طه العامري - لا يتوهم أي عربي وفي أي قطر عربي كان فقيرا أو غنيا متقدما أو متخلفا صغيرا أو كبيرا أنه قادر على العيش وقادر على امتلاك عوامل التقدم وممكنات التنمية والتحرر أو قادر على امتلاك سيادته الوطنية القطرية أو قراره الوطني المستقل ..كل هذه المقومات يستحيل أن يحققها أي قطر عربي بشكل انعزالي مهما كانت امكاناته وقوته وقدراته المادية والمعنوية ومهما كانت تحالفاته الاقليمية والدولية وكانت مقوماته الدبلوماسية ومهاراته القيادية والإدارية ناجحة ..كل هذا لم ولن يحدث طالما ظلت (فلسطين) الأرض والإنسان والتاريخ والثقافة والهوية تحت سيطرة قوات الاحتلال وعبثه الاستيطاني الممنهج ..نعم بدون تحرير فلسطين واستقلالها الكامل والشامل وبدون انتزاع سيادتها من تحت نير الاحتلال الصهيوني الاستيطاني لن يتقدم أي قطر عربي ولن يتحرر أي قطر عربي ولن ينعم أي قطر عربي بالاستقرار أو يعيش سيدا في نطاقه الجغرافي القطري بمعزل عن فلسطين ..وهذا كلام لا اقوله جزافا أو مدفوعا بالعواطف بل هو تعبير عن حقائق التاريخ والجغرافيا ومن يحاول تجاهل أو تهميش هذه الحقيقة أو ينتقص منها إنما هو مخدوع أو واهم بالنوازع والنزعات القطرية التي اوجدتها وغذتها القوى الاستعمارية التي زرعت الكيان الصهيوني في قلب خارطة الأمة ورسمت حدود النطاقات القطرية الوهمية بطريقة جعلت من هذه النطاقات القطرية بحدودها الوهمية حارسة أمينة لهذا الكيان الاستيطاني الغاصب ..!!
ان فلسطين كانت ولاتزال وسوف تستمر هي معيار التقدم العربي وهي معيار التنمية والاستقرار العربيين، كما هي ستبقى (العائق) والحاجز والسد المنيع الواقف أمام كل محاولات النظام القطري العربي الذي يتوهم بأن (فلسطين) مشكلة شعبها وقضية شعبها والتعامل معها كتحصيل حاصل من باب كف العتب هو الخيار الأمثل والاسلم وترقب تداعيات التاريخ واحداثه فيما يتصل بمصيرها ..!!
في هذا السياق لم يكن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر كاذبا ومزايدا حين سعى لتكريس حقيقة (قومية المعركة) ولم يكن حين (تحاصر في الفلوجة بفلسطين مع كتيبته في حرب 1948م مخطئا حين توصل لقناعة راسخة بأن تحرير فلسطين يبدأ من القاهرة ويبدأ بامتلاك القرار العربي المستقل والقدرة العربية الجامعة القادرة على انتزاع الحق العربي من يدي الاستعمار واعوان الاستعمار) ..
لم يقدم أي رئيس عربي تضحيات في سبيل فلسطين وفي سبيل استقلال وسيادة العرب كما هو الحال مع الزعيم جمال عبدالناصر بغض النظر عن الأخطاء والسلبيات التي رافقت مسيرته فالرجل واجه حربا شرسة من العرب على مختلف قناعاتهم وتوجهاتهم ربما أكثر بكثير من تلك التي واجهها من أعداء الأمة وأعداء وجودها ..ومع ذلك لم يتخلّ (ناصر) عن فلسطين ولم يساوم على حق شعبها حتى وهو يتجرع مرارة النكسة أو (الهزيمة) كما يحلو للبعض تسميتها من باب الشماتة..!!
في عام 1956م واجه ناصر العدوان الثلاثي وفي 1967م واجه النكسة ومع ذلك لم يتنازل بحكم الأمر الواقع عن ثوابت آمن بها إيمانا مطلقا بل هو من حول العدوان عام 56م إلى معركه تنموية وسياسية وثقافية وجعل من مصر ورشة عمل جبارة وهز أوكار المستعمرين في كل أرجاء الخارطة القومية رغم المنغصات الكبيرة والعوائق التي واجهت هذا القائد العربي ومن الوسط العربي الذين اسكثروا على القائد حتى حب الجماهير العربية له ولعهده ولمسيرته الثورية الوحدوية .. وفي 67م حول (الهزيمة) إلى انتصارات مدوية فكانت حرب الاستنزاف كافية لقياس مصداقية القائد وتوجهاته وقناعته القومية وإيمانه الصادق بفلسطين وبقومية معركة تحريرها ..
وحينما سعى واوجد منظمة التحرير الفلسطينية وصفها بأنها (طليعة النضال العربي) كما هو الكيان الصهيوني (طليعة المشروع الاستعماري ورأس حربة للاستعمار) وكان دقيقا في توصيفه كما كان دقيقا في تعريف القضية والدور القومي المطلوب لأجلها ..
لم يعترف عبدالناصر يوما بأن فلسطين قضية شعبها ولم يقل يوما إن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي في فلسطين في مواجهة الكيان المحتل والقوى الاستعمارية الداعمة له ..لهذا دفعت مصر عبدالناصر ثمن مواقفها القومية وطالتها سهام الحقد العربي قبل خراب المستعمر الصهيوني والأجنبي.. وبعد غياب ناصر ماذا حدث ؟
توهم النظام القطري العربي أنه بقليل من المال سيكتفي بدوره وسيتفرغ لبناء اقطاره وهذا لم يحدث ولن يحدث فها نحن نعيش كارثة بل كوارث قطرية ونعيش حالة انهيارات للنظام العربي تحت مسميات ومبررات عدة لكن في حقيقتها انها نتاج التخلي عن فلسطين ونتاج الهروب من قومية المعركة والتحرير ..مؤخرا انهارت الأنظمة القطرية الجمهورية بدوافع لا حصر لها وأسباب كثيرة تم سردها على مدى سنوات بدءاً من الديمقراطية الغائبة والحريات و..و..و.. إلى الديكتاتورية ..وإلى آخر المعزوفة التي سردها ومايزال مفكرو التبعية والارتهان ومقلدو الغرب وسدنة المحاور الاستعمارية .. لكن بالمقابل هل الأنظمة القطرية الآخذة بالنظام الثيوقراطي المترفة بالثروة وتدار من قبل أصحاب السمو والمعالي والجلالة .. هل هذه الأنظمة مستقرة ؟ واهم وغبي من يتوهم هذا ..!!
ان العالم يتعامل مع الوطن العربي برؤية _ جمعية_ وأن الجزء من الكل وبالتالي لايميز بين نظام قطري تابع أو حليف وآخر ندي ومقاوم فالغرب يرى (الرياض) مثل (دمشق) وان سعى ليوهم الرياض أن دمشق مارقة وعدو ولكنه يلعب مع الجميع على قاعدة »فّرق تسد« حفاظا على مصالحه ولحماية كيانه الاستيطاني الذي زرع في قلب الخارطة العربية ليفصل مشرق الوطن العربي عن مغربه ويحول دون تحقيق أي ممكنات التواصل والاتصال ناهيكم عن قيام دولة الوحدة أو حتى التكامل العربي في الحد الأدنى.
|