الميثاق نت -

الأحد, 18-نوفمبر-2018
طه‮ ‬العامري -
يرى البعض تداعيات الصراع الدائر في المنطقة برؤى متعددة وبعيون مختلفة فيما هناك آخرون ينظرون لخارطة الصراع بعين واحدة باعتبار أن ما يجري على خارطة المنطقة كل لا يتجزأ وإن تعددت مسارحه وتباينت دوافع وأسباب هذا الصراع ..
بيد أن الرؤية الكلية للأحداث هي الرؤية الصحيحة والسليمة فما يجري على امتداد الخارطة العربية كل لا يتجزأ وإن حاول البعض تجزئة الأحداث وعزلها عن بعضها استنادا للخصوصيات الوطنية واعتبار كل جزء منعزلاً ذاتيا وموضوعيا عن بقيه أجزاء الصراع وأن ما يحدث في اليمن مثلا لا علاقة له بما يجري في سورية وليبيا والعراق ومصر .. وأن ما يجري للسعودية وما جرى منها لا علاقة له بما يجري في بقية الأقطار العربية، وأن كل هذه الصراعات الدامية التي تعصف بخارطة المنطقة لا علاقة له بما جرى ويجري في فلسطين المحتلة وما يراد لهذه القضية من‮ ‬نهاية‮ ‬تعزز‮ ‬حقيقة‮ ‬الوجود‮ ‬الصهيوني‮ ‬الاستيطاني‮ ‬والتسليم‮ ‬بحقيقة‮ ‬هذا‮ ‬الوجود‮..‬
إن ما يجري في المنطقة من صراعات دامية وتداعيات مؤلمة مرتبط ارتباطا وثيقا بما يجري في فلسطين وما يراد لهذه القضية من نهاية تعزز الوجود الاستيطاني الصهيوني وتحقق له السكينة والاستقرار بعد أن تتوافر لهذا الكيان كل ممكنات ومقومات الاستقرار وتنتفي كل عوامل وممكنات ومقومات المقاومة عسكريا وثقافيا وفكريا، وصولا إلى التسليم الثقافي الشامل القائم على الاعتراف الشامل عربيا بأن هذا الكيان يعد جزءا من المنطقة وتاريخها الحضاري والجغرافي استنادا على موروثات وأساطير الكيان الصهيوني ومزاعمه الكاذبة ..
إن ثمة حقيقة راسخة لم يستوعبها النظام القطري العربي أو بالأصح لم يرغب النظام القطري العربي في استيعاب هذه الحقيقة التي تقول إن العرب لن يتقدموا ولن يتطوروا ولن يحققوا أي شكل من اشكال التنمية الحضارية بدون فلسطين حرة مستقلة ..إذ أن كل ما يجري على الخارطة العربية سببه ومصدره القضية الفلسطينية، وكل ما جرى ويجري على خارطة الوطن العربي كان ولا يزال وسوف يستمر طالما والنظام العربي القطري أسقط فلسطين من اهتماماته واكتفى بنقل أخبارها بصورة عابرة عبر وسائل اعلامه مثلها مثل أي قضية في أي مكان في العالم ..
إن‮ ‬قضية‮ ‬فلسطين‮ ‬هي‮ ‬من‮ ‬تقف‮ ‬وراء‮ ‬كل‮ ‬هذه‮ ‬التداعيات‮ ‬والصراعات‮ ‬الدامية‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮ ‬وتقف‮ ‬وراء‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬التخلف‮ ‬الذي‮ ‬تعيشه‮ ‬أمتنا‮ ‬من‮ ‬محيطها‮ ‬إلى‮ ‬خليجها‮ ..‬
في أوائل خمسينيات القرن الماضي برز الخطاب القومي المنادي بقومية المعركة والمؤمن بأن تحرير فلسطين مسئولية كل العرب ثم يأتي بعدهم دعم وإسناد المسلمين إن رغبوا فتم التصدي وبقوة للخطاب القومي وللمشروع القومي ورموزه وارتفع في مقابله الخطاب القطري والدولة الوطنية وكفر الجميع بالقومية هوية وفكرا وثقافة ورموزا ومشروعا حضاريا ..واعتبرت الثقافة القومية رجسا من عمل الشيطان وتم تقديس الهوية القطرية والدولة الوطنية، وبعد قرابة أربعة عقود تم الانقلاب على الهوية القطرية والدولة الوطنية رغم هشاشة وجودها وكان التآمر على العراق بداية للانقضاض على الدولة الوطنية رغم أن نجاح مشروع الدولة الوطنية يمكن أن نختزل نجاحه في القطرين العراقي والسوري اللذين استطاعا أن يحققا قدراً من التنمية الوطنية لكن رغم نجاحهما تم الالتفاف على مفهوم الدولة القطرية والهوية القطرية فتم تدمير العراق ثم سورية وليبيا واليمن وتدمير قدراتهم بل وتحويل هذه الأقطار بدءاً من العراق إلى مسارح تناحرية لصراعات دامية أطرافها عصبيات طائفية ومذهبية تتناحر فيما بينها على حساب الدولة الوطنية وقدرات الوطن ..