إبراهيم ناصر الجرفي - بصراحة من يتابع المشهد السياسي اليمني ، ويتابع بالذات السياسيين ، والصحفيين ، والإعلاميين ، يصاب بالدهشة والذهول ، وهو يشاهدهم وهم يهاجمون خصومهم السياسيين بشكل مبتذل ورخيص ، ويتهمونهم بأبشع الجرائم ، ويلفقون لهم أفظع المنكرات ، بدون خجل أو حياء ، وهذا هو الفجور في الخصومة ، المنهي عنه في الإسلام ، وهذا هو العمل السياسي والإعلامي السلبي ، المخالف للقيم الدينية والأخلاقية ، والمخالف لعادات وتقاليد الشعب اليمني..
والغريب في الأمر أن هؤلاء السياسيين والإعلاميين والصحفيين ، في فترة زمنية سابقة ، كنا نشاهدهم وهم يمدحون ويسبّحون بحمد من يهاجمونهم اليوم ، وبمجرد حدوث اختلاف ، أو خصام ، أو فقدان مصلحة ، يتناسون المعروف فيما بينهم ، ويتنكرون لكلامهم السابق ، وهكذا تتبدل المواقف بحسب المصلحة ، لتصبح المصالح هي الحاكمة لمواقفهم ، ضاربين بكل المبادئ والقيم والأخلاق عرض الحائط..
والعجيب في الموضوع أنهم يستغلون الوطن والوطنية ، وسيلة سواء للمدح أو للقدح ، فمن يتوافق مع مصالحهم ، يمنحوه كل أوسمة الوطنية ، وكل نياشين البطولة ، حتى وإن كان أكبر خائن وأكبر عميل ، ومن يختلف معهم ، يقدحوه بأبشع صور الخيانة والعمالة ، حتى وإن كان للوطنية عنواناً ، وللشهامة والوفاء رمزاً ، وكل ذلك هو الناتج الطبيعي للفجور في الخصومة ، وهذا التطور الخطير والسلبي في العمل السياسي والإعلامي والصحفي ، هو بسبب دخول ضعفاء النفوس وأصحاب الأهواء والمصالح ، ورواد الأطماع المادية والسلطوية ، في هذه الميادين ، فأفرغوها من محتوياتها الهادفة ، وأفرغوها من المبادئ والقيم والأخلاقيات الإيجابية ، واستبدلوها بالمبادئ النفعية والمادية ، وبالقيم السلبية والسوقية والمصلحية ، وبالسلوكيات الهدامة ..
وبذلك تبدلت معايير الخصومة السياسية ، ففي السابق كان الخصوم السياسيون يلتزمون بمعايير أخلاقية لها حدودها ، ولها ضوابطها ، لا يمكن أن يتجاوزوها مهما وصلت درجة الاختلاف والخصومة فيما بينهم ، لأنهم كانوا رجالاً شرفاء وأحراراً ، يتخاصمون بشرف ، ويعادون بشرف ، وحتى يتقاتلون بشرف ..
ومن أمثلة ذلك عدم الخوض في الشرف والعرض والسمعة ، كون ذلك الأمر يهم الجميع ، وهو عرض الجميع ، وسمعة الجميع ، وشرف الجميع ، بل إن مثل هذه القضايا كانت تجمعهم ، وكانوا يقفون صفاً واحداً ، لمعالجتها بصورة صحيحة ، ووأدها ودفنها ، بعيداً عن الإعلام والتشهير ، ولا يمكن أن يسمحوا لأنفسهم باستغلالها إعلامياً وسياسياً ، لتحقيق مآرب دنيوية وسياسية ، على حساب السمعة والعرض والشرف المجتمعي ، لأن في ذلك مخالفة صريحة للشرع الإسلامي ..
فالتشهير الإعلامي فيما يخص الأعراض ، يندرج ضمن إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم ، فالذي يسعى للتشهير الإعلامي فيما يخص الأعراض ، هو من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم ، فهل يحب أحد أن يضع نفسه في هذا الموضع ، ويكون من هذا الصنف من الناس ..
قال تعالى :- (( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذابٌ أليمٌ في الدنيا والآخرة )) ..
