حاوره/ رئيس التحرير - حذر الدكتور عبدالعزيز الكميم من أن يكون توجه الأطراف اليمنية للحوار تابع من حساباتها ورغبتها الخاصة مؤكداً على ضرورة تلبية رغبات ومصالح الشعب.
وقالك عليها أن تدرك تماماً أن أي تقاعس أو تاخير قد يفقدها تأييد ومساندة الشعب إن لم يدفع بالشعب إلى مواجهتها إلى التفاصيل:
< يرى مراقبون مؤخراً، ان اليمنيين يحاربون بعضهم بدون قواعد ولاسقوف.. هل يعني هذا أنّ الرغبة لدى اليمنيين في الاقتتال اكثر من الرغبة في الحوار؟
- الحروب والصراعات ظاهرة قديمة اقترن ظهورها بالبدايات الأولى من حياة البشرية،،وتعتبر ظاهرة بالغة التعقيد، ويتوقف تحديد اسبابها ودوافعها على الكثير من العوامل والمتغيرات، ولذلك فإن مقولة إن لدى اليمنيين الرغبة في الاقتتال أكثر من الرغبة في الحوار، يصعب التسليم بصحتها، وتعميمها صفة ملازمة لكل اليمنيين، بناءً على بعض مؤشرات الحرب الراهنة على اليمن، لأن الحروب تختلف من فترة زمنية لأخرى، وتختلف باختلاف اسبابها ودوافع ومصالح اطرافها.. ولغرض إعطاء فكرة مقنعة للموضوع سنحاول تقديم عرض عام لنماذج مشهودة من تاريخ اليمن الحضاري، يليها عرض مركز لنماذج من تاريخ الحركة الوطنية، وصولاً الى أهم توصيف للحرب الراهنة التي تدور رحاها باليمن.
التوجه نحوالسلام، والحسابات العقلانية لكلفة الحرب هي القاعدة العامة في تاريخ اليمن الحضاري.
الميل نحو الحرب والاقتتال أكثر من الحوار والسلام، ليست من الصفات الثابتة في تاريخ اليمنيين، بل على العكس من ذلك، فحقائق تاريخ اليمن الحضاري تؤكد على لسان القرآن الكريم أن ملكة سبأ وقومها، اعتمدوا على أسلوب التفاوض السلمي مع نبي الله سليمان، عليه السلام، تجنباً للحرب وآثار ويلاتها.. وفي صدر الإسلام استجاب أهل اليمن لدعوة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم طواعيةً ودخلوا في دين الله افواجا، ووصفهم الرسول صلوات الله عليه، بأنهم "أرق قلوباً وألين أفئدة".
وخلاصة ماسبق، أن التوجه نحوالسلام والحسابات العقلانية لكلفة الحرب وآثارها المدمرة هي القاعدة العامة في تاريخ اليمن الحضاري، دون الجزم بانتفاء حالات الاستثناء.
التوجه نحو حسم الصراعات وسرعة احتوائها، مع ترك بعض آثارها عالقة،صفة بارزة في تاريخ الحركة الوطنية.
تشير بعض الحالات، من مراحل تاريخ الحركة الوطنية منذ مطلع الستينيات، الى بعض الخصائص ذات الصلة بمتغيرات ظاهرتي الصراعات والتفاوض والتحالفات المرتبطة بأطرافها، نشير الى ابرزها في الآتي:
في الغالب كانت معظم المكونات والقوى السياسية، تنضم الى تكوينات اوتحالفات واسعة بشكل تلقائي، بمجرد إدراكها بوجود أهداف عامة أو مخاطر مشتركة، أو حتى مصالح أنية خاصة، دون تقدير أو حسابات عقلانية، لنتائجها النهائية المحتملة.
هكذا حدث إبان قيام ثورة سبتمبر وإعلان النظام الجمهوري ونشوب الحرب الأهلية بين الجمهوريين والملكيين، تم انهاؤها في نهاية المطاف بالمصالحة الوطنية عام 1970م، خطر التهديد المشترك، بدأت بوادر الصراعات بين رفاق السلاح داخل صفوف النظام الجمهوري الذي جمعهم هدف قيام ثورة سبتمبر والدفاع عنها نظراً لغياب مبدأ قبول الآخر وحقه في المشاركة بالسلطة.
