سهير المعيضي - لم تكن وطنا مثاليا وأعترف بأنك منحتني هزائم متكررة وكسرتني كلما فكرت أن أٌقوّم اعوجاج روحي وأقف من جديد، وأعترف أيضا بأنني غضبت منك كثيرا وأقسمت ذات يوم بائس أن أرحل عنك.. لست وطنا مثاليا أبدا، فأنت تتعثر كثيرا وتقف من جديد.. تُخطئ دائما وفي النهاية تصيب.. لست مجرد أرضا أخطو عليها أو سماء أحتمي بظلها أنت أكبر بكثير من مجرد ظل وأكثر اتساعا من رقعة أرض.
لم تكن وطنا مثاليا ولم أكن أنا أيضا مواطنة مثالية أحببتُك بطريقتي أُهديك بؤسي بعد كل هزيمة لي منك.. أمنحك سخطي بعد كل ثورة غضب منك، المهم أننا نتبادل كل شيء ابتداءً بالهواء والماء وانتهاءً بالغضب والسخط وأحيانا البكاء.
أُحبك لأنك تُشبهني بكل مافيك أُحبك لأنك تحتويني وتحتويهم بانكساراتهم وبؤسهم، ازدحام شوارعك ووجوه العابرين التي تحمل معها حكايات غريبة.. أصوات أنين السيارات..وقرع الأحذية على الطرقات، ودعاء البائعين بالرزق من الله وتعلق اليائسين برحمة من لا أحد سواه.. دخان السيارات الثائر يزدحم مع دخان الشواء في المطاعم ووجوه العابرين تتلون مابين جائع ممتلئ وجائع محروم، وأيادٍ تعرف مواضع الألم فتربت عليها بحنان.
كل مافيك أُحبه حتى ذاك الوجع المحكي كقصة مكتوبة في وجوه المشردين نقرأها في عصى عجوز أعمى يتلمس الطريق ويخطو بثقة لرب السماء، وقبعة شرطي أنهكها الحر فرفعها ليريحها فتسقط أرضا ويعود ليحملها ويترك مكانها همومه وقلة صبره.
كل مافيك أُحبه حتى يأس العابرين المتعلق بخطواتهم تجده في وجه ذلك العجوز المكسور كالجدار البائس خلفها، وأجساد النائمين التي ملت من قسوة الدنيا وتعبت من البحث عن سقف يحتويها فأختارت السماء سقفا وأرضك ياوطني أرضا.
أُحبك يا وطني ياعزي وياذُلي يا فرحي وياحزني لأنك دائما هنا كلما تعبنا من الركض بعيدا عنك عدنا لنجدك وكلما انهكتنا الطرقات التي فشلت في احتوائنا نجد طريقك يحتضنا.
أُحبك يا وطني لأنني لا أُطيق البعد عنك وكلما رحلت بعيدا أختنق بالشوق اليك وافتقدُ ارضك ورمال صحرائك وحتى الشاهق من جبالك.. لاشيء يُشبهك ولا بحرا يُقبل الأقدام بدفء كما يفعل بحرك.
انت لست مثاليا أبدا وان كنت كذلك لصرت الوطن الوحيد للعالم كله والملجأ المتفرد لكل المشردين.. أنت وطنا تُشبهنا مناسب جدا لمواطنين ومواطنات يحتفلون بعيدك بدلة قهوة وبصحن تمر وبيوم اجازة يفرحون به أكثر من فرحهم بك.. انت مناسب جدا لقلوب بسيطة تحن للخيمة وهي في أحضان قصر تبحث عن غبار الصحراء وهي وسط عمائر المدينة.
ياوطني الأجمل كُن دائما كما أتمناك أن تكون ولا ترتكب حمق المثالية ولا تغرق في متاهات الحرب دائما، فنحن مثلك بسطاء ونخطئ كثيرا بعدد حبات رملك وأكثر.
يارب احفظ وطني
|