أحمد الزبيري - هلَّت على الشعب اليمني هذا العام ذكرى الاستقلال المجيد الـ30 من نوفمبر 1967م، المناسبة الوطنية اليمنية العظيمة التي ينبغي الاحتفال بها كتأكيد على احترام وتقدير واجلال للأبطال الاحرار الشجعان الذين تصدروا صفوف شعبنا في مواجهة الغازي المحتل الذي جثم عسكرياً بالحديد والنار وسياسياً بمخططاته التآمرية الخبيثة التي عُرف بها الاستعمار البريطاني ليس في اليمن والمنطقة العربية فحسب، بل وفي كل العالم، والذي سيطر وهيمن عابراً البحار والمحيطات والقارات مكوناً امبراطورية لطالما تفاخر بأن الشمس لا تغيب عنها.. وعلينا أن نتصور كيف انتصر اليمانيون الحُفَاة شبه العراة على امبراطورية استعمارية كهذه قبل 51 عاماً -الاجابة بسيطة- عندما توافرت الارادة الوطنية اليمنية الواعية الموحدة والتي بدون أدنى شك ليست بمعزل عن أسباب وعوامل داخلية وخارجية اقليمية ودولية.
وحتى نوضح ذلك أكثر نشير الى قيام ثورة 26 سبتمبر في الأرض اليمنية المستقلة عن الاحتلال الاستعماري البريطاني والتي كان يحكمها نظام وطني لكنه رجعي ومتخلف وظالم منسجم مع متطلبات اجندة استدامة الوجود البريطاني في الجزء الجنوبي من الوطن لأن ذلك مرتبط ببقائه.. الأمر الثاني وجود مشروع وطني تحرري هو امتداد لمشروع تحرري قومي عربي هو أيضاً امتداد لحركة تحرر عالمية انبثقت من أحداث وصراعات وحروب عظمى أدت الى متغيرات وتحولات كبرى في العالم انعكست عربياً في ثورات سوريا ضد الاستعمار الفرنسي، وفي مصر ثورة 23 يوليو ضد النظام الخاضع للهيمنة الاستعمارية البريطانية، وكذلك ثورة العراق، وثورة الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي، في خضم هذه التحولات الكبرى وُجدت حركات واحزاب عربية قومية ويسارية تحمل مشاريع وحدوية وطنية كبرى وانتجت تلك المرحلة قيادات بحجمها وعظمتها على رأسها قائد عربي بقامة وعظمة جمال عبدالناصر.
قبل أن نذهب بعيداً في الاستغراق لنغرق في الماضي العظيم والنبيل والجميل نعود الى ذكرى الاستقلال ومرورها الباهت الذي كما هو واضح لم يعد موجوداً إلا عند أولئك الذين يتصدون لتحالف الغزاة الجدد ويدافعون عن وحدة وسيادة واستقلال اليمن من كل اشكال الاحتلال والوصاية الخارجية وعن حرية وكرامة اليمنيين وعن حاضر ومستقبل اجيالهم.
في هذا الحضور ليوم الاستقلال الذي لا يرتقي الى مستوى التضحيات والدماء التي أُريقت على دروب التحرر من الاستعمار البريطاني وبالتالي الى مستوى مكانة هذا اليوم في تاريخ اليمن المعاصر، بالنسبة للكثيرين ممن مازالوا يملكون وعياً سياسياً وطنياً يشعرون بالألم من التعاطي مع ذكرى الاستقلال على هذا النحو، شعور يستدعي في الذهن العديد من الاسئلة التي سوف تبقى بدون اجابة اذا لم نعد لقراءة الفترة التاريخية الواقعة بين 30 نوفمبر 1967م و30 نوفمبر 2018م وسنجد الكثير من الافكار والاستنتاجات تتزاحم في الذهن وسنجد اجابات متعددة تأخذنا الى الأحداث التي شهدها اليمن والتي تتحمل القوى السياسية المسئولية عنها وبقدرٍ أكبر تلك التي خضعت وقبلت الارتهان لأجندة خارجية والقبول بالوصاية للسعودية والتبعية للغرب وخوض الصراعات بالنيابة عنهم من أجل تحقيق مشاريعهم التدميرية سواءً أكان ذلك في الشمال أو الجنوب أو اليمن كله.
الآن وبعد أن تحولت الصراعات الداخلية الى عدوان خارجي أي أن الادوات العميلة لم تعد تتناسب مع المخططات الجديدة التي تقتضي عودة الاحتلال بواجهات اقليمية هي في الأساس صناعة الاستعمار القديم وهذا ما أريد ويُراد من عدوان التحالف السعودي على اليمن والمستمر منذ 26 مارس 2015م والذي بصمود الشعب اليمني افشله واسقط رهاناته ووضع المعتدين في مهب رياح عاصفتهم التي باتت ارتداداتها عليهم ماحقة.
تحالف العدوان السعودي الاماراتي عمل كثيراً وطويلاً للسيطرة والهيمنة على اليمن واعتقد واهماً أنه قد نجح ولم يبقَ إلا بلوغ الغزو والاحتلال، غير مدركين انهم يواجهون شعباً لديه مخزون حضاري تاريخي في مواجهة الغزاة وهزيمتهم وآخرهم سيدتهم بريطانيا العظمى.. فيا هؤلاء، معركة التحرير الثاني قد بدأت قبل أن تنتهوا من مشروع تنفيذ مخططكم الاستعماري الجديد لليمن ومحافظاته الجنوبية على وجه الخصوص والتي تنتفض في وجوهكم في المهرة وشبوة وسقطرى وحضرموت وعدن وهم يمهدون لمعركة الشعب اليمني التحررية الفاصلة وسيكون الاستقلال الثاني من الاستعمار الجديد والقديم وكل اشكال الوصاية السعودية والأمريكية والبريطانية.. إننا أمام انتصار يحقق الاستقلال الناجز والكامل والنهائي.
|