أحمد الزبيري - يكتسب انعقاد الدورة الاعتيادية للجنة الدائمة الرئيسية للمؤتمر الشعبي العام أهميته اليوم من التحديات التي واجهها المؤتمر في الأعوام الأخيرة التي بدأت مع بداية العقد الثاني لهذا القرن وهي بدون شك لها تراكماتها وتعقيداتها من السنوات السابقة لهبوب الرياح العاصفة لما سمي بالربيع العربي عام 2011م ، وخلال كل هذا كان في كل مرة يتمكن المؤتمر - بحكم طبيعة تكوينه الوطنية وتعبيره عن مصالح أوسع فئات الشعب اليمني الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأهم انبثاقه من رحم حوار وطني لتجسيد ديمقراطية يضم تيارات واتجاهات متباينة وحتى مختلفة ليشكل مظلة تحتها - من إدارة كل هذا على نحو ينسجم مع مصالح اليمن وأبنائه.
وبالعودة إلى مرحلة التأسيس والانطلاق عام 1982م وحتى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990م يمكن اعتبارها الفترة الأهم التي جعلت من المؤتمر الشعبي العام تنظيماً وطنياً يمنياً رائداً وقادراً على تصدر العملية السياسية في ظل الديمقراطية المتلازمة مع إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية والتي في محصلتها وضعت المؤتمر على طريق بداية مرحلة جديدة كان لها تحدياتها وأخطارها وصعوباتها وتعقيداتها التي لايمكن فصلها عن متغيرات موضوعية وذاتيه ارتبطت بالتعددية السياسية بما تعنيه من انتقال المؤتمر من ائتلافية يضم في تكويناته عدة قوى وتيارات سياسية خرجت منه لتعود إلى أصولها الحزبية والفكرية لتصبح مستقلة ومنافسة للمؤتمر كتنظيم جماهيري أكثر وضوحاً في توجهاته وبرامجه المستمدة من دليله النظري والفكري "الميثاق الوطني" والذي جعلته بتصدر العملية السياسية كحزب حاكم في ظل الديمقراطية التعددية والتي كانت تعبر عن إرادة الشعب كونها نتاج لانتخابات تنافسية حرة بالمعني النسبي..
قد يتساءل البعض عن تناولنا لكل هذا مع أن ما ينبغي الحديث عنه هي الدورة الاعتيادية للجنة الدائمة الرئيسية التي هي موضوعنا بعد أن جرت في نهر المؤتمر الشعبي العام مياه كثيرة نقية وعكرة ليس فقط أثرت سلباً أو ايجاباً وإنما أدت إلى صعوبات وتحديات لم يسبق للمؤتمر أن واجهها من قبل وفي هذا المنحى نقول لفهم حاضر المؤتمر كان علينا إعطاء هذه الخلفية السياسية لتاريخ المؤتمر والتي بدونها لا يمكن فهم تعقيدات ما يمر بها المؤتمر وبالتالي إيجاد الحلول لها على نحو يتناسب مع بقاء المؤتمر تنظيماً جماهيرياً يحظى بثقة السواد الأعظم من أبناء اليمن والتي تجلت مظاهرها بأشكال متعددة أحبطت رهانات البعض على تفكك المؤتمر واضمحلاله وفقاً لتفسيرها الخاص والقاصر للمؤتمر الشعبي العام الذي كما قال رئيسه الشيخ صادق بن أمين أبوراس "بأنه يمرض ولكنه لايموت" ونضيف أن المؤتمر اليوم وهو يعقد دورة دائمته الرئيسية يؤكد وهو يخرج من بين هذه الحرائق كلها أنه أشبه بأسطورة طائر الفينيق ولعل في هذا السياق يكفي الإشارة إلى ما واجهه المؤتمر منذ 2011م وحتى اليوم وخاصة أحداث نهاية 2017م المؤسفة والتي أثبتت أن المؤتمر قادر في اللحظات الحرجة تجاوز دقتها وحساسيتها إلى المضي قُدماً في مساره الوطني الديمقراطي المجسد في جوهر فكره السياسي المعبر عنه في تغليب الحوار وروح التصالح والتسامح المعبرة ليس عن مصالح شخصية أو حزبية بل عن المصلحة الوطنية بمعناها ومضمونها الذي يصب في مصلحة أبناء اليمن جميعاً.
ومع أن انعقاد اجتماع اللجنة الدائمة اعتيادي من حيث الشكل إلا أنه وبالنظر للظروف والتحديات غير المسبوقة التي يواجهها ليس كذلك من حيث المضمون والدلالة والبعد وهذا ما يمكن استنتاجه من القضايا المطروحة والتي تفرض نفسها على المؤتمريين قيادة وقواعد وتضع أعضاء اللجنة الدائمة أمام مسئوليات ينبغي فهمها واستيعابها في سياقات الوضع الذي يعيشه الوطن والمؤتمر كحزب شعبي جماهيري..
فاليمن يواجه عدواناً خارجياً مستمر للعام الخامس على التوالي وموقف المؤتمر منذ بدايته كان واضحاً في مبدئيته وهو أنه ضد العدوان على اليمن من أيٍ كان وتحت أي مبرر مع دعواته المستمرة لحل الخلافات بين الأطراف اليمنية عبر الحوار ومع قوى التحالف المعتدية عبر المفاوضات إن كانت فعلاً جادة في التوجه نحو السلام الشامل والعادل الذي يأخذ في الاعتبار أن سيادة اليمن ووحدته واستقلاله وأمنه واستقراره هو من أمن واستقرار المنطقة ، وينطلق في هذا كله من الأسس السياسية والفكرية الوطنية التي قام عليها المؤتمر الشعبي العام.
ويبقى التحدي الأبرز على الصعيد المؤتمري الخاص هو في كيفية استيعاب المؤتمريين لمتطلبات واستحقاقات المرحلة الراهنة والتي تقتضي من جميع المؤتمريين العمل على عدم جعل الأحداث باستقطاباتها ومتغيراتها أن تأخذ المؤتمريين إلى الاختلاف والتباين الذي يبعدهم عن المبادئ والقيم الأساسية والرئيسية التي تضمنتها أدبياته وفي صدارتها دليله النظري. "الميثاق الوطني" الذي يمثل العودة إليه أهم ما يحتاجه المؤتمريين في هذه الفترة الاستثنائية التي يمرون بها ليتمكنوا من الخروج منها موحدين وأصلب عودا وقادرين على مواصلة تقديم الرؤى والتصورات التي تجيب على أسئلة الحاضر وتستشرف المسستقبل .. فالرهان على المؤتمر الشعبي العام كبير وهو به جدير.
|