إبراهيم ناصر الجرفي - إن أكثر السلبيات والانتكاسات والفشل والفساد والدمار والخراب التي تعرض لها البشر طوال تاريخهم وحياتهم كانت نتيجة استخفاف ملوكهم أو أسيادهم أو حكامهم أو كبرائهم أو حتى رجال الدين بعقولهم.. فهذا القرآن الكريم يعطينا مثالاً ونموذجاً لذلك الاستخفاف بالعقول، فهذا فرعون ملك مصر يستخف بعقول شعبه حيث جعل من نفسه الإله الذي يستحق العبادة ونتج عن ذلك الاستخفاف الويل والدمار والغرق له ولأتباعه..
قال تعالى "ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون * أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين * فلولا ألقي عليه إسورةٌ من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين * فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين * فلما ءاسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين"..
وهذا المشهد يتكرر في كل زمان ومكان وهل الحروب التي عانت منها البشرية طوال تاريخها إلا النتيجة الحتمية لاستخفاف الملوك والحكام بعقول أتباعهم وكلما زاد استخفاف الحاكم أو الملك بعقول شعبه كلما زاد تخلف ذلك الشعب وزاد تراجعه الحضاري وقاده لحروب وصراعات لا ناقة له فيها ولا جمل من أجل المحافظة على ملكه وسلطانه..
لذلك لن أبالغ إذا قلت إن عملية الاستخفاف بالعقول هي أكبر معضلة في تاريخ المجتمع الإنساني وهي العامل الرئيسي في كل ما تعرضت له الحضارة الإنسانية من الدمار والخراب والعنف والحروب.
لذلك أخي المسلم الكريم الله تعالى كرمك بالعقل فلا تسمح لأحدٍ كائن من كان بالاستخفاف بعقلك واستغفال قدراتك العقلية والذهنية والفكرية والحسية تحت أي مبرر أو ذريعة كانت، وأخطر بوابة للاستغفال والاستخفاف بالعقول هي بوابة الدين فبإسم الدين يتم تقديس الأشخاص وتمجيدهم وتعظيمهم وبإسم الدين تحدث الصراعات والحروب، وبإسم الدين يباح القتل والتطرف والإرهاب، وباسم الدين تسفك الدماء وتهدر الحريات والحقوق، وكل ذلك رغم براءة الدين من كل تلك الدعوات ورغم أن الدين يدعو إلى تفعيل العقل ويرفض رفضاً قاطعاً الاستخفاف بالعقول واستغفالها..
وللأسف الشديد فإن بوابة الدين كانت وما تزال وستظل الطريقة المثلى لأصحاب المصالح السياسية والاطماع السلطوية لاستغفال عقول الناس والاستخفاف بها وجعلهم مجرد أدوات وأرقام وصولاً إلى تحقيق تلك المصالح السياسية والأطماع السلطوية من أجل ذلك كله أصبح تحصين العقل بالوعي والثقافة والبحث والدراسة والقراءة أفضل وسيلة لإنقاذه من استغفال واستخفاف الآخرين، ومن أجل ذلك كله جعل الإسلام تفعيل العقل والفكر وطلب العلم واجباً من أهم الواجبات الدينية بل لقد جعله أول واجب ديني في الإسلام فأول آية قرآنية وأول أمر إلهي وأول واجب ديني نزل على الرسول عليه الصلاة والسلام هو أمر تفعيل العقل وطلب العلم والقراءة، قال تعالى "إقرأ بإسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * إقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم"..
|