الميثاق نت -

الأحد, 14-يوليو-2019
عبدالوهاب‮ ‬الشرفي -
سُرّب قبل الامس تصريح عمن وصف بالمسئول الاماراتي الرفيع بان الامارات تعيد نشر قواتها في اليمن وانها ستتحول من الاسلوب العسكري الى اسلوب العمل على السلام، وكان هذا التصريح المسرب مصمما بطريقة خاصة ترتب عليها عدم وضوح كامل للذي تقوم به الامارات بالتحديد، فقرأه‮ ‬البعض‮ ‬قرار‮ ‬بالانسحاب‮ ‬وقراه‮ ‬البعض‮ ‬انه‮ ‬تقليص‮ ‬للقوة‮ ‬الاماراتية‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬والبعض‮ ‬قرأه‮ ‬مناورة‮ ‬سياسية‮ ‬او‮ ‬تكتيك‮ ‬حربي‮ ‬وغيره‮.‬
كانت الامارات بعد الضربة القاسية التي راح ضحيتها اكثر من مائة عسكري اماراتي في مأرب في بداية العدوان على اليمن قد اعادت ترتيب حضورها العسكري في اليمن بشكل هيكلي وسحبت جنودها وسحبت الاسلحة النوعية التي كانت قد دخلت المعركة مع جنودها ولم تعد المشاركة الاماراتية في اليمن الا بعدد من القيادات العسكرية في غرف العمليات وعدد من الاستخباريين يديرون المشهد الامني والاداري في مناطق سيطرتها جنوب اليمن دون ظهور، وبالتالي فالحديث عن انسحاب الامارات من اليمن امر قد تم وجرجرت آلياتها وخيباتها منذ وقت مبكر، واي تصور لانسحاب‮ ‬حاليا‮ ‬لن‮ ‬يعني‮ ‬الا‮ ‬سحب‮ ‬ما‮ ‬تبقى‮ ‬من‮ ‬قيادات‮ ‬عسكرية‮ ‬وعناصر‮ ‬استخبارية‮ ‬تتولى‮ ‬السيطرة‮ ‬المركزية‮ ‬على‮ ‬تحرك‮ ‬القوات‮ ‬التي‮ ‬انشأتها‮ ‬من‮ ‬اليمنيين‮ ‬تحت‮ ‬مسميات‮ ‬النخب‮ ‬والاحزمة‮ ‬الامنية‮ ‬وحراس‮ ‬الجمهورية‮.‬
يغطي التحالف السعودي حربه على اليمن بإعادة " الشرعية " لكن بات مفهوما للجميع ان هذا عنوان لا اكثر بينما الحرب لها اجندتها البعيدة عن " شرعية وما شرعية "، ويصدق هذا بحق السعودية وحق الامارات لكن السعودية تعمل لاجندتها بشكل موارب لا يظهر بسفور تصادمه مع عنوان‮ ‬التدخل‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬لاعادة‮ " ‬الشرعية‮ " ‬بينما‮ ‬الامارات‮ ‬تعمل‮ ‬لاجندتها‮ ‬بشكل‮ ‬سافر‮ ‬وواضح‮ ‬وفاضح‮ ‬وتصطدم‮ ‬مع‮ ‬التمكين‮ " ‬للشرعية‮ " ‬بشكل‮ ‬مباشر‮ ‬وتخوض‮ ‬مع‮ ‬هذا‮ ‬الطرف‮ ‬سجالا‮ ‬بل‮ ‬كان‮ ‬قد‮ ‬وصل‮ ‬لصدام‮ ‬لغير‮ ‬مرة‮.‬
ما تفعله الامارات في اليمن وجنوبه بدرجة محورية ليس اعادة " الشرعية " نعم ولكنه ليس غامضا ايضا، فما تفعله في اليمن هو ذاته الذي تفعله في مختلف الملفات التي تدخلت فيها الامارات من الملف المصري الى الليبي الى غيرها من الملفات، وهو ذات الصراع الذي تديره تحت يافطة مواجهة الاخوان وان كان محله اليمني هو حزب الاصلاح اليمني الذي يمثل النسبة الغالبة في تركيبة ما تسمى " الشرعية "، وعلى ذلك فمسألة سحب مابقي للامارات من قيادات وعناصر استخبارية من اليمن لن تحدث الا اذا تخلت عن مشروعها في اليمن ولن تتخلى عن مشروعها في اليمن الاقرب اليها الا اذا تخلت عن مشروعها في الملفات الاخرى التي تعمل فيها، اي لن تسحب قياداتها وعناصرها الاستخبارية الا اذا تخلت عن دورها الاقليمي بالاساس وهذا قطعا لم يحدث وبالتالي لا سحب حتى لما هو باق للامارات في اليمن.
