنهايته إذا لم يقم الإمام أحمد بإصلاحات جذرية تعيد للحكم قوته وهيبته إلا ان جواب الإمام أحمد على ابن أخيه كان صادماً ومعجلاً بنهاية الحكم الذي أصيب بنكسة كبيرة أيضاً بعد محاولة قتل الإمام أحمد في مستشفى الحديدة بقيادة العلفي واللقية الذي أفقد الإمام احمد القدرة عن إدارة الحكم خصوصا والإمام أحمد كان ومنذ نهاية الأربعينات مدمنا على استخدام المورفين الذي كان يستخدمه للتغلب على آلام مرضه الذي لم يمكنه من القيام بواجب الحكم كما ينبغي أما ولي العهد محمد البدر الذي لم يأخذ من ابيه حسب وجهة نظر اليمنيين الشخصية القوية والحنكة والهيبة الطاغية على خصومه إلا أنه كان يحمل تطلعات إيجابية في بناء الدولة تمثل ذلك بقيامه بعدة زيارات إلى مصر وروسيا وسوريا والصين وعقده إتفاقيات مهمة مثل صفقة السلاح من تشيكوسولوفاكيا وطريق صنعاء الحديدة ومصنع الغزل والنسيج مع الصين يرافقه القاضي محمد عبدالله العمري أحد الشخصيات الوطنية الذي لعب دورا في إقناعه بتلك الخطوات كما اشرف البدر على فتح مدارس للحربية والطيران والشرطة إلا أن حادثة دخول حميد بن حسين الأحمر مع قبائل حاشد إلى ميدان شرارة (التحرير اليوم) على حصانه وحادثة حرق بيوت العمري في صنعاء وحادثة قتل الجبري وأخيه في تعز قد عجل بعودة الإمام أحمد من زيارته العلاجية في روما وقيامه بتبكيت وتهزئة ابنه ولي العهد محمد بعبارات جارحه في ميناء الحديدة وقيام الإمام احمد بعد ذلك بإغلاق الكليات العسكرية والأمنية قد قلل كثيرا من مكانة البدر في نظر ابناء الشعب... وبالرغم من ذلك فقد كان بعض قيادات تنظيم الأحرار للإعداد للثورة يرون في محمد البدر الشخص الذي يمكنه قيادة اليمن بعد وفاة والده بسياسة جديدة غير سياسة ابيه لو لا خطابه يوم الجمعة الموافق 18/9/1962 في الجامع الكبير بصنعاء الذي قال بالحرف إذا كان ابي يقطع رأس المعارض للحكم اما أنا فسأقطع المعارض من نصفه وهنا‮ ‬سقط‮ ‬الرهان‮ ‬على‮ ‬الإمام‮ ‬الجديد‮ ‬فتم‮ ‬قيام‮ ‬الثورة‮.‬
ولا شك ان قيام الثورة كان ضرورة حتمية ضد حكم فقد معناه ووظيفته حتى على نفسه وكل المنتمين إليه فكانت الثورة لكل أبناء الشعب بكل فئاته بما فيهم أفراد الأسرة الحاكمة التي كانت تفتقر إلى متاع ورفاهية الحكم كما هو الحال في الدول المجاورة مثل إثيوبيا والسعودية فما بالكم حال مصر وسوريا والعراق فقد تجاوز ذلك الحكم حرمان وظلم الشعب من ابسط مقومات الحياة من مأكل ومشرب وملبس وصحة وتعليم وطرقات وتطور إقتصادي وصناعي ووجد المواطن اليمني نفسه وهو في القرن العشرين في حالة معيشية صعبة ووطنه متأخرا عن شعوب العرب والمسلمين في مختلف المجالات فكان لا بد من تغيير حالته بثورة شاملة تجعلة في مصاف الدول الأخرى فكان قيام الثورة بقيادة نخبة من شباب ورجال اليمن تمثل فئات وشرائح المجتمع اليمني وفي مقدمتهم إخواننا الهاشميين فقبل الثورة بتسعة أشهر إجتمعت نخبة التأسيس لتنظيم الضباط الأحرار وعددها خمسة عشر ضابط منهم ثمانية ضباط من الهاشميين وكان الإجتماع في منزل الملازم عبدالله المؤيد وهذا يؤكد كذب الإدعاء ان ثورة سبتمبر قامت ضد الإمام والهاشميين والحقيقة انها ثورة عارمة قام بها كل أبناء الشعب تجمعهم أهداف سامية لتحقيق حياة كريمة لشعبهم.
