الخميس, 24-يناير-2008
الميثاق نت -    أمين الوائلي -
لا أتحدث عن حزب.. بل عن دولة، ولا عن أمن مواطن مفرد بل عن أمن وطن بأسره الدولة وحدها ضمانة الأمن والاستقرار والمؤسسات هي ضمانة عيشنا المشترك، لا يوجد حتى اليوم عبقري اكتشف أن نقض بنيان الدولة سبب كاف للوصول إلى الأمن والتنمية وتحسين المعيشة.
كما لا يوجد من زاد على ما سبق وأثبت أن تمزيق عرى المؤسسات والهيئات الدستورية وزراعة الوطن بالحرائق وحرائق الأزمات والاحتقانات من شأنه أن يحل مشاكل المواطنين ويمد في عيشهم ويضمن حقوقهم أو بعضها.
في الأحوال والاحتمالات كافة لا يجب التسليم مع القائلين بأن معالجة الاختلالات ومكافحة الفساد بأنواعه المختلفة والمخادعة والمطالبة بدفع المظالم وتشغيل العاطلين وتحسين مستوى معيشة الأفراد والسكان.. أنه إنما يكون عبر سلوك طرائق وإذكاء حرائق تعمل مجتمعة على الانتصار على الدولة.
بالأولى والأوجب فإن المجهودات والمعالجات والبرامج والطاقات كافة يجب أن توظف بالاتجاه الصحيح، ويجب أن تحصن ضد عوامل الفشل أو الإفشال المضاد والتعويق المقصود من قبل هذه أو تلك من الجهات والجماعات ويجب أن تستهدف الإصلاح بالإصلاح والتطبيق بالمعالجات وليس العكس.. وأخيراً يجب أن تهدف إجمالاً إلى الانتصار لمفهوم وكيان ونظام ومؤسسات الدولة وليس الانتصار عليها.
الذين يرفعون النضال شعاراً لمجمل الفعاليات والتحركات على اختلاف أفعالها وما تخلق أو تختلق من تفاعلات سلبية وسيئة ينسون أو يتناسون ربما قصداً أو عمداً أن العمل خارج إطار المؤسسات والجهد المؤسسي ودون غاية محتملة أو ممكنة يصل إليها الجميع ويتوقف عندها صخب النضال المقترن بالمسيرات والمهرجانات التحريضية والخطابات التهييجية وما يرافقها ويختلط بها من هوس وتجاوزات مسفة ومسرفة في السوء والإساءة، أن ذلك كله يضطهد فلسفة النضال وعقول الجماهير.
ذلك أن الغاية لم تعد واردة في أحوال مشابهة وإنما تحولت الوسائل إلى غايات مطلقة بذاتها، وهكذا الأحزاب تتقمص دور ومكانة الدولة والمؤسسات، والمظاهرات التي لا آخر لها ولا مطراً يرجى منها تصبح هي الغاية والعقيدة.
العنف اللفظي والسياسي والإعلامي، كما يجسده الخطاب السياسي والإعلامي المستعر يتحمل وزراً ثقيلاً ومسئولية أكيدة وثابتة تجاه ما أفرز من حالات عنفية أخرى - مادية ومباشرة - وصلت حد الإرهاب والتعبير بالرصاص واستهداف السياح الأجانب، ولا سبب أو غاية مفهومة ومعلنة.. سوى القتل.. لأجل القتل، فهل تساوى هذا مع سابقه أم تساوقاً معاً - النضال لأجل النضال؟!
ولكن القتل هذه المرة - ودائماً - كان لأجل القتل، ولأجل تقويض قطاع السياحة ومورداً مهماً للدخل القومي، وضرب الاقتصاد الوطني في العمق، ولأجل تنفير المستثمرين الأجانب وإشاعة جو من الريبة لتصدير سمعة سيئة عن اليمن ودولته وأهله.
يصعب عن الملاحظ والمراقب أن يفصل أو يباعد تماماً بين حالة استهداف السياحة والاعتداء على السياح البلجيك في دوعن، أو الأسبان في مارب وبين حالات الاستعداء والاستهداف المباشر للسلامة العامة والسكينة العامة والسياسات العامة، من قبل فعاليات حزبية ومصلحية اجتمعت كلها في خندق التأزيم ومكاثرة حالات العصيان والتمرد - المادي أو المعنوي - ضد المؤسسات وهيبة القوانين وسيادة الدولة المركزية.
إطلاق الرصاص والضغط على الزناد إنما يجيئ آخر الجريمة وليس أولها وقبل ذلك هناك طابور طويل من الجناة والشركاء المباشرين أو غير المباشرين عملوا معاً على تسهيل المهمة من خلال حالات ومظاهر الاستسهال بالمخالفات وتذويق التجاوزات وتبرير أو تفسير الخروقات وقد شهدنا ذلك مؤخراً من أشخاص اعتباريين وأعضاء برلمان ذهبوا يخطبون ضد الوحدة وسيادة الأمة والدولة ويخطبون إعجاب الجماهير المغلوبة على أمرها وعواطفها ببطولات دعائية تصور الخروقات كهذه على أنها "النضال" و"شرف" وغاية "الوطنية".
التبسيط جر إلى التعقيد والتهوين جر أهوالاً واستدعى مآسي جمة.. يجب أن نلجمها ونوقف آثامها وجناياتها فهل يمكن ذلك من دون إلجام السبب وإيقاف النزيف العبثي الحاصل في القيم والمعايير السياسية والحزبية والوطنية؟!
أخشى أن النسخة المهجنة من النضال المحدث إنما تناضل وتعمل ضدنا، ضد السلامة والسكينة العامة.. وضد الدولة.
وعلى الدولة أن تحترم نفسها وألا تسمح بانهيار أو خدش منظومة السيادة الوطنية والسلطات القانونية، عليها ألا تهادن الإرهاب والتخريب، كما عليها أن تبذل جهدها ووسعها في سد بؤر النزيف وإغلاق ملفات الفساد والإفساد في الأرض.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:32 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5668.htm