شيء من التأمل في التسريب الاماراتي يكشف ان هذا التسريب مصمم بحرفية وانه ناتج عن حسابات تمت للدور الاماراتي في اليمن خلال المرحلة القادمة، وهذا التسريب ذكر اعادة نشر قوة الامارات في اليمن وليس انسحاب وهذا امر ليس لاول مرة تقوم به الامارات فهي تستبدل من قياداتها وعناصرها بآخرين من وقت لآخر، ومن قرأ التسريب على انه انسحاب بنى ذلك على ان التسريب تحدث عن التخلي عن العمل العسكري الى العمل على السلام، لكن الامر ليس كذلك لاعتبارات ان ذلك يتطلب تخلي الامارات عن الدور الذي تلعبه في الاقليم ككل.
التسريب الاماراتي لم يأت دون مقدمات فمن يتابع الملف اليمني يعرف ان الامارات قامت بالفعل بتحركات في اطار مابقي لها من قوة في اليمن بالفعل، واذا كان الامر ليس انسحابا ولا سحباً للقيادات والعناصر في اليمن فما هو الذي تم بالفعل ؟، وربما ان التسريب هو خير من يقدم‮ ‬اجابة‮ ‬لهذا‮ ‬السؤال‮ ‬فما‮ ‬تم‮ ‬في‮ ‬اطار‮ ‬مابقي‮ ‬من‮ ‬قوة‮ ‬الامارات‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬ليس‮ ‬واحداً‮ ‬فقد‮ ‬وصفه‮ ‬التسريب‮ ‬بأنه‮ ‬تكتيكي‮ ‬في‮ ‬بعضه‮ ‬واستراتيجي‮ ‬في‮ ‬بعضه‮ ‬الآخر‮.‬
سحبت الامارات مابقي لها من قوة في مأرب الخاضعة لسيطرة سلطة " الشرعية " والمركز الحيوي الاول لحزب الاصلاح اليمني في البلد وهذا الانسحاب وصفته بالتكتيكي واعادت نشر قوتها باتجاه جبهة الساحل الغربي وهذه الاعادة لنشر القوة وصفتها بالاستراتيجي.
