الميثاق نت -

الإثنين, 11-فبراير-2019
‮ ‬إبراهيم‮ ‬ناصر‮ ‬الجرفي‮ ‬ -
من المعلوم لدى الجميع أن حياة الأفراد والجماعات والمجتمعات مليئة بالحسابات الخاطئة ، في شتى مجالات الحياة ، لكن هناك حسابات خاطئة تفرق عن حسابات خاطئة أخرى ، فالحسابات الخاطئة على المستوى الشخصي تختلف عن الحسابات الخاطئة على المستوى المجتمعي ، والحسابات الخاطئة على المستوى الخاص تختلف عن الحسابات الخاطئة على المستوى العام ، وهكذا ، وتفرق عن بعضها من حيث الآثار المترتبة عليها ، وتظل الحسابات الخاطئة في العمل السياسي ، هي أسوأ الحسابات الخاطئة على الإطلاق ، لأن نتائجها كارثية ومأساوية ، وذلك لأن أضرارها تطال شعوباً‮ ‬بأكملها‮ ‬،‮ ‬وفي‮ ‬كل‮ ‬الأحوال‮ ‬تظل‮ ‬الحسابات‮ ‬الخاطئة‮ ‬،‮ ‬من‮ ‬الأمور‮ ‬غير‮ ‬المرغوب‮ ‬فيها‮ ‬،‮ ‬على‮ ‬كل‮ ‬المستويات‮ .. ‬
ويمكن تدارك الحسابات الخاطئة ، إذا ما تم اكتشافها مبكراً ، وتم وضع المعالجات المناسبة لها ، في الوقت المناسب قبل استفحالها واستعصاء حلها ، والأفضل هو تداركها قبل حدوثها ، والأسوأ هو التعمد في تجاهل تلك الحسابات والإصرار على استمرارها ، رغم الآثار الكارثية المترتبة عليها ، وفي مثل هذه الحالة ، فإنه يظهر جلياً أن تلك الحسابات لم تكن خاطئة وغير مقصودة ، بل مخططة ومقصودة ، وهذا يجعل القائمين عليها يدخلون في دائرة الاتهام والمحاكمة والإدانة ، خصوصاً إذا أصروا على الاستمرار في خوض حساباتهم الخاطئة ، وعدم قيامهم بوقفها‮ ‬،‮ ‬فإنهم‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الحالة‮ ‬يتحملون‮ ‬كامل‮ ‬المسئولية‮ ‬عن‮ ‬كل‮ ‬الآثار‮ ‬الكارثية‮ ‬والمأساوية‮ ‬الناتجة‮ ‬عن‮ ‬حساباتهم‮ ‬الخاطئة‮ ‬والمقصودة‮ .. ‬
وكم تجرعت البشرية من الكوارث والمآسي ، نتيجة الحسابات السياسية الخاطئة وغير المدروسة بعناية ودقة ، كإعلان الحروب والصراعات ، والمشكلة في خطورة الحسابات السياسية الخاطئة ، تكمن في أن شعوباً بأكملها تتعرض للكوارث والمآسي نتيجةً لها ، بل إن بعضها تؤثر على البشرية برمتها (الحرب العالمية الأولى والثانية إنموذجاً) ، والتي سقط ضحيتها ملايين البشر ، وتسببت في كوارث ومآسٍ كبيرة جداً ، لذلك حاول المفكرون السياسيون وضع آلية يمكن من خلالها كبح جماح تلك الحسابات الخاطئة ، من خلال إنشاء مؤسسة عالمية ، محكومة بقوانين ولوائح‮ ‬دولية‮ ‬،‮ ‬تضبط‮ ‬سلوكيات‮ ‬القادة‮ ‬السياسيين‮ ‬،‮ ‬وتمنعهم‮ ‬من‮ ‬فرض‮ ‬حساباتهم‮ ‬السياسية‮ ‬الخاطئة‮ ‬على‮ ‬المجتمع‮ ‬الدولي‮ ‬،‮ ‬وتلك‮ ‬المؤسسة‮ ‬هي‮ ‬الأمم‮ ‬المتحدة‮ ‬،‮ ‬المحكومة‮ ‬بالقانون‮ ‬الدولي‮ .. ‬

لكن للأسف الشديد تدخَّل السياسيون في هذا الشأن ، وخصوصاً المنتصرين منهم في الحرب العالمية الثانية ، ليضعوا شروط المنتصر في تركيبة وهيكلة الأمم المتحدة ، ويضعوا لأنفسهم امتيازات ليست لغيرهم ، تمنحهم حق النقض الفيتو في كل قرار قد لا يتناسب مع مواقفهم ومصالحهم ، ليُفقِدوا بذلك الأمم المتحدة من حياديتها وعدالتها ، وليُفرِّغوا لوائحها وقوانينها من محتواها ، لتستمر الحسابات السياسية الخاطئة ، وإن كانت بشكل أقل عما كانت عليه قبل إنشاء الأمم المتحدة ، ولتُطبَّق تلك القوانين واللوائح والعقوبات الأممية على الدول الضعيفة‮ ‬،‮ ‬والصغيرة‮ ‬،‮ ‬والفقيرة‮ ‬فقط‮ ‬،‮ ‬ليظل‮ ‬بذلك‮ ‬ميزان‮ ‬العدل‮ ‬والإنصاف‮ ‬البشري‮ ‬مائلاً‮ ‬ومختلاً‮ ‬لمصلحة‮ ‬الأقوياء‮ ‬على‮ ‬حساب‮ ‬الضعفاء‮ ‬،‮ ‬ولمصلحة‮ ‬الأغنياء‮ ‬على‮ ‬حساب‮ ‬الفقراء‮ ..!! ‬
