د.ابتسام الهويدي -
❊ إن النساء اليوم هن أكثر شرائح المجتمع فقراً في الدول النامية حسب التقارير الدولية، ونقصد بالفقر هنا فقر الدخل الذي ينشأ من حرمان النساء من اكتساب القدرات والمهارات وتوظيفها بفعالية.. إن التنمية البشرية تقاس من خلال ثلاثة مقاييس »الصحة، التعليم، الدخل« فأين تقف المرأة من هذه المقاييس؟ إن المرأة وخاصة في العالمين العربي والإسلامي تعاني من حرمان الحصول على التعليم المناسب وعلى العناية الصحية الأولية.. ما أدى إلى وقوع المرأة في دائرة الفقر.
إن فقر الدخل الذي تعانيه المرأة يضعف مشاركتها في الحياة العامة كالسيطرة على الموارد الاقتصادية وشغل الأعمال الفنية والمهنية.. الخ.. كما أن الفقر الذي تعانيه المرأة يحرمها من شغل الوظائف العليا الإدارية والتنظيمية والتشريعية.. إن النهوض بالمرأة وتحسين وضعها يتطلب إصلاحاً مجتمعياً من خلال سن القوانين واللوائح الرامية إلى التخلص من مظاهر التمييز، وكذا تنقية النصوص التمييزية، وفي نفس الوقت تعميق الوعي بين أفراد المجتمع بقضايا المرأة وحقوقها.. كما يجب على القوى المثقفة ومؤسسات المجتمع المدني وبالتعاون مع الدولة تصحيح الموروث الثقافي المجحف بحق المرأة والذي صُبغ وسُوق دينياً داخل المجتمع اليمني ما أدى إلى مزيد من التردي في أوضاع المرأة، إننا اليوم نحتاج إلى تحديث التفسير الديني وتبني الاتجاهات الدينية المستنيرة والاجتهادات الفقهية التحديثية وذلك انطلاقاً من مبادئ الشريعة الإسلامية، إننا اليوم نقف في مفترق الطرق إما إحداث تغيير مجتمعي قادر على دفع نصف طاقة المجتمع إلى المشاركة الفعالة في عملية التنمية والنهوض بواقع المجتمع، أو الابقاء على هذا الوضع المتدني لمشاركة المرأة، والنتيجة الحتمية مزيد من الفقر والبؤس لهذه الشريحة وبالتالي حرمان المجتمع من نصف موارده مما يؤدي إلى إخفاق المجتمع في تحقيق التنمية المنشودة.. أمامنا اليوم كدولة ومؤسسات مجتمع مدني وقوى مثقفة وقادة الرأي مهمة صعبة تتطلب تضافر الجهود من أجل إقرار حقوق نصف طاقة المجتمع وجعلها فعالة في تقدم ونهوض المجتمع.. قد يقول البعض إن المرأة اليوم قد أخذت حقوقها وأصبح هناك نساء في مواقع قيادية، كما ان المرأة التحقت بالمدارس والجامعات، وأيضاً أصبحت تشغل العديد من الأعمال الفنية والمهنية، ولكن هذه المقولة مردود عليها حيث ان النهوض بالمرأة يتطلب أكثر من مجرد صعود عدد من النساء إلى مواقع قيادية، بل ان الأمر يستدعي تقييم وضع المرأة على مستوى الوطن ككل، أي تقييم وضع القاعدة العريضة من النساء وخاصة في الريف حيث ان المرأة هناك محرومة من التعليم والصحة بالإضافة إلى الفقر والعوز الذي تعانيه رغم انها تقوم بأعمال شاقة سواءً داخل المنزل أو في الحقل.
اليوم أمام الدولة مهمة ملحة تتطلب تعزيز ثقافة المساواة بين الجنسين من خلال وضع مناهج واستحداث أساليب للتربية الاجتماعية والقيام بحملات إعلامية منظمة ومستمرة لتعزيز هذه الثقافة، كما أن على الدولة اليوم وفي نطاق إصلاح المجتمع والنهوض بالمرأة تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال القضاء على الفقر وخاصة فقر المرأة بدعم النمو الاقتصادي وتحقيق العدالة في توزيع الدخل.. وتحقيق العدالة الاجتماعية تقتضي مكافحة الفقر بين النساء وزيادة الإنفاق على التعليم والصحة وشبكات الأمان الاجتماعي.