قبل هذا التسريب واثناء اعادة نشر القوة الاماراتية كانت التصريحات من طرف الحراك الجنوبي الانتقالي الممثل الرسمي للوجود الاماراتي في جنوب اليمن تطلق التهديدات بانها ستطهر محافظة حضرموت ملوحة بذلك باتجاه قوة سلطة هادي في المحافظة، كما تخوض القوات الحراكية " النخب " صراعا باتجاهات مختلفة في شبوة منها ضد قوات سلطة هادي ومنها ضد مكونات اجتماعية رافضة للدور الاماراتي في الجنوب اليمني، وفي غمرة هذه التلويحات والمواجهات كانت الآليات العسكرية تتدفق الى الجنوب بشكل ملفت انتظره البعض في جبهة الساحل الغربي لكنه لم يصل الى‮ ‬هناك‮ ‬وضاع‮ ‬اثره‮ ‬في‮ ‬محافظات‮ ‬الجنوب‮ ‬نفسها‮.‬
ليس فقط تدفق السلاح وزيادة العسكرة لابناء الجنوب والتموضع وبدء صراعات على الارض وانما كان هناك عمل ملحوظ في سبيل استكمال بنية الحراك الجنوبي الانتقالي واستكمال وحدات تنظيمية تتبعه رسميا تغطي كامل رقعة جنوب اليمن، ومرابطة التفاصيل تضعنا امام احتمال قوي ان هناك ماهو مخطط وتزمع الامارات ان تخرجه في محافظات الجنوب وان هذا الامر ان تحقق فلن يكون الا ضد قوة هادي او ماتسمى " الشرعية " وكل من هو غير راض عن الدور الذي تلعبه الامارات هناك، وكما هو اسلوب الامارات في العمل بتجهيز القوة الموالية لها ثم اطلاقها لمعركتها عند ذلك كما حدث مثلاً مع قوة " حفتر " في ليبيا فان سمات هذا الاحتمال قائمة في جنوب اليمن وان الامارات تخطط لاطلاق الموالين لها بعد اكتمال تجهيزهم عسكريا وتنظيميا ضد قوات " هادي " في الجنوب وهذا هو الذي فرض سحب مابقي لها من القوة في مأرب كي لا يكونوا عرضة للانتقام على خلفية الصراع الذي يفتح ضد " الشرعية " - وحزب الاصلاح المكون الرئيس فيها - في المحافظات الجنوبية، ولهذا وصفت سحب قواتها هناك بالتكتيكي لان معركتها التي تخوضها في اليمن مسايرة مع معاركها في غير ملف في الاقليم مازالت مستمرة ولن تتخلى عنها وفقط هي تتحوط‮ ‬لقوتها‮ ‬الباقية‮ ‬بين‮ ‬يدي‮ ‬الاصلاح‮ ‬كي‮ ‬لا‮ ‬تتكرر‮ ‬تجربة‮ ‬قوتها‮ ‬في‮ ‬مأرب‮ ‬التي‮ ‬حصلت‮ ‬في‮ ‬بداية‮ ‬العدوان‮ ‬على‮ ‬اليمن‮.‬
يتولى " غريفيث " العمل بتركيز على جبهة الساحل الغربي لليمن وفي اطار ما يعرف باتفاق " استوكهولم "، واثناء عمله هذا يجري تفاهمات مع الحوثيين تمت على الارض، وزار " غريفيث " روسيا مؤخرا بعد تواري الموقف الروسي في الملف اليمني بعد احداث صنعاء التي قتل فيها الرئيس اليمني السابق صالح وهو ما يعني ان موقفاً روسياً من جبهة الساحل متوقع من جديد ما قد يعيق العمل العسكري باتجاه مدينة الحديدة كما حصل من قبل، وان ما يفعله " غريفيث " ربما هو الانجع والاسهل في ظل هذا التوقع لترتيب وضع جبهة الحديدة من العمل العسكري.
في ذات الوقت تشهد المنطقة توترا عاليا على خلفية الملف الايراني وهذا يفرض اعادة ترتيب القوة الاماراتية ككل للجهوزية لاي تطورات قد تفاجئ في المنطقة والامارات تحتفظ بقيادات عسكرية وعناصر استخبارية مؤهلة لادارة الحرب في اليمن وتجربتها قد صقلت اكثر، والتطورات في الاقليم تجعل الحاجة لها داخل الامارات مقدمة على الحاجة لها في اليمن كما ان هذه القيادات والمناطق التي تتموضع فيها تفرض وجود اسلحة خاصة في مقدمتها بطاريات صواريخ الدفاع الجوي وتطورات الاقليم تجعل حاجة الامارات الدولة لهذه الاسلحة اكثر من الحاجة في اليمن ولهذا غيرت من تلك القيادات والعناصر وبدلتهم باخرين واعادة نشرهم في مناطق اقل احتمالا لتعرضهم للخطر او قصرت دورهم الرئيسي على محافظات الجنوب حيث معركتها الرئيسية وسحبت الاسلحة الخاصة لتشغيلها في دولتها.
