طه العامري -
الديمقراطية هي فلسفة السياسة ونظام حياة وثقافة اجتماعية وسلوك وهي منظومة من التشريعات والقوانين المنظمة للحياة الوطنية والمحققة لمبدأ الشراكة في الحكم وكل هذه المفاهيم في حرية التعددية الحزبية وفي قطبي الحراك الديمقراطي- الحاكم والمعارض ـ وتخضع الديمقراطية لمدى الوعي السياسي والوطني لمن يأخذ بها كنظام حياة وآلية لحل المعادلة الجدلية بين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة وبالتالي يحتكم الجميع لقوانين وشروط الديمقراطية دون إخلال بقوانينها أو تحايل على تشريعاتها والديمقراطية يكمن نجاحها أو فشلها في أي مجتمع من المجتمعات في نسبة وعي القائمين عليها والمتعاملين بها والنخب والفعاليات السياسية والحزبية في أي مجتمع سواء كانت حاكمة أو معارضة هي مسئولة عن تجذير قيم الديمقراطية ونشر ثقافتها وتقديم نماذج سلوكية تجعل المتلقي وهو المستهدف قابلاً للتأثر والتأثير بالقيم الجديدة.. والديمقراطية لاشك جديدة ليس على واقعنا بل وعلى الكثير من الشعوب ولأنها كذلك فإنها تحولت لدى بعض الشعوب والمجتمعات بمثابة كوارث اجتماعية ومسرح للتناحر الوطني وهذا ليس من الديمقراطية وإن كان يحدث باسمها وفي هذا كم تحملت الديمقراطية من تهم لم يكن لها علاقة بها ولكن هذا مايحدث فالحرية قد تصبح هى الأخرى شكلاً من أشكال الفوضى والديمقراطية قد تصبح وسيلة دمار بدلاً من كونها وسيلة تنمية وتعمير وجهاد واجتهاد وتنافس من أجل تحقيق الأفضل للوطن وهي أيضاً محكومة بمنظومة خصائص وطنية واجتماعية وثقافية ويرتبط نجاحها إلى حد كبير على قدرة ووعي من يأخذ بها من الشعوب المدركة لحقيقة أن الديمقراطية هي في الأخير إنسان يرغب في النجاح ويسعى للإمساك بزمام التطور والتقدم وأسبابهما ليحقق السعادة والاستقرار لشعبه لا لنفسه ..
بيد أن مانشاهده في واقعنا من ممارسات تحدث باسم الديمقراطية ينقصها الوعي في الغالب ولأن الديمقراطية هي في الأخير إنسان يحكمه الوعي ويحركه طموحه الوطني فإن المفترض أن يكون تعاطينا مع الديمقراطية نابعا من قوانينها وثوابتها وتشريعاتها لا من أمزجتنا وقناعتنا الخاصة ومصالحنا لأن الديمقراطية عندما ترتبط بنزوع ونوازع الافراد أيا كانت مكانتهم تصبح بعيدة عن هموم العامة ومعاناتهم وتصبح عنواناً لخلافات النخبة وتناحرها ويصبح الغاية منها ليس التطور والتقدم الاجتماعيين ولا التنمية والتحديث بل يصبح الهدف هو الحكم والسلطة وفي هذه الحالة لم يعد الحراك الوطني ذا تأثير على العامة أو مدرسة يمكن الاستفادة منها وتأهيل المجتمع وتوعيته بقيم الديمقراطية التي تفقد حضورها وبريقها عندما تصبح مسخرة للصراع على السلطة مع أنها في الحقيقة جاءت لحل هذا الصراع الجدلي والمزمن والذي استنزف قدرات وإمكانيات الشعوب والمجتمعات ..
إن الديمقراطية إن لم تطبق وفق قوانينها وتشريعاتها وقيمها لا جدوى منها ولا أمل في قدرة أصحابها على التطور والتقدم أن كانت الديمقراطية بنظرهم وسيلة لا غاية وعنوان لحراك سياسي لا ثقافة اجتماعية تؤسس لشراكة تكاملية خالية من النوازع المريضة والعاهات الاجتماعية التي كانت وراء تخلف الشعوب والمجتمعات وتناحرها لقرون خلت لم تنجز خلالها الكثير من الامم والشعوب غير التخلف الحضاري والجهل ولم تكن أمتنا ولا شعبنا بعيداً عن هذه الامم والشعوب التي عاشت بعيداً عن كل مقومات التطور الحضاري .