خصوصاً إذا كانت تلك القضايا الأخلاقية منظورة أمام القضاء ، وفي حال ثبوت القضية بالأدلة والبراهين الشرعية والعقلية ، يجب معاقبة ومحاسبة المتهمين ، ويجب أن ينالوا جزاءهم الرادع وفق الشرع ، فنحن نعيش في مجتمع مسلم ، وعلينا أن نلتزم بالتشريعات الإسلامية ، من جميع الجوانب ، فإذا كان الشرع الإسلامي قد وضع العقوبات والحدود ، فإنه قد وضع الكثير من الضوابط والشروط ، لتطبيق تلك الحدود ، حرصاً منه على تحقيق العدالة ، واجتناب الظلم ، والظن السيئ ..
والشرع الإسلامي الذي وضع الحدود والعقوبات ، وحرَّم الاغتصاب والزنا والسرقة ، وغيرها من الجرائم ، هو نفس الشرع الذي نهى عن إشاعة الفاحشة في المجتمع المسلم ، فما بالنا بمن يسعى اليوم لنشر الإشاعات عبر وسائل الإعلام ، قبل التحقق من تلك القضايا ، وقبل التأكد من اكتمال أركانها ، فعلى سبيل المثال ما تروج له بعض وسائل الإعلام من ضبط خلايا مخلة بالآداب ، لتأتي وسائل إعلام أخرى تقول بأن مثل هذه القضايا مفتعلة ومخططة لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية ، والدليل على ذلك هو الترويج الإعلامي الكبير لها ، بهدف استغلالها سياسياً وإعلامياً ، وأطراف أخرى تتساءل لماذا في هذا التوقيت بالذات تم افتعال وتضخيم مثل هذه القضايا المسيئة لسمعة المجتمع اليمني المحافظ ..؟
بالنسبة لنا كبشر وكمسلمين ، خلق الله تعالى لنا عقولاً ، ووضع لنا تشريعات وضوابط وأحكاماً لكل شيء في هذه الحياة ، وأمرنا بعدم التسرع في اتخاذ المواقف تجاه أي حادثة أو جريمة ، حتى تتضح الصورة وتأخذ العدالة مجراها ، فإن ثبتت الإدانة بالأدلة الشرعية القاطعة ، فإن موقفنا هو وجوب تنفيذ العقوبة على الضالغين في تلك القضايا ، وإن كان العكس فكفى الله المؤمنين شر القتال ..
وبذلك فإننا لن نستبق الأحداث ، ولن نتسرع في إصدار الأحكام ، ولن نقبل أبداً بأن يستغل أي طرف سمعة النساء اليمنيات الماجدات ، لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية ، ولن نقبل أو نسمح لكائن من كان بالتطاول أو الاعتداء على المرأة اليمنية العفيفة الشريفة الطاهرة ، وكل من تسول له نفسه القيام بذلك ، سوف يدفع الثمن غالياً يكون من كان عاجلاً أم آجلاً ، وفق الوعيد الرباني الوارد في الآية القرآنية السابقة ..
وفي كل الأحوال ستظل مواقفنا السياسية مواقف وطنية وعقلانية ، ثابتة وراسخة وواضحة وصريحة ، لن تتغير أو تتبدل لمجرد حدوث حادثة هنا أو هناك ، ولن تتأثر بالعواطف والانفعالات الوقتية والآنية ، فالقضية قضية وطن ، وسيادة وطن ، ولن نسمح لأحد باستغلال مواقفنا ومشاعرنا وحبنا الكبير لوطننا ، لتحقيق مصالحه السياسية ، ونرفض أشد الرفض استغلال أي طرف لسمعة وشرف وكرامة المرأة اليمنية الطاهرة الشريفة ، لتحقيق مصالح سياسية أو مكاسب سلطوية ، فسمعة وشرف وكرامة حفيدات بلقيس الطاهرات الشريفات العفيفات ، أغلى من السلطة ، وأغلى من كل المصالح ، وعلى جميع الأطراف أن يدعوا المرأة اليمنية وشأنها معززة مكرمة ، وأن يديروا حروبهم ومعاركهم بشرف في ميادين المعارك بعيداً عن أعراض الناس ، وبعيداً عن سمعة وكرامة المرأة اليمنية ..
|