عبد الباري طاهر ❊ - انقلاب المجلس الانتقالي على الشرعية تحصيل حاصل لتفرد الإمارات العربية منذ بدء الحرب، بالجنوب، بتشكيل أحزمة أمنية ونخب وميليشيات تدعو كلها للانفصال، كما تبنت التيار السلفي، ودعمت قوات طارق صالح، وكلها قوى شكلتها الإمارات في مواجهة الوحدة اليمنية، وفي مواجهة مع الشرعية والتجمع اليمني للإصلاح.
منذ البدء، عملت الإمارات على تغذية وتأجيج الصراع الجنوبي، وعطلت معالم التمدن والحياة في الجنوب، ومارست وشجعت القمع والإرهاب والاغتيالات، واتجهت للاستيلاء على الموانئ والجزر، ومصادرة الحريات، وإذلال اليمنيين، وحولت عدن إلى ثكنة عسكرية مملشنة تتبنى الانفصال.
تفكيك اليمن هدف أعظم ومشترك بين الإمارات والسعودية، وخلافاتهما في اختلاف تحالفاتهما، وفي بعض التكتيكات، ومن حول الاقتسام قبل نجاح الاصطياد.
إعادة العلاقات مع سوريا، والتنسيق الإماراتي مع إيران حول أمن الخليج، مصدر قلق للسعودية، ولكن الأمر الأهم هو الضغط الأمريكي لحل سياسي في اليمن؛ فالكونجرس الأمريكي يضغط لوقف الدعم الأمريكي للسعودية في حربها على اليمن، وهو ما دفع كلاً من الحليفين لدعم حلفائه لضمان استمرار الهيمنة والنفوذ.
الجلي خسارة التحالف الحرب، وبداية المعارضة لها، واتساع دائرة الانتقاد عليها، والدعوات السلامية في طول اليمن وعرضها، وبداية التململ والجهر ضداً على نهج الحرب، وتدمير المجتمع اليمني، وتمزيق عراه، والصراع على اقتسام الجنوب بين الحليفين بواسطة حلفائهما.
المعارك التي شهدتها عدن وأبين وشبوة، وتبدلاتها الدراماتيكية ما بين سرعة غلبة الشرعية، ثم تدخل الإمارات لنصرة "الانتقالي" ليصل إلى شبوة التي للإمارات وجود عسكري فيها، وبالأخص في "بلحاف"؛ منطقة الثروة، ثم تدخل قوات الشرعية المدعومة سعودياً، لتصل وبنفس السرعة إلى "العلم"؛ المدخل إلى عدن، ثم ضرب الطيران الإماراتي لهذه القوة باعتبارها قوة إرهابية… مسرحية دموية تدل أن اليمنيين أدوات في حرب عبثية وإجرامية تدمر وطنهم، وأن غرفة عمليات التحالف هي التي تحرك أدوات هذه الحرب. بداية التململ في صفوف الشرعية -فك الله أسرها- أمر إيجابي، ولكن الخطيئة استمرار التعويل على موقف السعودية، والرهان على خلاف الإمارات مع السعودية.
