أحمد الرهوي - تحل علينا ذكرى الوحدة اليمنية المباركة التي صنعها شعبنا اليمني بتوفيق من الله في الجمهورية العربية اليمنية في شمال الوطن وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في جنوب الوطن يوم 22 مايو عام 1990م.
حيث كانت هدفا نبيلا لشعبنا في الشمال والجنوب منذ ستينيات القرن العشرين بعد أن كان يعيش في شطرين منفصلين وفي ظل حالة من البؤس والمعاناة والاضطراب والخوف.
كما تحل علينا هذه الذكرى والوطن يرزح تحت حرب وعدوان ظالم تكالبت علينا فيه قوى الشر العالمي وأدواتها وأحدثت أسوأ أزمة إنسانية في العالم دمروا فيه اليمن أرضا وإنسانا وتاريخاً بالتوازي مع صمت وتخاذل عربي ودولي.
وتعرضت الوحدة اليمنية وتتعرض لمؤامرات مختلفة من يومها الأول والسعي لتحويل اليمن إلى دويلات هزيلة ومفككة يسهل السيطرة عليها وتطويعها لنهب ثرواتها وإزكاء الخلافات لتسير البلاد نحو التشرذم والتجزئة والتشطير
فنضالات الشعب اليمني أنتجت الوحده التي كان يتوق إليها كل شرفاء شعبنا وكانت تنادي بها أيضا الأنظمة القومية العربية وجربتها في سوريا ومصر ولكنها وئدت بكل أسف نتيجة عوامل داخلية وخارجية ونتيجة سوء تصرف وجاءت الوحدة اليمنية مشرقة في ظل يأس وظلمة لبدت سماء الوطن العربي ، وكانت الأجواء المحلية والدولية والمتغيرات التي حصلت على ضوئها وعوامل كثيرة أخرى من العوامل التي ساهمت في إنجاز إعادة تحقيق الوحدة اليمنية وكان للحزب الإشتراكي والمؤتمر الشعبي العام الدور الريادي في إعادة تحقيقها وكانت الوحدة اليمنية نقطة تحول كبير في المنطقة والعالم بالتوازي مع ترحيب وإعجاب شعوب العالم.
ثم تلتها الوحدة الألمانية بتحطيم جدار برلين ولازالت الوحدة الألمانية قائمة وتلتها اتحادات كالإتحاد الروسي والإتحاد الأوروبي.
الوحدة هي أمر إلهي قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)
وللوحدة فوائد كبيره منها تحقيق وعي المجتمع بفهم ذاته فهمًا صحيحًا، مما يساعد على توحيد أنماط التفكير والسلوك، وأساليب البحث ومواجهة التحديات والتحرر من التبعية الفكرية والحضارية، والتي تتولد عن عدم فهم الذات فهمًا صحيحًا واعيًا.
كما تساعد الوحدة على صياغة صحيحة من أجل الإبداع الحضاري وتثير طاقاته الإبداعية، وتقدم النموذج السليم للإنسان الحضاري وإبراز آثاره العظيمه التي تورث القوة والعزة والمنعة وتحقيق الألفة والعدالة والمحبة وكل العوامل المؤدية إلى الترابط في المجتمع الإسلامي ولمحافظة على التراث الثقافي واللغة العربية (لغة القرآن) واستمرارها والقضاء على العصبية القبلية.
ومع الوحدة يتحقق الخير والبركة والألفة بين المسلمين، وانتشار التعارف فيما بينهم، وبذلك تتحقق المودة ويسود الإخاء ويعم التعاون، ورفع روحهم المعنوية، انطلاقًا من الاعتقاد بأن يد الله مع الجماعة، ومن كانت يد الله معه كان واثقًا من نصر الله عز وجل.
فالاجتماع والوحدة قوة متجددة للفرد والأسرة والمجتمع ككل، وهذا ما يخيف الأعداء ويلقي الرعب في قلوبهم.
إن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء اليمن القوي، ودوام دولته.
كما أن الوحدة وسيلة من وسائل الأخلاق الفاضلة وذلك بانغماس الفرد في البيئات الصالحة، وذلك لأن من طبيعة الإنسان أن يكتسب من البيئة التي ينغمس فيها، ويتعايش معها ومع ما لديها من أخلاق وعادات وسلوك ويُذكي في الأفراد روح التفوق والرغبة في إظهار ما لديهم من قدرات.
الوحدة دواءٌ ناجعٌ لكثير من الأمراض النفسية: كالانطواء والقلق، إذ أن وجود المرء مع الآخرين يدفع عنه داء الانطواء ويُذهب القلق، وخاصة إذا علم أن إخوانه لن يتخلوا عنه وقت الشدة، فالمرء قليلٌ بنفسه كثير بإخوانه.
وفي الاجتماع والوحدة طرد للشيطان، وإغاظة له، لأنه يهم بالواحد والاثنين، فإذا كانوا ثلاثة (وهو أقل الجمع) لم يهم بهم الشيطان، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
ولهذا فإن الحفاظ على الوحدة اليمنية أمانة تاريخية يتحملها كافة أبناء الوطن.
تلك الوحدة التي أذهلت العالم وحيرت الباحثين والمتابعين والمراقبين الذين وقفوا يتابعون اليمنيين وهم يؤسسون لتجربة فذة وفريدة في معالجة إشكالية الوحدة اليمنية بعقلانية وهدوء مستحضرين في ذلك تراثاً حضارياً كبيراً ضارباً جذوره في أعماق التاريخ اليمني. وكان لهم ما أرادو رغم وجود الأخطاء والتصرفات التي شابت الوحدة التي هي عبارة عن تصرفات بشر أساءت للوحدة وحملتها أعباء وتبعات كبيرة، ومع ذلك مازال شرفاء اليمن يناضلون من أجل استمرارية هذه الوحدة لأن فيها عزتهم وكرامتهم وأضرب لكم مثالاً باكستان والهند عندما تفرقت كيف أصبح حالهما اليوم حيث انصرفوا عن التنمية وذهبوا لسباق التسلح لتدمير بعضهم البعض على حساب الإنسان والتنمية وتتابعون أيضا ما يحصل في الكوريتين وإن بدأت تتقارب ولكنهما استنزفتا الكثير من الموارد البشرية والمادية.
ولهذا كان التجمع والوحدة اليمنية الضوء المنير في تاريخ الأمة العربية واللبنة الأولى لوحدتها ولهذا يجب أن نقف بمهابة واحترام لهذا المنجز العملاق الذي لم يأت بمحض الصدفة وإنما كان حصيلة لنضال طويل وشاق خاضه شعبنا اليمني وسعى إليه بكل غالِ ونفيس إيمانا أن مستقبلا مشرقا للوطن وأبنائه مرهون بتحقيق هذا المنجز العظيم الذي فتح آفاقاً رحبة أمام طموحات وأحلام أبناء اليمن.
وفي الأخير نسأل الله أن يؤلف بين قلوب شعبنا اليمني وأن يرسخ التراحم بينهم وأن يعودوا إلى صوابهم ووحدتهم ، وأي أفكار هنا أو هناك تطرح على الطاولة اليمنية بعيدا عن العدوان ويكفي السكوت عن المحتل ونحن في العام الخامس من العدوان المستمر الظالم فالدماء اليمنية غالية ويكفي استنزاف اليمن وتدميره أرضا وإنسانا وتاريخاً ولا نامت أعين الظالمين.
|