وتكررهذا ايضاً إبان المراحل النهائية للكفاح من اجل الاستقلال، ليبدأ الصراع المسلح بين كل من الجبهة القومية وجبهة التحرير رفاق السلاح الذين جمعهم هدف الاستقلال، بعد إعلان بريطانيا انسحابها من جنوب الوطن،وبداية التفاوض على اعلان الاستقلال عام 1967م. نظراً لنفس السبب المتمثل، في عدم قبول الآخر وحرمانه من حقه في المشاركة.
وامتداداً لتداعيات الصراع السابق حدث صراع اشمل بين طرفي سلطات النظام الجمهوري بشطري اليمن اللذين جمعهما تحالف الدعم المتبادل لقيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر والدفاع عنهما، ليبدأ الصراع المسلح بين سلطات الشطرين، بسبب من تم استبعادهم وحرمانهم من حقهم في المشاركة ضمن سلطتي الشطرين مما دفع منهم الى اللجوء للشطر الآخر، ليدفع الشطرين الى مرحلة ثانية من الصراع الشامل بين الشطرين، تحت شعار إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وتم انهاء الحرب، وقيام وحدة اندماجية، ضمن وثيقة واحدة عامي 1972و1979م، وقاد هذا الاتفاق الى إعلان الوحدة ورفع علم الجمهورية اليمنية في عدن بتاريخ 22 مايو المجيد 1990م في موقف مهيب تحولت فيه دماء الاشقاء التي سالت أثناء حربهم عام 79 الى دموع ذرفتها اعينهم وهم يشاهدون علم وحدتهم يرتفع عالياً بسماء مدينة عدن ولسان حالهم يقول:
اذا احتربت يوماً وسالت دماؤها تذكرت القربى فسالت دموعها
من ابرز مواصفات الحرب الراهنة دخولها ضمن دائرة الصراعات الانتقامية المتوالية وتصفية الحسابات المؤجلة.
يضاف الى ماسبق بعض الصراعات المسلحة والمواجهات الأخرى التي لاتختلف كثيراً عن سابقاتها من حيث كونها بدأت بالصراع المسلح وتم حسمها او انهاؤها بالحوار السلمي إلا ان كثيراً من تلك الصراعات ظلت بعض آثارها عالقة أو تم ترحيلها بدون معالجة أو حلول جذرية ليتم استدعاؤها مؤخراً لتنضم الى رصيد دائرة الصراعات الانتقامية وتصفية الحسابات خلال معارك مراحل الحرب الراهنة، التي لاتزال نيرانها مشتعلة، بعد ان تضافرت في استمرار نيرانها وزادت من تعقيداتها التدخلات الاقليمية والدولية واصبحت اكثر تحكما ً وتأثيرأً في تحديد مسار الحرب من حيث احتوائها او استمرارها.
< ما الذي يتطلب على مستوى مختلف القوى - على ضوء ما يجري بالحديدة وكيف يمكن لها ان تنتصر لقيم السلام وعدم اتساع رقعة المعارك ؟
- اعتقد فيما يتصل بما يتطلب عمله، أنّ الأهمية لا تكمن في تحديد تلك المتطلبات، بقدر أهمية فهم وإدراك قيادات القوى الفاعلة نفسها لأولوية ما يتطلب القيام به ودرجة استعدادها للتعاطي الإيجابي معه ، وفي مقدمة تلك المتطلبات مايأتي:
-مراجعة حساباتها السابقة بصورة أكثر عقلانية، من خلال العودة بذاكرتها الى نقطة البداية لمعرفة الاسباب التي أوصلت الاوضاع الى ماهي عليه الآن.
ومن الأسباب المتعلقة بمستوى الإدراك المعرفي السليم للكثير من الحقائق والمعلومات المتصلة بقواعد العمل السياسي، وادارة الأزمة في ظل السلم والحرب والتعامل مع تداعياتها وإدراك بحجم مخاطر التدخلات الخارجية وغيرها، سواءً أكان ذلك وفقاً للحسابات التي كانت متوقعة أوالنتائج غير المتوقعة التي أفرزتها الحرب ..
ومن ضمن الحقائق التي قد يساهم مستوى الإدراك السليم لها من قبل جميع اطراف الصراع:
-ان لا يتوقف تحديد مواقفها ذات الصلة بالاستجابة لدعوات التهدئة والالتزام بوقف إطلاق النار بالحديدة بناءَ على مخاوفها فقط، بل يستوجب عليها أن تعمل في حسبانها مخاوف الأطراف الأخرى ومن ثم تحاول إزالة تلك المخاوف قدر الإمكان.