الخلاف الإماراتي السعودي موجود، وتبدو الإمارات فيه الأقوى والضاغط؛ لارتباطها الأقوى بأمريكا التي لها مآخذ كثيرة على السعودية، وتريد ترويض السعودية أكثر فأكثر . أسبرطة الثانية (الإمارات) تتقمص دور إسرائيل العربية، ودورها في مراحله الأخيرة؛ فهل تكون اليمن مقبرة هيمنتها الاصطناعية؟
يدرك الأمريكيون والأوروبيون استحالة انتصار الحرب في اليمن؛ فالأطراف كلها عاجزة عن تحقيق انتصار عسكري، لكن الحرب كانت مهمة لهذه الدول في سياق تدمير الكيانات العربية، وإعادة الصياغة وفق الرؤية الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية، وكان المال العربي في الخليج هو الممول الأساس لعبور قطار صفقة القرن، وتسيد إسرائيل. يدرك الأمريكان والأوروبيون أكثر من السعودية أن اليمن ورقة تكتيكية في الصراع، وأن ميدان الصراع الحقيقي العراق، وسوريا، ولبنان، وأن اليمن يستحيل تحقيق انتصار عسكري فيها لأي طرف؛ فهي نقطة مساومة، وهو ما أدركته الإمارات، وتستشعر السعودية خطورته؛ لأنه يطول مطامحها ومطامعها في اليمن، وقد يصل إلى ما هو أخطر؛ فالنظام السعودي -بطل الحروب ضد الثورات العربية، وضد الربيع العربي- أصبح محل نقمة وغضب المجتمع الدولي، ويتحمل النصيب الأكبر من الكوارث التي حلت بالأمة العربية كلها، وهو موضع انتقاد المجتمع الدولي كله؛ لمسؤوليته عن نشر التطرف والإرهاب، وهو محل استهداف حلفائه.
ما يجري في الجنوب يدل أن اليمن تحولت إلى ميدان قتال، وأن اليمنيين أدوات حرب في صراع الإقليم المدعوم دولياً، وإن كان هذا لا يعني أنه ليس لليمنيين قضاياهم وصراعاتهم، لكن القضايا الوطنية -على أهميتها- غائبة.
الصراع الإقليمي همش القضايا الوطنية، ودفع باليمن إلى صراع هدفه ابتلاعها وتمزيقها، وليس من مخرج لأطراف الحرب الأهلية والإقليمية والقوى الدولية، للخلاص من أسوأ كارثة على وجه الأرض -حسب توصيف الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والضمير الإنساني- غير الإسراع بوقف الحرب، والتنادي للسلام.
المأساة أن صناع الحرب الأهلية والإقليمية والدولية -وهم كل المأساة- هم أيضاً أساس في الحل، ويرتبط الحل في البعد الدولي بالصراع الإقليمي، وتحديداً بين أمريكا وإسرائيل وإيران، ويكون الصراع الخليجي الإيراني واجهة الصراع الدولي، ويزج باليمن في مستنقع هذا الصراع.
تضغط إيران باليمن لفك حصارها القاسي، وتتورط السعودية والإمارات في محاولة الاستيلاء على بلاد تمتهن الحروب، وتتعايش معها لأزمنة متطاولة؛ فقد قهرت اليمن الحملات الإمبراطورية عبر التاريخ: الرومان، الفرس، الأحباش، المماليك، الأتراك، البرتغاليين، وأخيراً البريطانيين.
حكام السعودية والإمارات لم يقرؤوا التاريخ، ولم يستوعبوا تجارب الأمم والشعوب ومكائد الاستعمار؛ فاليمن مقبرة الغزاة بحق.
الصراع اليمني - اليمني لا يحله إلا تشجيع اليمنيين على العودة للحوار، وقبولهم بالتشارك، والاحتكام للحل السلمي هو الحل الوحيد الممكن. يقول أحد شيوخ المؤرخين اليمنيين؛ الخزرجي، إن لليمنيين وثبات كوثبات السباع. يستكين اليمن حتى ينساه العالم، ولكن الإرادة الوطنية تبقى حية أو متوثبة، وثبات 48، و55، و62، والـ14 من أكتوبر 63، ويوم الـ22 من مايو 90، وثورة الربيع العربي 2011، الوثبة المراهن عليها التصدي للحرب، وإسكات كل بنادقها وأبواقها، والاتجاه لحل سياسي شامل يكفل حقوق الجميع، ويوفر الطمأنينة للجوار، ويراعي المصالح الدولية.
حكام السعودية والإمارات لم يقرؤوا التاريخ، ولم يستوعبوا تجارب الأمم والشعوب ومكائد الاستعمار؛ فاليمن مقبرة الغزاة بحق.
❊ نقيب الصحفيين اليمنيين الأسبق
|