الجمعة, 25-يناير-2008
الميثاق نت -     د/عادل الشجاع -
الثقافة هي التاريخ الإبداعي للإنسان عبر العصور وهي السلطة الوحيدة القادرة على الحديث عن الكل الوطني الذي يفرق بين البشر على أساس الانتماء السياسي الفردي على عكس السياسة التي تفرق ولا تجمع، والثقافة دائماً تصلح أخطاء السياسة، فإذا كانت السلطة والمعارضة يختلفون على أمور سياسية فلماذا يختلفون على أمور ثقافية تتعلق بالهوية والوحدة الوطنية، فالثقافة يجب أن تصلح فكرة الطائفة والمنطقة ومن هنا يأتي دور المثقفين في هذا السياق، فهم الأقدر على فك الاستعصاء وخلق التواصل بين السياسيين وإعادة خلق نوع من المصالحة، مطلوب من المثقف أن ينفصل عن العمل الحزبي، لأن العمل الحزبي أفقد المثقف دوره التاريخي واستقلاليته.
فالمثقف لا يكون مثقفاً إلا إذا كان في إطار مشروع وطني وللأسف فإن المزج بين المثقف والانتماء السياسي على أساس المفهوم الوطني ما زال غير واضح، ولا نغالي إذا قلنا أن هناك نوعاً من التغييب ما زال يمارس على الثقافة في الحياة الوطنية اليمنية وما زالت الأولوية للجانب السياسي في مختلف المجالات والممارسات ومن يتابع الصحافة اليمنية يشعر بالغثيان، حيث أصبحت هذه الصحف توظف المفردة السياسية من أجل مشروع لا أفق له، حتى الحكومات المتعاقبة لم تول اهتماماً لوزارة الثقافة أو للجانب الثقافي ونظرت إليه باعتباره شيئاً هامشياً وثانوياً ولم يدرك القائمون على البلاد أن الثقافة لا تقل أهمية عن السياسة والأمن ولا يمكن أن تنجح استراتيجية أمنية سياسية بدون مشروع ثقافي قادر على إفساح المجال أو تهيئة الأرضية المناسبة لنجاح هذه الاستراتيجية الأمنية والسياسية.. ومن هنا فإنني أدعو الأحزاب السياسية والصحافة اليمنية وكل من يريد أن يخرج الوطن من الاحتقان الذي وصل إليه، أن نجعل من عام 2008م عاماً للثقافة ونفسح المجال لمشروع ثقافي ربما يكون هو الأقدر على ملء الثقوب التي أوجدتها السياسة، ومن هنا يجب على الجميع أن يدركوا أن التهديد الذي يترصدنا سببه غياب الثقافة الوطنية، إن المشروع الثقافي يجعل الجميع بمنأى عن المواجهة، خاصة وأن السلطة القائمة هي سلطة جاءت عن طريق الانتخابات، ولذا فالواجب على الجميع احترام رأي الأغلبية لأنها تعبر عن إرادة الشعب.
إن غياب المشروع الثقافي وتماهي المثقف مع الأحزاب أصبحنا أمام مشروعين هناك مشروع تقوده المعارضة وهو مشروع عبثي لا يعطي أفقاً ولا رؤية بالإضافة إلى أنه محمل بشحنة عدائية ضد السلطة في المقابل هناك المشروع الوطني الذي ينتظر دور المثقفين كي يقولوا كلمتهم، وهناك مشروع ثالث تقوده السلطة، نعم هناك خلل في هذا المشروع ولكنه مشروع واضح يركز على الأغلبية ويقول بالسلام والاستقرار الاجتماعي وهو على الأقل مشروع واضح.
هناك تحديات كبيرة تواجه المشروع الثقافي هناك خطر بيع الآثار والمتاجرة بها مما يعيق أي عملية استنهاض للثقافة والهوية الوطنية فبيع هذه الآثار يعني طمس حضارة هذا الشعب حتى لا نستطيع بعد ذلك أن نثبت أننا أصحاب حضارة.
وهناك خطر لا يقل شأناً عن الخطر السابق يتمثل في الجماعات السياسية ذات التوجهات الدينية التي توظف الدين من أجل مشروع سياسي لا أفق له وبالتالي أصبحت هذه الجماعات تملك ثقافة مغايرة للثقافة الوطنية.
هناك جهات مستعدة لدعم العمل الثقافي من أجل الخروج من هيمنة السياسي على كل مقدرات الوطن.
واعتقد أننا لا بد أن نميز بين الثقافة والسياسة، فالثقافة مفتوحة على الحوار، مستعدة للتعاون والتفاعل، والسياسة تقوم على الانغلاق والتعصب وتعادي كل من يختلف معها.
ولا شك في أن اتساع مدى الثقافة وتزايد نفوذها يؤدي إلى تقليص الجوانب السلبية للسياسة، والقضاء على جذور التعصب فيها، وما يترتب على هذه الجذور من أشكال التعصب المقرون بالقمع الذي ينتهي إلى العنف.
إن الثقافة كما قلنا تساهم في حل الاستعصاء السياسي وتفكيك الوعي الشوفيني لدى السياسيين.
والظريف أن تتحدث أحزابنا السياسية وأجهزتها الإعلامية عن حقوق الإنسان بينما لا تعرف ثقافة هذه الأحزاب هذه الحقوق ولا مواثيقها، ولا تحترم مبادئها عملياً، وطبيعي مع إنتشار ثقافة التخلف أن تفشل محاولات التنمية في بلادنا وكل الأحزاب السياسية في اليمن هي نتاج مرحلة الستينات وكلها بدون استثناء كانت سبباً في القضاء على أي أمل في إمكانات التنمية، بل أن فكرة التنمية لدى هذه الأحزاب تبدو فكرة غريبة، فثقافة هذه الأحزاب تقوم على ما هو سياسي بشرط الوصول إلى السلطة بدون الأخذ بمقومات وآليات التغيير.
إن أحزاب المعارضة وهي تكتشف اليوم زيف المطالب الحقوقية من قبل بعض الجمعيات اكتفت بهذا الاكتشاف لنفسها ولم تسع إلى حوار مفتوح مع المجتمع لتوضح له ذلك بما يعني أنها تروج ذلك لحسابها حتى وإن أدى ذلك إلى القطيعة مع منظومة القيم والأفكار والتوجهات، لذلك اجترأت بعض الأصوات وانبرت في غياب المواجهة العامة للمطالبة بالانفصال، كل يسعى إلى مصالحه الفردية وفقاً للعلاقات القوية وليس وفقاً لعلاقات المعنى.
لست أدري كيف تترك المعارضة فكرة التنمية وتستهويها دعوة الهوية المعطلة المضادة للإنسانية ولحركة التاريخ والتي تكرس الخلاص الفردي دون الخلاص الجماعي.
إن الدعوات الانفصالية تؤسس لسلوك بربري يسقط عن المواطن الهوية الإنسانية هل لنا إذاً أن نجعل عام 2008م عاماً للثقافة والمراجعة وصياغة خريطة فكرية ومعرفية جديدة تجاوز الثنائيات المتضادة المتعادية تقليدياً إلى تركيبة جديدة تجاوز ذلك إلى أفق أكثر رحابة من كل ما مضى والسعي إلى إيجاد مكان للجميع داخل ثقافة المجتمع المدني الذي يمضي في تقدمه المتسارع في الوقت الذي نتحرك بحق إلى الوراء!
تعد الثقافة عاملاً محورياً في التغيير، بينما السياسة المجردة من الثقافة ترفض مجتمع التنمية وتصبح القيم سلعاً برسم البيع.
نقلا عن الثوة
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:54 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-5671.htm