محمد حسين العيدروس -
ما زلنا نتحدث عن الوطن والوطنية، ونخوض غمار الكثير من المفاهيم السياسية، التي تتطور أحيانا إلى مجرد مناكفات، ومناورات خطابية يشيع فيها البعض أن لا سبيل للوطنيين لبلوغ مراكز صنع القرار - بقصد تثبيط الهمم وتبرير التقاعس عن أداء مسئولياته الوطنية. تحضرني هذه الهواجس وأنا أتصفح بذاكرتي بعضا من سيرة حياة يحيى المتوكل - رحمه الله - الذي مرت ذكرى رحيله الرابعة يوم الثالث عشر من يناير .. فالمتوكل الذي كان حين رحيله يشغل أمينا عاماً مساعدا في المؤتمر الشعبي العام، ظل أنموذجا يستوقفنا جميعا كلما دار الحديث عن الوطن، ومعنى تجديد الهوية الوطنية بكل إباء وشموخ. يحيى المتوكل - رحمه الله - لم يكن لديه من يدس قصاصة عليها اسمه إلى قيادة المؤتمر ويزكيه ويلتمس له المنصب .. بل إنه رجل نال استحقاق المناصب الحكومية والقيادية في المؤتمر بجدارته الشخصية، وبما بذل من عطاء وتضحيات للوطن. يحيى المتوكل التحق بالجيش في مقتبل عمره لأنه كان ابن أسرة فقيرة، لا تجد قوت يومها إلا بشق الأنفس في ظل نظام إمامي كهنوتي صادر كل حقوق الانسان اليمني في الحياة الحرة الكريمة.. وفي بداية عهده بالجيش كان المتوكل - رحمه الله - يأخذ حصته اليومية من «الكدم» - وهي أربع فقط - فيعتاش على اثنتين منها ويبيع اثنتين ليشتري بثمنهما «شاياً»، أو أي احتياج آخر حتى شفق عليه زملاؤه بعد ما رأوا جسده يهزل. عندما قامت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، كان هذا الرجل بين الثوار.. وعندما دارت حروب الدفاع عن الثورة، وكان المتوكل في طليعة الصفوف الاولى يذود عن حمى الوطن حتى أصيب وتم نقله إلى إحدى الوحدات الصحية الميدانية. شجاعة المتوكل غرست محبته في قلوب الناس، وفرضته على قياداته، ليتدرج بالرتب العسكرية، والمناصب الحكومية والسياسية، حتى وصل إلى ما وصل إليه بكل استحقاق وجدارة .. فهو أنموذج للرجال الذين صنعوا الثورة والذين ما زلنا نتذكرهم كلما مر المزايدون بأحاديثهم على الثورة، ونظروا إليها بعين عوراء. الوطن لا ينسى أحداً من أبنائه المناضلين، ولا يتجاهل كل من بذل وأنجز لأجله، لذلك لم يكن المتوكل - رحمه الله - هو الوحيد من أبناء الأسر الفقيرة الذين منحهم الوطن ثقته، وحملهم أمانة مسئولية قيادة الجماهير - فالرئيس علي عبدالله صالح لم يكن أفضل حالا في مقتبل عمره من يحيى المتوكل، فهو ايضا وصل إلى قيادة اليمن بعد مسيرة شاقة من المعاناة - التي تعادل فيها اليمنيون في العهد الملكي - ومن التضحيات من أجل الثورة والدفاع عن الوطن.. ولم يكن بحاجة إلى وساطة، أو ثروة أو جاه ليتدرج على المناصب حتى فتح الشعب له أبواب دار الرئاسة. تجاربنا اليمنية غزيرة بالأمثلة للنموذج القدوة الذي يجب أن يحذو حذوه الآخرون، ممن تولوا مناصب قيادية عالية بجدارة استحقاقهم لها.. فلا سبيل للبعض للتنصل من مسئولياتهم الوطنية، التي توجب عليهم بذل قصاري الجهد لخدمة شعبهم بكل تفانٍ وإخلاص ليمنحهم هذا الشعب ثقته، ويلتف حولهم، ويقودهم إلى أعلى المناصب التي يطمحون لبلوغها. إن المشكلة التي نواجهها أحيانا هي أن البعض ما زال يتجاهل هذه الحقيقة، ويعتقد أن تداول المناصب الوظيفية قد يحدث كما لو أنه استحقاق مكتسب ! وهذا منطق لا يحتكم إلى عقل أو دراية بحقيقة ما يجب ان تقوم عليه أي دولة مؤسسية، في عصر لا يسمح بضياع مزيد من الفرص، كالفرص التي أضاعها شعبنا في ظل العهود السابقة، والتي كرست جهله وفقره وتخلف بناه التحتية. إن بلدنا في هذه المرحلة بأمس الحاجة لكل الطاقات الوطنية الخلاقة التي تنهض ببناه التنموية .. بحاجة ماسة إلى رجال من مدرسة يحيى المتوكل، رحمه الله، ومن مدرسة الرئيس علي عبدالله صالح، لا يفاخرون بأنساب، وقبائل، ومناطق، وثروات، بقدر تفاخرهم بأنفسهم، وبما أنجزوه لوطنهم وشعبهم وأمتهم. الدولة تحتاج إلى أناس مخلصين، يعملون لإيمانهم بأن الوطن يستحق العمل، وأن الشعب يستحق ما يقدمونه لأبنائه من خدمات وإنجازات .. فرحم الله المتوكل كان نموذجا يستحق أن يكون قدوة هذا الزمان..! نقلا عن الثورة