وكم هي الحسابات السياسية الخاطئة التي تعصف اليوم بعالمنا العربي ، نحو السلبية والفشل والتراجع الحضاري ، نتيجةً للتعصبات الدينية والمذهبية والحزبية والمناطقية والقبلية والطائفية ، لتتجمع كل أنواع وأشكال التعصبات في مجتمعنا العربي ، ليغرق في مستنقع الخلافات والصراعات‮ ‬والحروب‮ ‬،‮ ‬ولتتزايد‮ ‬الحسابات‮ ‬الخاطئة‮ ‬للسياسيين‮ ‬العرب‮ ‬،‮ ‬لتدفع‮ ‬الشعوب‮ ‬العربية‮ ‬الفاتورة‮ ‬الباهضة‮ ‬ثمن‮ ‬تلك‮ ‬الحسابات‮ ‬السياسية‮ ‬المتهورة‮ ‬والإنفعالية‮ ‬والطائشة‮ ..!! ‬
وما ثورات الربيع العربي إلا واحدة من تلك الحسابات السياسية الخاطئة والارتجالية ، وكم وكم قاد السياسيون العرب شعوبهم نحو المهالك والصراعات والحروب ، نتيجة حساباتهم السياسية الخاطئة ، وهناك بعض القادة العرب لهم مواقف إيجابية في هذا الخصوص ، منهم الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح ، وهو يطلب من قيادات الجيش بعدم الرد على الإعتداء الآثم والإرهابي ، الذي تعرض له في جامع دار الرئاسة ، وكذلك وهو يُسلِّم السلطة بصورة سلمية وحضارية ، وكل ذلك في سبيل حقن دماء أبناء الشعب اليمني ..!!
وللأسف‮ ‬الشديد‮ ‬
هناك في عالمنا العربي من ينظر إلى تلك المواقف الإيجابية ، نظرة سلبية ويصف من قاموا بها بالجبن والضعف ، بينما يرى الشجاعة والبطولة في المواقف السلبية والمتهورة الناتجة عن الحسابات السياسية الخاطئة ، دون اعتبار للآثار السلبية والكارثية لها على الشعب والوطن ، وهكذا مواقف غير طبيعية وغير متوازنة ، هي من تجد المبررات والحجج ، لأصحاب الحسابات السياسية الخاطئة ، وهي من تشجعهم على اإنتهاج تلك السياسات السلبية والتدميرية ، لنجد أن في عالمنا العربي هناك مؤيدين ومشجعين لأصحاب الحسابات السياسية الخاطئة ، يدفعهم إلى ذلك‮ ‬التعصبات‮ ‬أو‮ ‬التحزبات‮ ‬أو‮ ‬المصالح‮ ..!! ‬
وطالما وهذا هو الوضع السائد ، فإن عالمنا العربي على موعد مع الكثير من الحسابات السياسية الخاطئة ، وعلى موعد مع الكثير من الصراعات والحروب المتعددة والمتنوعة ، (الأزمة اليمنية والسورية والليبية والعراقية إنموذجاً) ، حتى يأتي ذلك اليوم ، الذي يتلاشى فيه مؤيدي ومشجعي ومناصري الحسابات السياسية الخاطئة ، عندها يمكن أن تنعم مجتمعاتنا العربية بالأمن والاستقرار والتقدم والتطور ، وعندها سوف تهيمن الحسابات السياسية الصحيحة والمدروسة والمخططة والعقلانية على مجريات السياسة والأحداث فيه ، وسيكون هذا مؤشر على تلاشي ظاهرة‮ ‬التعصبات‮ ‬المذهبية‮ ‬والطائفية‮ ‬والحزبية‮ ‬السلبية‮ ..!!‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 07:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-55198.htm