منذ رمضان المنصرم تقريبا دخلت قوة انصارالله مرحلة جديدة ودخل الخدمة الطيران المسير بدور مستمر وكذا صواريخ جديدة ذات امدية تطال الاراضي الامارتية وانواع جديدة ايضا منها الكروز بعد اقتصار الصواريخ على الباليستي، وتحدث انصارالله عن مرحلة جديدة وعن اهداف محددة ستستهدف في دول العدوان وليس السعودية فحسب، وهذا الامر يطرح ان تفضل الامارات النجاة بنفسها من اي ضربات تطال منشآت حيوية لها قائما وما قد يعرضها بدرجة رئيسية لذلك هو جبهة الساحل الغربي الذي سيرد انصارالله على اي هجوم فيها بالضرب في الداخل الاماراتي حتما، ولكون المعركة الرئيسية للامارات هي مع الاصلاح فستفضل ان تقتصر اعمالها العسكرية وتواجد قياداتها وعناصرها على المحافظات الجنوبية وتتخلى عن الجبهات التي تتواجه فيها مع قوات انصارالله وتنسحب عمليا من الحرب ضدهم تاركة السعودية لحالها في هذه المواجهة خصوصا في ظل المنافسة الحادة بينهما في المحافظات الجنوبية التي تحسب فيها على السعودية فرض بقاء حكومة " معين عبدالملك " في عدن والعمل المحوري في محافظة شبوة وكذا قبلها المواجهه في ملف سقطرى والسماح بتوجيه رسالة من " هادي " للامم المتحدة تشكو بالامارات، وليس هناك ما يمنع ان‮ ‬يتم‮ ‬التخلي‮ ‬عن‮ ‬جبهة‮ ‬الساحل‮ ‬مقابل‮ ‬عدم‮ ‬الضرب‮ ‬في‮ ‬الداخل‮ ‬الاماراتي‮ ‬امرا‮ ‬اتفاقيا‮ ‬مع‮ ‬انصارالله‮ ‬لحساسية‮ ‬ملف‮ ‬الحديدة‮ ‬بالنسبة‮ ‬لانصارالله‮ ‬ايضا‮.‬
تبعا لكل هذه العوامل في جبهة الساحل الغربي وصفت الامارات اعادة نشر قواتها هناك بالاستراتيجي اي انها اتخذت قرار استراتيجيا في حربها في اليمن تخلت بموجبه عن دورها في المعارك ضد انصارالله وتخلت عن السعودية بالتبعية وستقتصر فقط على معركتها في المحافظات الجنوبية‮ ‬ضد‮ ‬قوات‮ " ‬الشرعية‮ " ‬التي‮ ‬تراها‮ ‬في‮ ‬جوهرها‮ ‬حزب‮ ‬الاصلاح‮ ‬الذي‮ ‬هو‮ ‬بدوره‮ ‬اخوان‮ ‬اليمن‮ ‬والخصم‮ ‬الرئيس‮ ‬للامارات‮ ‬في‮ ‬الاقليم‮ ‬ككل‮ ‬وليس‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬فقط‮.‬
تظل هذه القراءة منطلقة من تسريب تم تداوله بشكل كبير وليس موقفا رسميا اعلنته الامارات، وهو يمثل اعادة تموضع في الملف اليمني باتجاه الوضع الذي تراه الامارات هو الاسلم لها مع تمسكها بمعركتها التي تخوضها في الاقليم ككل، ولكونه تسريبا خبريا يظل للتصورات ان ذلك خدعة‮ ‬ضمن‮ ‬ترتيب‮ ‬لمهاجمة‮ ‬الحديدة‮ ‬امرا‮ ‬مطروحا‮ ‬ولو‮ ‬باحتمال‮ ‬ضئيل‮ ‬ولا‮ ‬يجب‮ ‬اغفاله‮ ‬حتى‮ ‬تتبين‮ ‬الامور‮ ‬تماما‮ ‬من‮ ‬خلال‮ ‬الواقع‮ ‬واين‮ ‬تنتهي‮ ‬عملية‮ ‬اعادة‮ ‬التموضع‮ ‬التي‮ ‬دخلتها‮ ‬الامارات‮.‬

تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:53 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-56196.htm