ومن باب توضيح لمفهوم مغلوط يردده الكثير بعد ثورة سبتمبر بان الإمامة حكمت اليمن بالظلم وطيلة ألف ومائة عام فذلك مفهوم وتعبير خاطئ وغير دقيق فقد حكم اليمن طيلة الزمن الطويل اكثر من عشرة دول تزامنت مع حكم الإمامة التي كانت في حالة إنكماش وتمدد فيما عدا فترات محدودة وحسب قوة وشعبية الإمام فقد حكمت اليمن في ذلك الزمان دول اليعافرة وبني زياد والقرامطة والصليحيون وآل نجاح وآل مهدي والايوبيون والرسوليون والطاهريون بالإضافة للتواجد العثماني الأول والثاني والتواجد الشركسي وكذلك التواجد المصري الأول والتواجد البريطاني‮ ‬في‮ ‬المحافظات‮ ‬الجنوبية‮ ‬الشرقية‮ ‬وذلك‮ ‬يعني‮ ‬أن‮ ‬الإمامة‮ ‬لا‮ ‬تتحمل‮ ‬وزر‮ ‬التخلف‮ ‬والظلم‮ ‬الذي‮ ‬عاشه‮ ‬اليمن‮ ‬كل‮ ‬ذلك‮ ‬الزمن‮ ‬لوحدها‮ ‬وكما‮ ‬كان‮ ‬هناك‮ ‬أئمة‮ ‬ظلمة‮ ‬فقد‮ ‬كان‮ ‬ايضا‮ ‬هناك‮ ‬أئمة‮ ‬صالحون‮.‬
وما يهمنا اليوم وشعبنا يحتفل بالذكرى السادسة والخمسين لثورة سبتمبر هو التحدي الكبير الذي يتعرض له شعبنا اليوم وطيلة اربعة سنوات من العدوان الذي استهدف حياة المواطنين الابرياء ومقدرات وإنجازات ثورة سبتمبر والحرب والخلاف بين أبناء الوطن الواحد من قبل اشقائنا في العروبة والإسلام للأسف الشديد أبناء آل سعود الذين ناصبوا شعبنا اليمني العداء منذ زمن ليس بالقصير تمثل بإحتلال قبائلهم الوهابية الضالة ساحل تهامة وحتى حضرموت في ظل حكم أئمة ضعفاء وذبحوا حجاح اليمن في تنومة ثم إحتلوا نجران وعسير وجيزان وواصلو هيمنتهم وبمالهم على القبائل اليمنية والكثير من الساسة منذ عام 1935 وتدخلهم السافر في القرار السياسي اليمني وهم اليوم يعتدون على شعبنا كما إعتدوا وغذوا الخلاف بين ابناء الوطن الواحد بعد ثورة 26 سبتمبر ولسبع سنوات من الحرب الأهلية وكما إنتصرت الثورة وتثبتت أركانها عام 1970 بعد المصالحة الوطنية في ذلك الزمن فشعبنا اليوم قادر بقوة لله وعزيمة كل أبنائه وجمع كلمة القوى السياسية اليمنية وكل شرفاء الوطن في الداخل والخارج ان ينتصروا لشعبنا وينتصروا لكرامته وسيادته واستقلال قراره السياسي وكل عام وابناء شعبنا السبتمبري والأكتوبري‮ ‬بخير‮.‬
والله‮ ‬القوي‮ ‬والناصر‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 11:11 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-54314.htm