بيد أن اليمن التي دخلت أطوار التحولات الحضارية في عهد فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، حفظه الله، وتحت قيادته الحكيمة تحقق لليمن الكثير من المنجزات ربما أبرزها هو أن حالة التناحر الاجتماعي المنظم اختفت وهناك واقع جديد أخذ في التشكل والنمو وقيم جديدة تسود وثقافة ناشئة تفرض مفرداتها في الوجدان والذاكرة الوطنية بغض النظر عن كل هذا الحراك السلبي والطروحات القاصرة والخطاب النزق بل إن كل هذا الحراك بسلبياته وطروحاته القاصرة وخطابه النزق يعكس في أبعاده وتبعاته حقيقة التحول الذي يمضي عليه شعبنا الواقع في مرحلة تحول حضاري ينتقل خلالها مما كان إلى مايجب أن يكون عليه وهي المرحلة التي تحرك أصحاب المصالح وتدفعهم ربما إلى ارتكاب الحماقات أحيانا بصورة ظاهرها الدفاع عن حقوق مشروعة أو ماشابه ذلك ذلك، لكن في الحقيقة أن مايحرك هؤلاء عادة ليس الصالح العام ولا الحقوق المشروعة وليس هناك ما يحركهم غير مصالحهم الخاصة وامتيازات مكتسبة ويبحثون عن مواقعهم في ظل الواقع الجديد.
يبدو أن ما تمتاز به مراحل التحول الديمقراطي هو غياب ثقافة الانتماء والهوية لدى البعض الذين نجدهم غالباً مؤدلجين ولكنهم يتخلون عن معتقداتهم الفكرية والأيديولوجية مقابل أن يصلوا أولا إلى غايتهم ويرتبوا أوضاعهم على خارطة التحولات تحت ذريعة العجز عن ترك مكانتهم للجماهير التي هي من تحدد مكانة هذا الطرف أو ذاك بدعوى هيمنة الحاكم وهي الذريعة التي يسوقها العاجزون عن خوض المعترك لرغبتهم في الحصول على مايرغبون بقرار شمولي وعلى هذا يساومون الحاكم ويبتزون ما يطمحون إليه ولم يتمكنوا من الحصول عليه عن طريق الديمقراطية ، والغرابة في مثل هذا السلوك أن أصحابه يتحدثون في الغالب عن شمولية الحاكم كجزء من منظومة الثقافة السياسية التي يأخذون بها، في المقابل يطلبون من هذا الحاكم اتخاذ قرارات شمولية يحصلون بموجبها على مكاسب وامتيازات خاصة على أمل أن يخوضوا بها المعترك الديمقراطي لاحقاً.. درامية سياسية نعاني منها في بلادنا حيث الديمقراطية التنافسية لم تقنع البعض على التعاطي الجاد والمسئول مع التحولات الديمقراطية ولذلك نجدهم يتحدثون عن الشراكة والتقاسم والمحاصصة والتمثيل السياسي والقبلي والجغرافي وكل هذه المفاهيم لا تستقيم مع الديمقراطية وحقائقها وثوابتها لكنه الجهل والنزق والتسامح الذي قابل به فخامة الرئيس علي عبدالله صالح كل هؤلاء وتصرفاتهم فأوجد هذا التسامح ما يشبه رد الفعل العكسي وراح البعض يوظف هذا التسامح للابتزاز والمساومة والتوظيف مستغلاً رغبة الرئيس وحرصه على الوطن والتحولات والمكاسب وعلى الاستقرار وهكذا يتحول حب الوطن لدى البعض إلى نقطة ضعف يستغلها البعض الآخر الذي أخرج الوطن ومصالحه من حساباته وتوقف كل همه في نطاق المكاسب الشخصية التي ستعود عليه من المرحلة والوطن والحراك القائم بل والأدهى من هذا أن ثقافة أخذت تنمو لدى من يحسبون أنفسهم نشطاء الحياة السياسية وخاصة في المعارضة وهي قناعتهم أن كل من له علاقة بالنظام السياسي هو (عميل) وإن المعارض هو الوطني، طيب عندما يصبح هذا المعارض حاكماً كيف سيعرف نفسه ؟؟
هذه الثقافة بمفاهيمها ليست عابرة وإن كانت غير ذات تأثير لكنها تعكس ثقافة ورؤى مكتسبة لدى هؤلاء الذين كان أملنا أن يساهموا في التوعية والتنمية السياسية والتأهيل الوطني للمتلقي وبما يمكنه من التعاطي الحضاري الخلاق مع التحولات وقيمها، ولكن للأسف وجدنا أنفسنا أمام ترويكا سياسية فاقدة للقدرة والمبادرة ولهذا ينحصر إسهامها في زيادة المعاناة والأزمات كونها في الحقيقة تجهل غالبا دورها لأن المرحلة بقيمها أكبر من إمكانيات هؤلاء على الاستيعاب وتلك هي المشكلة .. ولنا صلة.
نقلا عن الثورة