شوقي شاهر - (الاعلام اليوم ) كقوة مؤثرة صار هو السلطة الأولى بلا جدال، وبغض النظر عن الجانب الدستوري والقانوني الذي تستند إليه السلطات الثلاث الأُخرى فقد أصبح من الإجحاف الاستمرار في اعتباره السلطة الرابعة منذ منتصف القرن الثامن عشر وقد تجاوزها وأصبح اليوم أقواها ثأثيراً وأقدرها على إحداث التغيير..
لقد امتلك الادوات والوسائل التي مكنته من التغلغل في مختلف الاوساط وبما يجعله صانعاً للتوجهات وفارضاً للاتجاهات فيها، ومعبراً عن الرأي العام وموجهاً له ومستمداً سلطته منه في أغلب الأحيان، كما لم يعد بمقدور أي من السلطات الثلاث ان تمرر اوتنفذ أياً من اهدافها او سياساتها دون اللجوء اليه والحصول على مساندته ومؤازرته.فكل القوى الاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية لايمكن لها ان تنمو وان تتطور وان تبقى وان تقاوم وان تستمر مالم تحظ وتتمتع بقوة اعلامية رافعة ومدافعة عن اهدافها وتوجهاتها وسياساتها عموماً..
عندما اطلق أدموند يورك هذه التسمية على مجموعة من الصحافيين في مجلس العموم البريطاني لم يكن يدر بخلده حينها أن هذه المهنة وبتأثيرها المحدود وبعدد افرادها المعدود سوف يأتي يوماً ما وتصبح صناعة قائمة بحد ذاتها ولها اقتصادها المستقل ولا يكاد نطاق حدودها يستقر بين اكبر امبراطوريات السياسة والإقتصاد في العالم وبين ذلك الفرد الذي يمتلك هاتفاً خلوياً بين يديه في ترابط شبكي عجيب يبدأ ولايبدو أنه سوف ينتهي عند نقطة بعينها..
اليوم يترك الكل مهامه ليتابع الاعلام ويبدأ الجميع مهامه وفي ذهنه ماذا قال الاعلام وماذا سيحمل بين طياته خلال الدقائق والثواني القادمة..
لقد اصبح الجميع متابعاً لما يبثه الاعلام ويتحدث بما يقوله ويتوجه بما يتضمنه ..، بل انه في الوقت الذي كانت فيه شريحة معينة من تصيغ رسائله وترسم اهدافه وسياساته وكانت الرسالة الاعلامية لاتكاد تبارح حدودها بين مرسل ومتلقًّ .. الا ان نجد أن سلطتنا الاولى هذه قد استحقت موقعها هذا بجدارة من خلال اختراق هذه المبادئ التقليدية فقد اصبح القائم على الاتصال بفضل التكنولوجيا الحديثة هو متلقًّ ايضاً وصار المتلقي مرسلاً ايضا واصبح مشاركاً في صياغة السياسات والبرامج الاعلامية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، واصبحت مايطلق عليها اليوم بالسوشيال ميديا اهم احدى محركات التوجهات السياسية والاقتصادية على مستوى العالم ولنا في القرارات التي يتخذها رئيس اكبر دولة في العالم من خلال تغريداته خير مثال على ذلك..
ومن البدهي القول بأن الثورة التي شهدها الاعلام والقفزة المذهلة التي شهدتها وسائله ووسائطه مع اتساع رقعة حرية الرأي والتعبير قد صاحبها كثير من الاختلالات ونشوء العديد من السلبيات نتيجةً لسوء الاستخدام والممارسات التي تعرضت لعديد الانتقادات والتي تضع الإعلام في قفص الاتهام وتجعله في مقام المسؤولية وتعرضه للنقد وهذا أمرٌ لاشك فيه .. ولكن : هل يعني ذلك أن بقية السلطات تمارس مهامها وفق منسوب مهني مرتفع وتحتكم إلى نُبل الاهداف وشرعيتها الاخلاقية والإنسانية وتمارس نفوذها ومهامها وفق أُطر تسودها العدالة والقيم والمبادئ التي تراعي مصالح الشعوب والمجتمعات؟!.
لا أظن ذلك ..فالمسؤولية مشتركة.
|