د. طارق أحمد المنصوب -
عديدة هي الأسئلة التي أثارها ماحدث في مديرية دوعن بمحافظة حضرموت، عن مبررات ودوافع اختيار التوقيت والمكان والضحايا، وعن الطرف أو الأطراف التي تغذي مثل تلك الأعمال في حق المدنيين العزل، وتزين لمرتكبيها نتائج ما يفعلون؟ وعن التبريرات التي يقدمونها لهم في كل مرة لتبرير الأخطاء بعد اكتشاف حجم الأضرار وطبيعة الأهداف أونوعية الضحايا؟ ثم عن التبعات والنتائج الوخيمة التي تخلفها تلك الأعمال على السياحة والاقتصاد اليمني. وأخيراً عن سبل المواجهة مع هذه الأطراف؟
لقد أثار تجدد الأعمال الإرهابية وجريمة قتل السياح الأجانب في مديرية دوعن بحضرموت، وقبلها قتل السياح الإسبان في مأرب الحيرة والغصة في نفوس عدد كبير من المواطنين اليمنيين الذين يجدون صعوبة في تفسير حقيقة ما يجري، في كل مرة يجري فيها استهداف السياح الأجانب ممن قدموا للتعرف عن قرب على المعالم الحضارية اليمنية. وخاصة أن مرتكبيها هم من أبناء المجتمع اليمني قد يكونوا ممن وقعوا - هم أنفسهم - ضحايا لفكرٍ عصابي متطرف، وخضعوا لغسيل فكري وذهني، واعتمدوا على بعض الاجتهادات الفقهية التي جانبها الصواب، وحادت عن الطريق القويم الذي يحرم قتل النفس البشرية بغير سبب أو فسادٍ في الأرض؛ حيث نزلت العديد من الآيات القرآنية التي تنهى الإنسان عن الاعتداء على أخيه الإنسان وتحرم تلك الأفعال وتجرمها وتتوعد مرتكبيها بأسوأ العذاب، وأي حكمٍ أشد من قوله تعالى: « مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» صدق الله العظيم [المائدة، 5: 32]، وكما يقال فلا اجتهاد مع وجود النص.
ولأنه من النادر أن يكشف الإرهاب عن نفسه وعن دوافع منفذيه الحقيقية، فإن معرفة دوافعه وجذوره وأسبابه سيكون كفيلاً بمعرفة أساليب مواجهته المناسبة، وهذا الأمر يفرض على الجميع في مجتمعنا اليمني من علماء وخطباء ووعاظ ومفكرين ومثقفين وسياسيين انتهاج سياسة لمواجهة الفكر الإرهابي بخطابٍ وبفكرٍ بديل، مفرداته تقوم على غرس أفكار التسامح بين أبناء المجتمع اليمني الواحد، قاعدته وأساسه الحوار والتفاوض والتعاون والتراضي والتكافل الاجتماعي، وعلى قاعدة أن الخلاف أو الاختلاف يعد أساساً للغنى وللتنوع وليس مدعاة للصراع والاقتتال وتأجيج الخلافات بين أبناء المجتمع الواحد.
صحيح أن ظاهرة الإرهاب وقتل السياح الأجانب ليست بالظاهرة الجديدة، لكنها تختفي حتى تكاد تتلاشى من ذاكرة المجتمع اليمني، ثم ما تلبث مثل تلك الحوادث أن تعيد إحيائها مجددا. واللافت للنظر أن مخرج ذلك المشهد الإرهابي الدامي يتفنن في كل مرة في اختيار وسيلة الموت لضحاياه وفقاً لمتغيرات الزمان والمكان، ونوع الهدف أو الضحية، وحجم الرعب المرغوب فيه؛ فتارة يتم عن طريق زرع الألغام على الطريق أو تفجير سيارة مفخخة، وتارة أخرى يكون عن طريق ارتداء حزامٍ ناسف أو إلقاء قنبلة على حشدٍ كبير من الناس، وعندما يكون عدد الضحايا كبيراً، وتتناثر أشلاء الضحايا وجثثهم على مساحة كبيرة من موقع العمل الإرهابي أكد ذلك - عند مخططي ومنفذي الفعل الإرهابي - على النجاح الكبير. وكل هذا يتم بهدف ترويع الآمنين وإثارة الخوف والفزع الشديد في نفوس الضحايا، وبث حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي في أوساط المجتمع، والإساءة إلى علاقات البلد الخارجية، وإعاقة مسيرة التنمية الاقتصادية وطرد الاستثمارات الأجنبية، وربما مثلت هذه الأهداف القاسم المشترك بين كافة أعمال الإرهاب التي وقعت داخل التراب اليمني. فمما لاشك فيه أن توفر الأمن ضروري لتحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي يعد واحداً من أهم المقومات الأساسية للتنمية الاقتصادية، وأن حدوث اختلالات بنيوية فيه دليل على اختلال مسيرة التنمية؛ حيث تشير الكثير من الدراسات التطبيقية إلى أن واحداً من أهم أسباب الركود الاقتصادي في كثير من الدول يعزى إلى تنامي حالات عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي التي تسود فيها.
لقد شهد مجتمعنا اليمني خلال السنوات القليلة الماضية تطبيق برنامج الاصلاحات المالية والإدارية وهو البرنامج الذي تبنته الحكومة قصد إصلاح الاختلالات الهيكلية التي ظل الاقتصاد اليمني يعاني منها نتيجة مروره بالعديد من الأزمات الاقتصادية المتتالية، كما بذلت جهود كبيرة لترسيخ الاستقرار الاقتصادي وتحسين ظروف المعيشة للمواطنين، عبر توسيع قاعدة الاستثمارات الوطنية والخارجية التي ظلت الحكومة تعول عليها كثيراً في خلق فرص عمل جديدة للعديد من الشباب العاطلين عن العمل. ونتيجة لذلك فقد شهدت بلادنا في السنوات القليلة الماضية فترة من حالة السكينة والهدوء والاستقرار، والكثير من التحولات النوعية في الأوضاع الاقتصادية، وتلاشت معها كل المظاهر السلوكية الشاذة التي شهدها المجتمع في بعض السنوات أواخر القرن الماضي مثل: حالات التقطع، والإرهاب وقتل السياح الأجانب. ولذا فإن تجدد ظاهرة الإرهاب وقتل السياح الأجانب، تأتي اليوم لتشكل ضرراً بالغاً بفرص وبإمكانيات الوطن وتوجهاته على طريق التقدم الاقتصادي والنهوض التنموي، ولتنعكس سلباً على مجمل السياسات التي انتهجتها الحكومة اليمنية والتي هدفت من خلالها إلى تعزيز ثقة المستثمرين الخارجيين في المجالات التنموية المختلفة، ودفع شركاء التنمية للقدوم إلى اليمن، وهو ما يبين سبب اختيار هذا التوقيت الدقيق، وسبب استهداف السياح في مدينة حضرموت بالذات؛ حيث تعمل تلك الأعمال على بث المخاوف لدى العديد من المستثمرين من الأشقاء العرب والأصدقاء، ودفعهم إلى مجتمعاتٍ أخرى توفر لهم الأمن والاستقرار. وهي تتفق في أهدافها ومراميها النهائية مع بعض القوى السياسية التي تسعى إلى تأزيم الوضع السياسي والاقتصادي، وزيادة الضائقة الاقتصادية لدى أبناء يمننا الحبيب.
* أستاذ العلوم السياسية المساعد - جامعة إب