والمحاور الاستعمارية التي تدخلت ودفعت العرب إلى رفع شعار الدولة الوطنية والرفض بل وشيطنة كل المفاهيم القومية والتصدي لها بقوة ثم تسليم النظام القطري العربي واقراره رسميا بأن فلسطين قضية تعني شعبها، ووحده الشعب العربي في فلسطين من يتحمل مسئولية تحرير أرضه وهكذا أسقط النظام العربي اهم تحصينات وجوده ليبدأ مشروع تفتيت المجتمعات‮ ‬القطرية‮ ‬على‮ ‬أسس‮ ‬طائفية‮ ‬ومذهبية‮ ‬وهي‮ ‬أسس‮ ‬قاتلة‮ ‬ومدمرة‮ ‬لكل‮ ‬ممكنات‮ ‬التقدم‮ ‬الحضاري‮ ‬والتطور‮ ‬الاجتماعي‮ ..!!‬
والمؤسف أن ما يجري اليوم على خارطة الوطن العربي وما تعيشه وتواجهه الانظمة القطرية العربية يمكن وصفه باختصار بأنه (لعنة فلسطين) وهي اللعنة التي بسببها تعيش المنطقة تداعياتها الدامية والمؤلمة بما تحمله هذه التداعيات من دوافع مذهبية وطائفية ومناطقية وحزبية ضيقة لاتمت للهوية الحزبية والثقافة الحزبية بصلة بل نواجه اليوم وتواجه مجتمعاتنا مصيرا قاتما ومؤلما على خلفية ما تخوض من صراعات دامية عبثية جعلتها محل سخرية العالم وتندره وهي الأمة التي منحها الله كل عوامل التقدم الحضاري ..هذه الأمة التي امتلكت كل مقومات العلم والتنوير تعيش في جهالة وتخلف حضاري لأنها بُليت بنخب حاكمة ونخب نافذة تساوي بين وجودها والوجود الوطني وبين مصلحتها والمصلحة الوطنية ..وهذه النخب ما انفكت تستمد شرعية وجودها وديمومة تسلطها واستبدادها من أعداء الأمة وأعداء وجودها الحضاري الذين هم امتداد لمن‮ ‬عادى‮ ‬الله‮ ‬ورسله‮ ‬ذات‮ ‬يوم‮ ‬غابر‮ ..‬؟‮!‬
والمؤسف أن من عادوا المشروع القومي العربي وثقافته ورموزه بذريعة أن القومية شوفونية ورفعوا شعار (الإسلام هو الحل) هم ذاتهم الذين دمروا ويدمرون الدولة الوطنية وتفتيت مكوناتها الاجتماعية على أسس مذهبية وطائفية ثم يبررون مواقفهم التآمرية بحق اوطانهم ومجتمعاتهم‮ ‬بذريعة‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ (‬الدين‮) ‬وأن‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ ‬دين‮ ‬الله‮ ‬أولى‮ ‬وأهم‮ ‬من‮ ‬الدفاع‮ ‬عن‮ (‬وطن‮) ..‬؟‮!!‬
ومنذ العام 2011م سخرت الجماعات الدينية -التي لا علاقة لسلوكها وافعالها بالدين وقيمه- كل قدراتها وطاقاتها وامكاناتها لتدمير اوطانها وسفك دماء أبناء شعبها بدوافع مذهبية مستغلةً مشاعر التدين داخل مجتمعاتها.. فيما حقيقة هذه الجماعات ودوافعها وهدفها تتمثل برغبتها‮ ‬في‮ ‬الحكم‮ ‬والتفرد‮ ‬به‮ ‬والسيطرة‮ ‬والاستبداد‮ ‬بقدرات‮ ‬الشعب‮ ‬ومقدرات‮ ‬الوطن‮ ..‬
ويمكن التوقف أمام حالة حركة (حماس) في فلسطين حيث الاحتلال الصهيوني والذي يفترض فيه توحيد كل الطاقات والجهود الفلسطينية المتاحة وتسخيرها في مواجهة العدو الصهيوني، وهو ما لم تقم به حماس التي دفعها سعارها على السلطة الى شق وحدة الصف العربي الفلسطيني ووقفت في وجه‮ ‬السلطة‮ ‬الوطنية‮ ‬بجميع‮ ‬مكوناتها‮ ‬وبددت‮ ‬طاقات‮ ‬وقدرات‮ ‬الشعب‮ ‬والقضية‮ ‬خدمة‮ ‬لاعداء‮ ‬الأمة‮ ‬وفلسطين‮ ‬وقضيتها‮ ‬العادلة‮..‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:41 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-54700.htm