-ان الفرص التي قد تتهيأ حالياَ بفعل أي دوافع دولية او إقليمية للتوجه نحو إحلال السلام بسبب الضغوط التي تعرضت لها نتيجة لبعض الاحداث مثل قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، اوبسبب تفاقم سوء الأوضاع الانسانية باليمن، قد لا تكرر او يتلاشى أهمية تأثيرها في حالة عدم إدراك الأطراف الداخلية أهمية استثمار تلك الفرصة في التوقيت المناسب.
- على القوى الداخلية أن تدرك بأن الأطراف الاقليمية والدولية، لا تندفع أو تسعى الى التدخل في الصراعات أو الحروب الداخلية، إلا بناءً على رؤية مسبقة بوجود اهداف ومصالح سرية لها تسعى لتحقيقها تحت مبررات أخلاقية وإنسانية، وتعمل على تقديم أولوية مصالحها على مصالح حلفائها.
-عند حدوث التدخلات الاقليمية والدولية في الصراعات والحروب الداخلية غالباً ما تفقد الأطراف الداخلية سيطرتها وتأثيرها على مسار الحرب بما في ذلك قرارات إنهاء الحرب أو استمرارها.
-على الاطراف الداخلية، أن لا تكون مواقفها في الاستجابة لدعوات التهدئة والتوجه نحو الحوار، نابعة من حساباتها ورغباتها الخاصة بل مبنية على رغبات ومصالح غالبية الشعب.
وعليها ان تدرك تماماً ان اي تقاعس او تأخير قد يفقدها تأييد ومساندة الشعب ان لم يدفع بالشعب الى مواجهتها.
تأثر البعد الطائفي للصراع
< تتسع في يوم لآخر حالة الكراهية بفعل اظهار الحرب بلباس طائفي الى أي مدى سيضر هذا بالنسيج المجتمعي ومخاطر ذلك على اليمن والمنطقة عموماً؟
- مع الاتفاق على ان الحروب والصراعات الداخلية، بشكل عام ، تلقي بآثارها التدميرية على جميع مناحي الحياة داخل الدولة ومكوناتها ، إلا أنه عندما يغلب على تلك الحروب العوامل الطائفية والمذهبية تتضاعف تداعيات آثارها السلبية على المجتمع ليقترب من نتائج المتوالية الهندسية من حيث اتساع دائرة انتشارها الجغرافي وشمول امتدادها الى مختلف مجالات التنمية، وتظل آثارها عالقة على مدى عقود من الزمن والاكثر خطورة من كل ما سبق هو احتمال تكرار الحروب ذات النزعة المذهبية أو الطائفية، وغالباً ما تتحول الكثير من الخلافات الجانبية الى صراعات مذهبية كونها اكثر استجابة لدعوات الفرقة والانقسام وتهديد وحدة نسيج المجتمع.
< حديث الامريكان عن الحكم الذاتي أغضب جميع الأطراف في نظركم ما الذي دفع الأمريكان لهذا الحديث وما الأسس والقواعد التي استند إليها؟
- بخصوص البحث عن خلفية الدوافع الامريكية للحديث عن (الحكم الذاتي) قد يأخذ اكثر من احتمال من ضمنها ان يكون بشكل مقصود ومعبر عن توجه رسمي للإدارة الامريكية كخطوة تمهيدية تسعى لفرضه مستقبلاً ضمن عدة نماذج في إطار خطة معده لتجزئة اليمن.
-الاحتمال الثاني، ان يكون هذا الحديث جاداً بصورة عابرة نابعة من رؤية شخصية لوزير الدفاع اكثر من كونها توجهاً رسمياً للإدارة الامريكية ويدعم صحة هذا الاحتمال ان مثل هذا الحديث لا يدخل ضمن اختصاص وزير الدفاع، ويتناقض مع الموقف القانوني لمجلس الامن الدولي الذي التزم بوحدة اليمن وسيادته ووحدة أراضيه.
اضافة الى انه لم يتكرر الحديث عن هذا الموضوع بصورة سابقة او لاحقة لحديث وزير الدفاع الامريكي اضافة الى انه لم يتم التعليق عليه.
ويعتبر رد الفعل الغاضب لأنصار الله عن وعي وادراك سليم ، ان مثل هذا الطرح يستهدف انصار الله قبل غيرهم ، ان لم يكن يهدف الى اثارة وتحريض الى لايجاد ردود افعال شعبية ضد انصار الله في حالة سكوتهم وعدم ابداء معارضتهم لهذا الطرح.
|